بعد ما يقارب 60 سنة من النشاط الفني، توفي الموسيقار المصري حلمي بكر عن عمر يناهز 86 سنة، في أحد مستشفيات الشرقية، بعد معاناة طويلة مع المرض، وذلك مساء يوم الجمعة 1 مارس/آذار 2024، لكنه ترك وراءه إرثاً موسيقياً كبيراً، يزيد على 1500 عمل.
وطوال سنوات نشط تعامل حلمي بكر مع أسماء فنية كبرى؛ من بينهم ليلى مراد، ووردة الجزائرية، وفايزة أحمد، وعلي الحجار، ومدحت صالح، كما أنه ترأس لجان استماع نقابة الموسيقيين لمدة 40 سنة متواصلة، وكان يعتبر نفسه وصياً على الأغنية العربية والمصرية بشكل خاص.
الموسيقار حلمي بكر.. البداية
ولد الموسيقار حلمي بكر بتاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول سنة 1937 في مدينة القاهرة، وقد درس الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى العربية، كما حصل في نفس الوقت على البكالوريوس من كلية التجارة.
بعد تخرجه، انتقل بكر للعمل مدرساً للموسيقى في إحدى المدارس الحكومية، لكنه قرر بعد ذلك الاستقالة، والتفرغ للفن بشكل خاص.
كانت بداية دخوله عالم التلحين عندما كان يؤدي الخدمة العسكرية؛ إذ حضرت الفنانة وردة الجزائرية من أجل إحياء حفل خاص للقوات المسلحة المصرية، واستغل الفرصة للتعرف عليها، وتقديم بعض ألحانه لها.
أُعجبت وردة بألحان حلمي بكر، وقررت أن تعرّفه على محمد حسن الشجاعي، مدير الإذاعة المصرية حينها، ليقوم بعد ذلك بالتعرف على المطرب عبد اللطيف التلباني، الذي أصدر أول أغنية من ألحانه، والتي تحمل اسم "كل عام وأنتم بخير".
وبعد ذلك توالت أعماله، ليتعرف على باقة من الفنانين من المشاهير، الذين كانوا من خلال غنائهم له يزيدون من إبراز موهبته الكبيرة في التلحين، وقدرته على تقديم أغانٍ مميزة وفريدة ذات طابع يميزه عن غيره من الملحنين.
ألحانه التي تغنّى بها أشهر النجوم
إستطاع حلمي بكر، خلال فترة احترافه الطويلة، تقديم أغانٍ ما زالت عالقة في أذهان الجمهور إلى وقتنا الحالي، مهما كانت قديمة.
ومن بين أبرز الأغاني التي أشرف على تلحينها، نجد كلاً من أغنية "ع اللي جرى" للفنانة عليا التونسية، وأغنية "عرباوي" للفنان محمد رشدي، وأغنية "ما يهمنيش" للفنانة ليلى مراد، وأغنية "مهما الأيام تعمل فينا" للفنانة نجاة الصغير، وأغنية "ما دريتوش" للفنانة وردة الجزائرية، و أغنية "روحي فيك أنا" للفنانة عزيزة جلال، وأغنية "أنا ناسية وفاكرة" للفنانة نجاة الصغيرة.
كما قدم عدة أغانٍ أخرى بصمت مسار فنانين كانوا في بداياتهم الفنية، وأصبحوا اليوم من بين أهم نجوم الأغنية العربية، نذكر من بينهم أصالة، التي غنّت له العديد من الأعمال من بينها أغنية "اغضب"، وأغنية "يا صابرة يانا".
كذلك كانت سميرة سعيد من بين من غنى من ألحان الموسيقار حلمي بكر؛ إذ قدمت له كلاً من أغنية مالك"، و"من غير سبب"، و"ما تسألنيش" و"أمرك عجيب".
ثم صابر الرباعي، فقد تعامل مع الموسيقار المصري في مجموعة من الأعمال الناجحة، نذكر من بينها "ما انتهينا" و"حكاية".
