مرَّت 4 أشهر على ما يُعتقد أنها ثاني أكبر محاكمة سياسية في تاريخ الإمارات، ومع ذلك فلا أحد يعرف على وجه التحديد هوية الأشخاص الذين يحاكمون في هذه المحاكمة، بينما أشار موقع Middle East Eye البريطاني إلى أن من بين أبرز المحاكمين أحد كبار أفراد الأسرة الحاكمة في إمارة رأس الخيمة.
الموقع البريطاني أوضح في تقرير له، الثلاثاء 5 مارس/آذار 2024، أنه يُحاكم في القضية 84 شخصاً، لكن المحامين الذين يمثلون بعض هؤلاء المتهمين يرفضون إطلاع ذويهم على أي تفاصيل، ويقولون إنهم وقَّعوا اتفاقات مع السلطات الإماراتية تمنعهم من الكشف عن أي معلومات.
أمَّا من تمكنوا بطريقةٍ ما من التحقق من أن أقاربهم يُحاكمون في القضية، فقد شاهدوا بعض إجراءات المحاكمة على شاشة صامتة من غرفة منفصلة في قاعة المحكمة، ومع ذلك ظلوا بعيدين عن ذويهم المتهمين الذين لم يروهم منذ أشهر، بل وبعضهم منذ مدة أطول من ذلك.
أكبر محاكمة سياسية في تاريخ الإمارات "سرية"
تحدَّث قريب أحد المتهمين الذين يحاكمون في القضية للموقع البريطاني، بشرطِ عدم الكشف عن هويته، خشيةَ تعريض أهله للخطر، ووصف ما يحدث بأنه "تعذيب"، "فقد قالت الحكومة إن المحاكمة ستكون علنية وشفافة، لكن الحقيقة أنها لا تتسم بأي شفافية… فلا أسماء (من يُحاكمون) معروفة، ولا تفاصيل (القضية)، لا نعرف شيئاً".
في أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول، كانت أنظار كثيرين متجهة نحو الإمارات، لاستضافتها محادثات المناخ العالمية (كوب 28)، وبينما تجمَّع عشرات الآلاف من المندوبين في إكسبو دبي، كان يُعقد على بعد نحو 100 كيلومتر، في محكمة الاستئناف الفيدرالية في أبوظبي، جلسة الاستماع الأولى في محاكمة المتهمين.
تزعم تقارير واردة من "وكالة أنباء الإمارات" (وام) الرسمية، أن الرجال الذين يحاكمون في أكبر محاكمة سياسية في تاريخ الإمارات، مُتهمون بإنشاء تنظيم إرهابي وإدارته، وغسل الأموال لخدمة أغراض هذا التنظيم.
لكن جماعات حقوق الإنسان تقول إن الاتهام وُجِّه على ما يبدو بموجب قانون مكافحة الإرهاب الإماراتي لعام 2014، وهو قانون تعرَّض لانتقادات جمة، وقالت جماعات حقوقية إنه يتيح للسلطات محاكمة معارضي الحكومة السلميين وإدانتهم بتهمة الإرهاب.
بينما يقول أفراد من عائلات المتهمين في ثاني أكبر محاكمة سياسية في تاريخ الإمارات، إنهم يتابعون الإجراءات قدر استطاعتهم، لكنهم يرون أن المحاكمة صورية، وأن ما يتعرض له المتهمون وذووهم عقاب جماعي. وقال قريب أحد المتهمين: "هناك شيء دُبِّر بليلٍ في هذه المحاكمة، ومن الواضح أنها لا تتمتع لا بالعدل ولا بالإنصاف".
كما قال بعض ذوي المتهمين إن معظم مَن يُحاكمون في القضية هم من بين المدانين الذين حاكمتهم الإمارات قبل 10 سنوات في أكبر محاكمة جماعية في تاريخها، والتي انتقدتها كثير من جماعات حقوق الإنسان ووصفتها بأنها محاكمات جائرة على نحو فجٍّ، وُعرفت باسم قضية "الإمارات 94".
إعادة محاكمة المتهمين في قضية "الإمارات 94"
عُقدت المحاكمة في عام 2013، أي في ذروة الانتفاضات العربية آنذاك، وحوكم فيها 94 ناشطاً ومحامياً وطبيباً وآخرون، بعد أن قدموا بيانات عامة إلى قادة الإمارات تطالبهم بإجراء إصلاحات ديمقراطية في البلاد، لكنهم ما لبثوا أن اتُّهموا بالتآمر من أجل الانقلاب على سلطات الحكم الشرعية.
أُدين المتهمون في "الإمارات 94″، وحُكم على معظمهم بالسجن 10 سنوات، ما يعني أنه كان من المفترض أن يغادروا السجن العام الماضي. لكنهم ظلوا خلف القضبان، وأحيلوا إلى ما يُعرف بـ"المركز الوطني للمناصحة"، الذي تقول الإمارات إنها أنشأته في عام 2019 لمناصحة وتأهيل حاملي الفكر المتطرف.
