- كيف تستغل إسرائيل عملية إدخال المساعدات لغزة كأداة حرب؟
- المشكلة الأكبر ليست في كمية المساعدات بل في تأمين الطرق والتفاهمات بين المحاربين
- حتى في سوريا لم تكن الأوضاع بمثل هذا السوء
- في غزة لا توجد قوة تستطيع توزيع وحماية المساعدات
- هل تضطر واشنطن للسماح للسلطة الفلسطينية بالدخول لغزة؟
- شرطة غزة وعمال الإغاثة لا يستطيعون توزيع المساعدات خوفاً من القصف الإسرائيلي
تحاول إسرائيل استخدام عمليات إدخال المساعدات لغزة كأداة حرب، ولكن هذه الأداة قد تنقلب عليها، حسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية، وقد تجعلها تغوص في رمال قطاع غزة المكتظ بالسكان.
ودافعت الصحيفة الإسرائيلية عن استخدام إسرائيل لمسألة إدخال المساعدات لغزة، لتحقيق مكاسب عسكرية، إذ زعمت أنه "لا توجد عملياً أي منطقة حرب في أي مكان في العالم لم تتحول فيها المساعدات الإنسانية إلى أداة استراتيجية لإدارة القتال، بل إنها تؤدي في كثير من الأحيان إلى إطالة أمده. وحرب غزة ليست استثناءً من هذه القاعدة".
كيف تستغل إسرائيل عملية إدخال المساعدات لغزة كأداة حرب؟
وقالت الصحيفة: "تدرك إسرائيل أنَّ إدخال المساعدات لغزة عبر قوافل الغذاء والدواء وإمدادات المياه والوقود هو الذي يسمح لها بمواصلة الحرب. وبعبارة أخرى، بدون المزايا الاستراتيجية التي تجلبها، لن تكون للمساعدات الإنسانية أية قيمة في حد ذاتها بالنسبة لإسرائيل"، حسب قولها.
والمفارقة هنا هي أنَّ المساعدات التي تهدف إلى إنقاذ حياة البشر تعتبر أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لإسرائيل؛ لكي تستمر في الحرب أي مواصلة قتل الناس ومن تصفهم بالأعداء و"المدنيين". لكن إسرائيل ليست من بدأ هذه الممارسة، بل إدارة الولايات المتحدة، حسب Haaretz.
ويأتي حرص أمريكا على إدخال المساعدات لغزة من أجل تخفيف الضغط الذي يمارسه المجتمع الدولي في مواجهة الانتقادات لواشنطن لدعمها إسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، ومن أجل مواجهة الانتقادات الداخلية، خاصة من قبل الديمقراطيين الذين يرون دعم بايدن لمواصلة إسرائيل حربها كارثةً سياسية.
وكما جرت العادة في الجدل الدائر أثناء الحروب بين أولئك الذين يعارضون استمرار المساعدات وأولئك الذين يريدون زيادتها، يستمر سكان غزة في الموت من الجوع والمرض، وكذلك من جراء إطلاق النار والقصف.
المشكلة الأكبر ليست في كمية المساعدات بل في تأمين الطرق والتفاهمات بين المحاربين
ولا تقاس فعالية عملية إدخال المساعدات لغزة فقط بإجمالي عمليات التسليم وعدد الشاحنات وقيمة الأموال المخصصة لدفع تكاليفها كلها؛ إذ يتطلب إدخال المساعدات لغزة تأمين طرق وصول وممرات عبور ومناطق آمنة بناءً على اتفاقيات وتفاهمات بين الأطراف المتحاربة.
ومع ذلك، لا تُمنَح هذه الاتفاقيات مجاناً. إذ يفرض كل طرف ثمناً على شكل أصول سياسية أو عسكرية أو تكتيكية أو استراتيجية تسمح له بمواصلة الحرب، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
وهنا أيضاً لا تختلف غزة عن غيرها. أحد الأمثلة الأكثر مأساوية وخزياً لاستخدام المساعدات الإنسانية أداةً استراتيجية -وهو ليس الوحيد بأي حال من الأحوال- وقع أثناء الحرب في يوغوسلافيا.
عرض تقرير صادم صدر عام 1999 بتكليف من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سلسلة من الإخفاقات الخطيرة من جانب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والمفوضية السامية المنتشرة في البوسنة لتسليم المساعدات.
حتى في سوريا لم تكن الأوضاع بمثل هذا السوء
وفي سوريا، كان نظام الأسد هو من أملى شروط دخول قوافل المساعدات، التي تضمنت المطالبة بأن تتولى توزيعها المنظمات الإغاثية التابعة للنظام، التي بدورها حوَّلت ما يُقدَّر بنصف إجمالي المساعدات إلى المقاتلين السوريين أو الميليشيات التي يديرها النظام.