وقد بلغ رصيد حلمي بكر الفني ما يزيد على 1500 لحن لأغنيات منفردة، زيادة إلى تلحينه ما يقارب 48 أغنية لمسرحيات غنائية شهيرة؛ من بينها "سيدتي الجميلة" و"حواديت" و"موسيقى في الحي الشرقي".
حلمي بكر.. مكتشف المواهب الغنائية
كان حلمي بكر من بين أهم الموسيقيين في الوطن العربي؛ إذ إنه كان دائماً لرأيه قيمة خصوصاً لدى الفنانين الشباب الذين كانوا يطمحون للشهرة والنجاح.
إذ شارك في لجنة تحكيم عدة برامج لاكتشاف المواهب كضيف في بعض الحلقات، فيما شارك بشكل رسمي في لجنة تحكيم برنامج "مواهب دريم" الذي عرض على قناة دريم سنة 2016، إلى جانب كل من نادية حسني والناقد الفني أمجد مصطفى.
ليس في البرامج الفنية فقط، فقد ترأس الموسيقار حلمي بكر لجنة تحكيم عدة مسابقات للمواهب في مهرجانات وطنية، لاكتشاف أصوات مصرية جديدة، من بينها نذكر مهرجان المبدع العربي للأغنية الوطنية .
كما ترأس لجان استماع نقابة الموسيقيين لمدة 40 سنة كاملة، إذ كان المسؤول عن إجراء اختبارات للمتقدمين لعضوية نقابة الموسيقيين.
آراؤه كانت سبباً في العديد من الخلافات
عُرف الموسيقار حلمي بكر بمشاكله مع العديد من الفنانين في مصر وخارجها، وذلك لرأيه الصريح في أصواتهم، أو نوعية الأغاني التي يقدمونها، أو حتى تصريحاتهم الصحفية.
إذ سبق ودخل في جدال مع الفنانة لطيفة التونسية بعد أن أشار في أحد تصريحاته إلى أن صوتها غير جميل، ومن أعطاها فرصة دخول مجال الفن كان معجباً بشكلها لا صوتها، لتقوم بالرد عليه، الشيء الذي يجعله يهددها بكشف ملفات خاصة ضدها في حال زادت حدة الجدال.
أما المغني فارس كرم، الذي تحدث عن أم كلثوم، وقال إنها كانت تغني أغاني ذات إيحاءات جنسية، فقد جعل حلمي بكر يرد عليه بالقول: "على فارس كرم أن يذهب إلى مستشفى الأمراض العقليَّة بعد إجراء عملية جراحية في لسانه حتى لا يتطاول على رموز الطرب الأصيل".
كما أن الفنانة اللبنانية فيروز كانت من بين الأشخاص الذين تعرضوا للانتقاد من طرف الموسيقار المصري، وذلك بعد إصدارها ألبوماً غنائياً سنة 2017؛ إذ قال إنه لن يضيف لها أي قيمة في مسارها الفني، والجيل الجديد لن يستمع لها لأنهم يهتمون بفنانين مختلفين.
وبالرغم من التعامل بينهما، إلا أن علاقة أصالة وحلمي بكر توترت بعد أن تطلق من ابنة خالتها، الشيء الذي جعلهما يتراشقان بالكلمات في العديد من التصريحات، إذ قال في أحدها إنه لا يريد معرفتها بعد الآن، وأنه كان السبب في ظهورها في الساحة الفنية لكنها ناكرة للجميل، لكن خلافهما انتهى بعد فترة، وقد كان أحد ضيوفها في برنامجها صولا.
أما إليسا فقد كان لها نصيب من انتقادات الموسيقار حلمي بكر، الذي قال عنها إنها مطربة جيدة داخل الاستوديو فقط لكن صوتها الحقيقي عبارة عن نشاز فقط، أي أنها لا تستطيع تقديم أداء جيد على المسرح.