من بين المتهمين في قضية "الإمارات 94″، الذين يحاكمون الآن، الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، أحد كبار أفراد الأسرة الحاكمة في إمارة رأس الخيمة، والمحاميان الحقوقيان محمد الركن ومحمد المنصوري، والمدافع عن حقوق الإنسان عبد السلام محمد درويش المرزوقي.
ماذا تقول الإمارات؟
مع ذلك، ذكرت وكالة أنباء الإمارات أن المحاكمة الحالية "ليست إعادة محاكمة" في القضية السابقة، بل هي قضية مختلفة تماماً، وتستند إلى "أدلة وجيهة"، منها اعترافات جُمعت خلال تحقيق دام 6 أشهر تقريباً.
إلا أن جماعات حقوق الإنسان تقول إن الرجال يحاكمون في ثاني أكبر محاكمة سياسية في تاريخ الإمارات على الأنشطة ذاتها التي أدينوا بها في عام 2013، والتي قضوا بالفعل عقوبات بسببها.
حيث قال حمد الشامسي، المدير التنفيذي لمركز مناصرة معتقلي الإمارات وأحد المتهمين في المحاكمة: "القضية شديدة الضعف. [النيابة العامة] ليس لديها أي شيء [أدلة موثوقة]. إنها في الأساس إعادة محاكمة".
مع ذلك، فالفارق الأبرز أن قضية عام 2013 اتَّهمت فيها السلطات الرجال بأنهم منتمون إلى تنظيم سري، أما الآن فإنها تتهمهم بالإرهاب، وهذه التهم يمكن أن تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد أو حتى عقوبة الإعدام.
قاضٍ أردني يُشرف على المحاكمة
يرأس قاضٍ أردني المحاكمة في هذه القضية، وهو ليس بالأمر غير المعهود في المحاكم الإماراتية، لكن "مركز مناصرة معتقلي الإمارات" الحقوقي تساءل في استغراب عن السبب الذي دعا السلطات الإماراتية إلى إيكال قضية تقول إنها تتعلق بالأمن القومي وتتعامل مع معلومات حساسة، إلى قاضٍ أجنبي.
قالت ميرا الحسين، عالمة الاجتماع الإماراتية وزميلة الأبحاث في جامعة إدنبرة البريطانية، إنها تعتقد أن السبب الحقيقي لإجراء هذه المحاكمة الآن هو الحرب على غزة، فقد نظَّم مئات الناشطين خلال "كوب 28" مسيرة احتجاجية للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، وهذه المسيرة المعارضة أثارت المخاوف لدى قادة الدولة، لا سيما أنهم أعلنوا تطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020.
ترى ميرا الحسين أن المحاكمة إنذار للإماراتيين، و"المقصود منها أن تكون تذكيراً رادعاً لمن شجعهم المزاج العام المناهض لإسرائيل والمناهض للتطبيع في المنطقة. فالأمر لا يتعلق بمحاكمة المعتقلين، إنهم ليسوا إلا إضافة في خلفية المشهد" لردع الناس.
يُستخدم الاسم المختصر "الإمارات 84" للإشارة إلى المحاكمة الحالية، لكن ذوي المتهمين يرون أنها في الأساس إعادة لمحاكمة المتهمين في قضية "الإمارات 94″، التي حُكم فيها قبل 10 سنوات، ومع ذلك يقولون إن السرية التي عمدت إليها السلطات هذه المرة تجاوزت ما عرفوه من قبل.
قالت جنان من عائلة أحد المعتقلين، إن عائلتها لم تتيقن من أن الوالد متهم في "الإمارات 84" إلا عندما رآه أحدهم على الشاشة، من الغرفة التي يجلس فيها بعضهم لمشاهدة المحاكمة، وقد كتم صوت الشاشة أثناء بعض جلسات الاستماع. ولما طلب المراقبون إصلاح الصوت، قيل لهم إن الصوت لم ينقطع بطريق الخطأ.
أُخفي كذلك شهود الادعاء والجنود الذين يحرسون المعتقلين في ثاني أكبر محاكمة سياسية في تاريخ الإمارات أثناء بعض جلسات الاستماع، لذا لم يتمكن من يتابعون الجلسات من التعرف على أي شخص.
فيما قال قريب أحد المتهمين، والذي تحدث بشرطِ عدم الكشف عن هويته، إن أفراد عائلته التقوا محامي والده في المحكمة، لكن المحامي لم يتصل مطلقاً بالأسرة، وهم يدركون أنه لم يلتقِ والده أبداً ولم يوكله من أجل الترافع عنه في هذه القضية.