لكن الفرق بين عملية إدخال المساعدات لغزة التي تجرى حالياً والوضع الذي تطور في البوسنة وسوريا هو أنه في هذين البلدين كان هناك على الأقل شخص لإجراء المفاوضات معه حول توزيع المساعدات. وحتى بعد أن أخذ النظام السوري أو القوات الصربية في البوسنة حصتها، تمكنت كمية معقولة من الوصول إلى وجهتها.
في غزة لا توجد قوة تستطيع توزيع وحماية المساعدات
حتى في حال إدخال المساعدات لغزة، لا تستطيع الحكومة المحلية، تحمل عبء توزيعها وحمايتها، ولا توجد قوة دولية أو عربية أو فلسطينية يمكنها أن تفعل ذلك.
وترفض إسرائيل السماح للسلطة الفلسطينية بدخول غزة لتولي عملية التوزيع، وفي الوقت نفسه، تضع السلطة الفلسطينية شروطها السياسية الخاصة للدخول إلى غزة. وترفض السلطة الفلسطينية أية علاقة مع غزة بدون بدء عملية دبلوماسية، أو على الأقل العقد الرمزي لمؤتمر دولي يضع جدول أعمال لعملية دبلوماسية، حسبما تزعم Haaretz.
وتضع الولايات المتحدة، بدورها، شروطها الخاصة المرهقة حتى تتولى السلطة الفلسطينية هذا الدور، إذ تطالبها بإجراء إصلاحات سياسية وإدارية. وتشمل هذه الإصلاحات تقليص صلاحيات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وتشكيل حكومة تكنوقراط غير مرتبطة بحماس أو فتح (وهو شرط غير واقعي)، وبذل جهود للقضاء على الفساد.
وجدير بالذكر أنَّ الشروط المماثلة التي كانت ستُمكِّن من توصيل المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين لم تكن مطلوبة من الأنظمة في سوريا أو اليمن أو السودان.
هل تضطر واشنطن للسماح للسلطة الفلسطينية بالدخول لغزة؟
وفي ظل غياب أية خطة لإدارة الحياة المدنية ونظام توزيع المساعدات الإنسانية، وفي ظل كارثة قتل ما لا يقل عن 112 من سكان غزة في الحادث المروع في شارع الرشيد والفوضى التي صارت "عادية" المصاحبة لعملية توزيع المساعدات، قد تضطر واشنطن قريباً إلى السماح للسلطة الفلسطينية بالدخول إلى غزة دون قيد أو شرط.
إنَّ عمليات الإنزال الجوي للأغذية والأدوية، التي نفذتها الأردن والإمارات العربية المتحدة والآن الولايات المتحدة، ليست حلاً حقيقياً. وحتى لو وصلت إلى متلقيها المقصودين، بدلاً من السقوط في البحر المتوسط أو في الأراضي الإسرائيلية، فإنها بعيدة تماماً عن تلبية مستوى الاحتياجات المطلوبة. ويمكن لطائرة نقل من طراز هرقل C-130 إسقاط حمولة تساوي حجم شاحنة واحدة. ومن أجل تلبية الحد الأدنى من 200 شاحنة يومياً، سوف تكون هناك حاجة إلى جسر جوي بحجم غير مسبوق في مجال جوي صغير نسبياً وبتكلفة ضخمة.
والحل الآخر هو فتح معبري إيرز وكارني بالإضافة إلى كرم أبو سالم ورفح من أجل توسيع نطاق إدخال المساعدات لغزة، لكن حتى لو فُتِحَت جميع هذه المعابر، فإنَّ مشكلة التوزيع ستظل قائمة لحين تأمين الطرق بحضور فعال للجيش والشرطة حتى وصول القوافل إلى نقاط التوزيع.
شرطة غزة وعمال الإغاثة لا يستطيعون توزيع المساعدات خوفاً من القصف الإسرائيلي
ورفضت شرطة غزة أن تكون مسؤولة عن حماية قوافل المساعدات خوفاً على حياتهم. وينطبق الشيء نفسه على عمال الإغاثة، الذين قُتِل الكثير منهم في الحرب.
وتقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن السؤال الذي سيُطرَح قريباً هو ما إذا كان الجنود الإسرائيليون سيصيرون عمال إغاثة، ليس فقط لحراسة قوافل المساعدات، بل أيضاً للتعامل مع توزيعها.
وتضيف الصحيفة الإسرائيلية قائلة إنه من المستبعد للغاية أن تكون هذه هي صورة النصر الكامل الذي يأمل نتنياهو في تحقيقه.