قبل أن يتم إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1947، كان ما يسمى اليوم "غلاف غزة" عبارة عن قرى ومدن فلسطينية صغيرة تدبّ فيها الحياة ويتعلّق من خلالها الفلسطيني بتاريخه وهويته وأرضه، قبل أن يتحول إلى مستوطناتٍ ومدن إسرائيلية، وذلك بعد النكبة وما تلاها من تهجير الفلسطينيين من قراهم وأراضيهم، ومن القرى المجاورة لقطاع غزة، والتي هُجرت بالكامل عام 1948، قرية صميل التي تقع في أقصى الشمال الشرقي من قضاء غزة، تبعاً للتقسيم الإداري قبل النكبة، وتبعد نحو 36 كيلومتراً عن مدينة غزة، ونحو 40 كيلومتراً جنوبي الرملة.
هذه القرية العربية التي كانت تسمى صُمّيل الخليل تمييزاً لها عن صميل يافا التي صارت لاحقاً تسمى قرية المسعوديّة، تعرضت لتهجيرٍ عرقي بشعٍ من قبل الجماعات الصهيونية الإرهابية، وتم طمس تاريخها الممتد إلى 9 قرون خلت، وذلك بعد أن بنت إسرائيل خمس مستوطنات على أراضيها ولم تبقَّ فيها أي عائلة عربية وفلسطينية، كما ضمتها إلى الداخل الإسرائيلي لكي تمنع عودة أهلها بشكلٍ نهائي، فما تاريخ قرية صميل؟
بناها الصليبيون في القرن الـ12 الميلادي وسمّيت على اسم أحد قادتهم
تعدُّ قرية صميل إحدى القرى التي أقامها الفرنجة عام 1168م، وذلك خلال الحملة الصليبية الرابعة في أثناء تحضيرهم للهجوم على مدينة عسقلان، إذ قام الصليبيون ببناء قرية صميل كقاعدة حربية للهجوم على عسقلان، ومن أجل الدفاع عن حصن آخر في بيت حبرين الذي أنشأه ملك القدس الصليبي فولك أُف أنجو، فقد كان موقع القرية الجديدة استراتيجياً، إذ تتوسط الطريق الرابط بين المجدل وبيت جبرين، عند ملتقى الطرق قرب قرية عراق المنشية.
وهناك أكثر من رواية بخصوص أصل تسمية "صُميل"، أشهرها الرواية التي أشار إليها مصطفى مراد الدبّاغ في كتابه "موسوعة بلادنا فلسطين"، والذي ردّ اسم القرية إلى أحد قادة الصليبيين الذي كان يسمّى "صموئيل"، والذي بنى في موقع القرية قلعة صليبية عام 1168م كحماية لحامية عسقلان الصليبية، كما سبق أن ذكرنا.
وبعد تحرير القرية من أيدي الصليبيّين خلال فترة حكم المماليك، قام السلطان المملوكي برقوق في القرن الـ14 الميلادي بوقف القرية وما تخرجه على الحرم الإبراهيمي، وأصبحت القرية تسمى حينها باسم "بركة الخليل"، إلا أن اسم "بركة الخليل" لم يغلب عليها، فعاد إليها اسمها الأول "صُميل الخليل"، وذلك بعد أن صارت القرية تابعةً لقضاء الخليل خلال الفترة العثمانية.
وعندما مرَّ العالم الأمريكي إدوارد روبنسون بـ"صميل"، في أواسط القرن التاسع عشر، أشار إلى أنها قرية "كبيرة الحجم، تقع على مرتفع في السهل". ولاحظ "وجود بئر كبيرة عامة"، قطر دائرتها 11 قدماً، وعمقها 100 قدم، وذكر أيضاً، أنه كان في القرية ذاتها "قطعة من سور قديم يبدو أنه كان في الماضي جزءاً من حصن".