الإماراتية أحلام تعرضت للانتقاد بعد مشاركتها في لجنة تحكيم برنامج "عرب أيدول"، وقال بكر عنها إنها لا تجيد التقييم، وإنها غير أكاديمية في آرائها، لكنها تحاول فقط أن تظهر وكأن لها رأي سديد في مجال الغناء.
هناك أسماء أخرى كثيرة تعرضت للانتقاد، من بينها نجد كذلك ميريام فارس، ومحمد رمضان، وعمرو دياب، ونانسي عجرم، فيما كان له رأي جد واضح ضد أغاني المهرجانات، التي دائماً ما كان يهاجمها، ويهاجم من يؤديها ويشتهر من خلالها.
شهريار الفن.. تزوّج 15 مرة
على الصعيد الشخصي، عُرف الموسيقار حلمي بكر بلقب "شهريار الفن"، وذلك بسبب كثرة زيجاته، إذ إنه تزوج 15 مرة طيلة حياته.
كانت أولى زوجاته الفنانة سهير رمزي، وقد تم الطلاق بينهما بعد أن كان يرغب في إبعادها عن الفن والاعتزال، إلا أنها كانت متمسكة بالتمثيل ومسارها الناجح.
تزوّج بعد ذلك بأخت الفنانة المصرية شويكار، شاهيناز، وقد أنجب منها ابنه هشام، إلا أن هذا الزواج لم يستمر كذلك وتم الطلاق بينهما.
ومن بين زوجاته الأخريات، كل من السورية راندا، ابنة خالة المطربة أصالة، لكن تم الانفصال بعد المشاكل التي حصلت بينه وبين المطربة السورية في الماضي، ليتزوج بعد ذلك بالمطربة التونسية عليا التونسية بشكل سري، لكن تم الإعلان عن هذه الزيجة بعد أن تم الطلاق بينهما.
كما تزوج عدة نساء بعيدات عن الوسط الفني، من بينهن صحفية شابة، وسماح القرشي، التي أنجب منها ابنته الثانية ريهام سنة 2016.
بعد سنوات من الطلاق، وقبل أشهر قليلة من وفاته، عاد الموسيقار حلمي بكر لزوجته سماح، وهو يبلغ من العمر 85 سنة، ليقوم بلم شمل أسرته من جديد، دون أن يعلم أن هذه ستكون آخر زيجة له.
الحزن يخيّم على الوسط الفني بعد رحيل حلمي بكر
مع نهاية سنة 2023، تعرض الموسيقار المصري لأزمة صحية خطيرة، جعلته يرقد في الفراش، بعد أن تعرض للنصب من طرف مدير أعماله في مبلغ مالي كبير يزيد على 2 مليون جنيه مصري.
وحسب تصريحات زوجته، فقد أصيب بشلل غير كامل؛ إذ أصبح غير قادر على تحريك رجليه، في الوقت الذي يمكنه الحديث دون مشاكل، ويقدر على تذكر كل شيء، ويتحدث عن الفن بشكل طبيعي.
لكن بالرغم من محاولات تحسين وضعه الصحي، إلا أن الموسيقار المصري رحل عن عالمنا مع بداية شهر مارس/آذار 2024، بعد تدهور حالته الصحية.
وقد شكل هذا الخبر حالة صدمة في الوسط الفني؛ إذ تقدم عدد كبير من الفنانين بالعزاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
من بينهم سميرة سعيد التي كتبت: "خبر محزن رحيل الموسيقار الكبير حلمي بكر، لنا سوياً نجاحات كبيرة وذكريات كثيرة، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته".
أما لطيفة التونسية، فقالت: "ألف رحمة ونور على روحك، أنت مدرسة عظيمة وقيمة وقامة فنية على مستوى العالم العربي فنك سيظل يعلم أجيال".
فيما كتبت المطربة غادة رجب: "أكلت في بيتك عيش (خبزاً) وملحاً.. كنت دائما تدعمني وقدمت معك نجاحات كبيرة مثل أغنية (بنعشق الحياة) الله يرحمك".