يقول خبراء السوق إن التوسع الذي تخطط له قطر في إنتاج الغاز الطبيعي المسال يمكن أن يجعلها تسيطر على حصة 25% تقريباً من السوق العالمي بحلول عام 2030، وتضغط على المشروعات المنافسة، بما في ذلك في الولايات المتحدة، حيث أوقف الرئيس الأمريكي جو بايدن موافقات التصدير الجديدة.
وتخطط دولة قطر، وهي من أكبر مصدّري الغاز الطبيعي المسال في العالم، لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال بنسبة 85% من الإنتاج الحالي لحقل الشمال البالغ 77 مليون طن متري سنوياً، لتصل إلى 142 مليون طن متري سنوياً بحلول عام 2030 من 126 مليون طن متري سنوياً كانت متوقعة في السابق.
إنتاج الغاز الطبيعي المسال.. قطر تزيح منافسيها بقوة
يقول بعض خبراء السوق لوكالة رويترز إن هذه الخطوة سيكون لها تأثير على المشروعات العالمية في الولايات المتحدة وشرق أفريقيا وأماكن أخرى، الأمر الذي يتطلب تمويلاً إلى جانب التزام عملاء المدى الطويل باتخاذ (قرار الاستثمار النهائي)، نظراً لتميز قطر باعتبارها المنتج الأقل تكلفة في العالم.
وقال إيرا جوزيف كبير الباحثين في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا: "أدرك القطريون أنهم يجب أن يكونوا قادرين على تقديم الأسعار الأكثر تنافسية إلى حد كبير، لديهم الاحتياطيات والتكاليف الأقل لبناء القدرات الإضافية والعلاقات مع الشركات الهندسية والعملاء الحاليين، فلماذا يتوقفون عند هذا الحد؟".
مضيفاً أن "هذا يشير إلى أنهم إما يعززون استغلال هذا أو يخسرونه، إذا كنت المنتج الأقل تكلفة في العالم فلماذا لا تضرب بقوة وتُبعد أي منافسة تتطلب عملاء على المدى الطويل وتمويلاً".
من جهته، قال فريزر كارسون، كبير محللي الأبحاث العالمية للغاز الطبيعي المسال في شركة وود ماكنزي، إن توقيت الإعلان القطري جاء "من حسن الحظ" مع تعطل المنافسين الرئيسيين الآخرين في قطاع الغاز الطبيعي المسال، في ضوء تعليق إدارة بايدن موافقات تصدير الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، وفرض عقوبات على الغاز الطبيعي المسال الروسي، واستمرار الاضطرابات الداخلية في موزمبيق.
قطر تستغل التراجع الأمريكي
اشتدت المنافسة بين قطر والولايات المتحدة بعد قرار أوروبا التوقف التدريجي عن الاعتماد على خط أنابيب الغاز الروسي، بعد غزو موسكو لأوكرانيا، إذ برز مورّدو الغاز الأمريكيون لسدّ الفراغ الناتج عن ذلك في العرض، وأثبتوا أنفسهم كأكبر مصدّرين للغاز الطبيعي المسال في العالم في عام 2023، متجاوزين قطر، رغم مساهمة قطر في سد هذا الفراغ أيضاً.
وبحسب رويترز ستتضاعف سعة إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال تقريباً خلال السنوات الأربع المقبلة، لكن القرار بإيقاف الموافقات مؤقتاً على طلبات إنشاء محطات جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، والذي يتعلق بالمراجعات البيئية، أدى إلى تحذيرات من مستوردي الغاز من أن هذه الخطوة ستضر بأمن الطاقة المستقبلي على مستوى العالم.
وقال كوشال راميش، نائب رئيس أبحاث الغاز الطبيعي المسال في ريستاد إنيرجي: "الإشارة التي يجب على المشروعات الأمريكية أن تستوعبها من هذا هي أنه إذا لم تمضِ قدماً، فإن غيرها سيفعل".
ما أفق نمو مبيعات الغاز الطبيعي في آسيا بالنسبة لقطر؟
في السياق قال أليكس فرولي، كبير محللي بيانات الغاز الطبيعي المسال في شركة آي.سي.آي.إس، إن التوسع الجديد لقطر من المتوقع أن يؤدي إلى فترة تشهد أسعاراً أكثر استقراراً وانخفاضاً تمتد لبقية العقد، وأن يشجع على زيادة إقبال المشترين الآسيويين على الغاز الطبيعي المسال.
