إلى جانب القنابل الإسرائيلية التي تسقط على قطاع غزة، فإن مأساة أخرى تتفاقم فبالإضافة إلى الجوع والبرد هناك أزمة الصرف الصحي في غزة التي تنذر بكارثة.
إن الافتقار إلى المراحيض الكافية والمياه النظيفة، فضلاً عن مياه الصرف الصحي المنتشرة في كل مكان، هي مشاكل يعاني منها الفلسطينيون النازحون منذ الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي على غزة، ولكن أزمة الصرف الصحي في غزة بدأت تصل إلى مستوى خطير، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
امرأة عجوز تقف مع آلاف الناس في طابور على مرحاض واحد
بعد شهرين من فرار سلوى المصري (75 عاماً) وعائلتها إلى مدينة رفح، في أقصى جنوب قطاع غزة، هرباً من الهجوم العسكري الإسرائيلي، قالت إنها كانت تمشي 200 ياردة للوصول إلى أقرب حمام. ولو كانت محظوظة، لسمحت لها النساء الأصغر سناً في الطابور بالتقدم في دورها فيه.
وفي أحيان أخرى، قد تنتظر ما يصل إلى ساعة لاستخدام المرحاض القذر المشترك مع آلاف الأشخاص الآخرين في تجلي مثير للحزن لـ"أزمة الصرف الصحي في غزة" .
قالت سلوى المصري عبر تطبيق واتساب مؤخراً من خيمة عائلتها المتداعية، التي صنعوها من الخشب والأغطية البلاستيكية: "إنه أمرٌ فظيع. لن أشرب الماء. سأظل عطشانةً حتى لا أضطر للذهاب إلى الحمام. توقفت عن شرب القهوة والشاي".
البعض لجأ لبناء مرحاض أسمنتني خلف الخيمة أو تقليص كميات الطعام
يقول العديد من سكان غزة الآخرين، الذين يواجهون بالفعل الجوع والعطش نتيجة للحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ أكثر من أربعة أشهر، إنهم حاولوا أيضاً تقليص تناولهم للطعام والشراب بشكل أكبر لتجنب الذهاب إلى المراحيض غير المريحة وغير الصحية.
ومؤخراً، اشترى ابن سلوى المصري وأقارب آخرون حوض مرحاض أسمنتي وحفروا حفرةً خلف خيمتهم، حيث تتجمع مياه الصرف الصحي. إنه أشبه بالحمام وهي تتشاركه مع عدد أقل من الأشخاص.
لكن التحديات المتمثلة في الحصول على المياه للاغتسال، وتراكم مياه الصرف الصحي، تهدد صحتهم، وتملأ مخيمهم المؤقت برائحة الصرف، وتؤشر إلى أزمة الصرف الصحي في غزة ستدخل منعطفاً خطيراً.
أزمة الصرف الصحي في غزة تنذر بكارثة والتهاب الكبد الوبائي بدأ ينتشر
في الشهر الماضي، أفادت منظمة الصحة العالمية أن حالات التهاب الكبد الوبائي من النوع أ تنتشر في غزة. وقالت أيضاً إن هناك عدة آلاف من الأشخاص يعانون من اليرقان الناجم عن التهاب الكبد أ، من بين حالاتٍ أخرى. وارتفعت حالات الإسهال بين الأطفال بشكل كبير، ويرتبط كل ذلك بسوء الصرف الصحي، وفقاً لليونيسف.
وقدَّر علماء الأوبئة البارزون أن تصعيد الحرب في غزة يمكن أن يتسبب في وفاة ما يصل إلى 85 ألف فلسطيني خلال الأشهر الستة المقبلة بسبب الإصابات والأمراض ونقص الرعاية الطبية، بالإضافة إلى ما يقرب من 30 ألف وفاة أبلغت عنها السلطات المحلية بالفعل منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول. ويمثِّل هذا التقدير "وفياتٍ زائدة" لم تكن متوقَّعة لولا الحرب.
أصبحت المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس ملاجئ مكتظة بالفلسطينيين الباحثين عن الأمان من الغارات الجوية الإسرائيلية. يجب مشاركة الحمامات القليلة المتاحة بين مئات أو آلاف الأشخاص الذين ينتظرون أحياناً في طوابير لساعات لاستخدامها.