وفي فترة الانتداب البريطاني، عادت صميل لتتبع قضاء غزة، وصارت تمثل البوابة الشمالية لقطاع غزة، وصارت القرية أشبه بمدينة صغيرة.
وكان سكانها من المسلمين، ولهم فيها مسجد بُني على أنقاض كنيسة صليبية. وكانت منازل القرية مبنية بالطوب. وفي سنة 1936، أنشئت مدرسة في القرية بلغ عدد تلامذتها 88 تلميذاً في أواسط الأربعينيات.
ووصل تعداد سكان القرية إلى ما يقارب الألف نسمة. وكانت صُميل تقسم إلى حارتين تاريخيّتين: الشرقية والغربية، يسكنهما ستّ حمائل أساسية، ثلاث في الشرقية، هي: رمضان وعوض وصبح، وكذلك في الغربية ثلاث: الدرباشي وسلمي وسالم. ولكلّ حارة كان ثمّة مختار خاصٌّ بها. وكانت هذه الحمائل الستّ تمثل في عضويّة- عضو عن كل حمولة- مجلس إداري للبلد لمساعدة المخاتير.
أما اقتصاد القرية فكان مبنياً على الزراعة وتربية الغنم، كما كانت محاصيل الحبوب والعنب والتين من المحاصيل الأساسية التي تنتجها القرية وتلبي من خلالها حاجات العديد من قرى قضاء غزة في الفترة ما بين عامي 1944 و1945، كان ما مجموعه 16093 دونماً مخصصاً للحبوب، و54 دونماً مروياً أو مستخدماً للبساتين بالقرية قبل أن تتحوّل حياة القرية وسكانها إلى جحيم بعد عام 1948.
لواء جفعاتي كان سبباً في تهجير قرية صميل، وبينت 5 مستوطنات على أنقاضها
في عام 1948، سقطت قرية صميل في يد الاحتلال الصهيوني، وذلك بعد أن قاد لواء جفعاتي بمعية عصابات الهاجانا هجوماً وحشياً على القرى الفلسطينية الواقعة بالجنوب، وذلك خلال الفترة المعروفة بـ"الأيام العشرة"، أي ما بين هدنتي 8 و18 يوليو/تموز 1948.
ولم يكتفِ لواء جفعاتي باحتلال القرية، بل شنّ هجمات قتلٍ ومطاردةٍ واسعة بحق أهالي قرية صميل من أجل تهجيرهم من أراضيهم، فتم طردهم شرقاً نحو منطقة الخليل وغرباً إلى غزة.
ويعيش أهالي صميل اليوم بمخيمات اللجوء في غزة، خاصةً مخيم النصيرات، والأردن في مخيم البقعة، والضفة الغربية في مخيم الفوار، وفي عدة مدن أخرى في فلسطين والشتات، كالخليل وبيت لحم ونابلس وأريحا والرملة وعمّان. ويعيش اليوم داخل دولة إسرائيل عائلتان فقط من صميل، إحداهما من دار الدرباشي والثانية من دار حجاج أو عبد الواحد، وتسكنان في الرملة، أما قرية صميل فلم يتبقَّ فيها أي فردٍ من سكانها الأصليين.
فقد شيّد الاحتلال خمس مغتصباتٍ استيطانية فوق أنقاض قرية صميل، وهي مستوطنة كدما التي بناها في سنة 1946، ومستوطنات سغولا ومنوحا ونحلا التي أقيمت في سنة 1953، وأخيراً مستوطنة فردون التي بنيت في سنة 1968 على أراضٍ كانت تابعة لـ"صميل".
مع ذلك، لم ينجح الاحتلال في طمس هوية وتاريخ القرية بشكلٍ جذري، على الرغم من ضمها إلى ما يسمى بالداخل الإسرائيلي، فلا تزال آثار القرية شاهدة على تاريخ ومن سكن المنطقة قبل استيطانها من قبل اليهود، فمن يزور قرية صميل سيجد بقايا حائط لعله كان بُني ليحيط بالقرية.