بينما قال راميش إن "توفير 16 مليون طن سنوياً من المنتج منخفض التكلفة أمر إيجابي بالنسبة لآسيا، وهو تحديداً ما تحتاجه سوق الغاز الطبيعي المسال لضمان مستقبل طويل الأجل في (سوق) آسيا الناشئة".
ومن المنتظر نمو سوق الغاز العالمية إلى ما بين 580 و600 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، من 400 مليون طن سنوياً حالياً، مدعومة في المقام الأول بالطلب الآسيوي. ومن المتوقع أن تسيطر قطر على 24 إلى 25% من هذا السوق بحلول ذلك الوقت.
وقال هنينج جلويستاين، مدير الطاقة والموارد في أوراسيا جروب، إن "قطر تتمتع بموقع جغرافي جيد يمكّنها من تلبية الطلب المرتفع الحالي في شمال شرق آسيا، في الصين واليابان وكوريا، والطلب المستقبلي في منطقة النمو الحقيقي الوحيدة المتمثلة في جنوب آسيا، وخاصة في الهند".
أما سعد الكعبي، الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة، فقال يوم الأحد إنه لا يزال يعتقد أن هناك فرصة كبيرة لأن يصبح الغاز جزءاً من مزيج الطاقة في المستقبل، وأضاف: "لا نزال نعتقد بوجود مستقبل كبير للغاز لمدة 50 عاماً على الأقل، وكلما تمكنا من القيام بالمزيد من الناحية الفنية سنفعل… نرى أن أوروبا ستحتاج إلى الغاز لفترة طويلة جداً جداً، لكن النمو في آسيا سيكون بالتأكيد أكبر منه في أوروبا، مدفوعاً بشكل أساسي بالنمو السكاني".
يقول فرولي إنه بالرغم من المخاوف بشأن التأثير الإضافي لانبعاثات الكربون الناتجة عن الإنتاج العالمي الجديد للغاز الطبيعي المسال، يرى آخرون أنه لا يزال هناك احتمال كبير أن يعمل الغاز على تقليل الانبعاثات بأن يحل مكان الفحم والنفط.
وأضاف نقلاً عن أرقام وكالة الطاقة الدولية: "رغم كونها أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، العام الماضي، فإن نصيب الغاز في مزيج الطاقة الإجمالي في الصين لا يتجاوز 8% تقريباً، مقابل 61% للفحم، و18% للنفط، على سبيل المثال".
توقعات بتوسع شركاء قطر في صناعة الغاز الطبيعي
اضطلعت أكبر شركات الطاقة في العالم، بما في ذلك إكسون موبيل وشل وتوتال إنرجيز وكونوكو فيليبس بدور محوري في صناعة الغاز الطبيعي المسال في قطر لعقود من الزمن. وتملك جميع هذه الشركات حصصاً في مرافق الإنتاج القائمة، كما استحوذت في السنوات الماضية على حصص في مراحل التوسع الجديدة، إذ قدمت أموالاً مقابل الحصول على كميات من الغاز الطبيعي المسال.
ومع أن العقود الجديدة ليست مربحةً مثلما كانت في الماضي، وفقاً لمصادر في القطاع، فإنها توفر للشركات موطئ قدم مهماً في صناعة الغاز الطبيعي المسال، والتي تتوقع المصادر أن تستمر في النمو في العقود المقبلة، مع تحول الاقتصادات من الفحم إلى الغاز الطبيعي الأقل تلويثاً، بحسب رويترز.
تتوقع مصادر في القطاع أن تواصل قطر البحث عن الشراكات مع أطراف عالميين؛ نظراً لأن لديها الكثير من كميات الغاز الطبيعي المسال للبيع. ويتوقع أحد المصادر أن تسعى شركة وودسايد الأسترالية، التي صار مشروعها في مدينة ليك تشارلز الأمريكية مُهدَّداً بسبب قرار بايدن وقف الموافقات، إلى أن تصبح شريكاً لقطر؛ نظراً لأنها أوقفت في الآونة الأخيرة خططاً لشراكة بقيمة 52 مليار دولار مع منافسها الأصغر سانتوس.