وقد أدى القصف الإسرائيلي لغزة والهجوم البري المصاحب له إلى دفع الفلسطينيين جنوباً بشكل متزايد إلى الركن المكتظ من غزة حول رفح وأجبرهم على نصب خيام مؤقتة. ونتيجة لذلك، تدهورت إمكانية الوصول إلى الحمامات والصرف الصحي. ويوجد الآن نحو 1.5 مليون فلسطيني نازح في رفح -أي أكثر من نصف إجمالي سكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون نسمة- حتى في الوقت الذي تهدد فيه إسرائيل بغزو المنطقة.
إسرائيل ترفض اقتراح اليونيسف جلب مراحيض متنقلة
وبعد الهجمات التي قادتها حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، منع الحصار الإسرائيلي شبه الكامل على غزة معظم الأشياء من الدخول إلى القطاع، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية.
وفي مواجهة أزمة الصرف الصحي في غزة، قال ممثلو كل من اليونيسف وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إن المنظمتان حاولتا جلب مراحيض متنقلة ومواد بناء لتشييد مرافق للصرف الصحي، لكن السلطات الإسرائيلية منعتهم. أزمة الصرف الصحي في غزة
وقالت الإدارة المدنية الإسرائيلية، الذراع البيروقراطية للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة وغزة، إن القيود المفروضة على دخول بعض السلع إلى غزة تمنع دخول المواد التي يمكن استخدامها أيضاً لأغراض عسكرية.
وأضافت الإدارة المدنية إن حماس "تستغل الموارد المدنية من أجل تعزيز نفسها عسكرياً على حساب رعاية السكان المدنيين"، دون توضيح كيف يمكن للحمامات المتنقلة أن تخدم الاحتياجات العسكرية.
إنها تريد انتزاع كرامتهم
وقال أبراساك كامارا، مدير اليونيسف لبرنامج المياه والصرف الصحي في فلسطين، الذي يساعد على توفير المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي: "إن أزمة الصرف الصحي في غزة مصدر مقلق على الصحة العامة. لكن الشيء الثاني هو ببساطة الكرامة. إنه أمر نعتبره مفروغاً منه، ولكن هذه هي الطريقة التي ننتزع بها الكرامة من الناس".
وقال مسؤولون في اليونيسف إنهم اضطروا إلى اللجوء إلى بناء مراحيض من الخشب والخرسانة والأغطية البلاستيكية -وهي مواد متوفرة بالفعل في غزة- وبتكلفةٍ عالية في كثير من الأحيان. وتخطط الوكالة لإنشاء 500 مرحاض في رفح للمساعدة في تقليل الازدحام.
وكانت اليونيسف قد خططت لبناء 500 مرحاض آخر في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، للتخفيف من أزمة الصرف الصحي في غزةلكنها اضطرت إلى التخلي عن هذه الجهود مع تحرك الهجوم البري الإسرائيلي إلى المنطقة مؤخراً.
وفي مقطع فيديو نُشِرَ على منصة إنستغرام الشهر الماضي، قامت الصحفية ومخرجة الأفلام الوثائقية من غزة، بيسان عودة، بتأريخ الكفاح اليومي للعثور على مرحاض. وبينما كانت تسير بجوار الخيام في الشارع، وهي تحمل إبريقاً كبيراً من الماء، روت التحديات التي واجهتها.
قالت: "هذا هو روتيني اليومي، المشي لمدة 20 إلى 25 دقيقة تقريباً للوصول إلى الحمام -في الواقع أواجه صعوبة في الوصول إلى هناك".
نقص في الفوط الصحية يدفع النساء لاستخدام حبوب منع الحمل
وأعربت نساء أخريات عن أسفهن للنقص الشديد في الفوط الصحية في المنطقة، وقالت إحداهن على الأقل لصحيفة New York Times الأمريكية إنها بدأت في تناول حبوب منع الحمل لوقف الدورة الشهرية تماماً.
وقالت سناء الكباريتي، 33 عاماً، وهي صيدلانية من مدينة غزة في الشمال، إنها هربت من منزلها مع عائلتها إلى بلدة النصيرات في وسط غزة، عندما هطلت القنابل الإسرائيلية على حيهم في الأيام القليلة الأولى من الحرب. وقالت إنها ونحو 40 فرداً من عائلتها الكبيرة، بينهم 10 أطفال، انعزلوا في غرفة صغيرة ويتقاسمون حماماً واحداً. لكن لم يكن هناك ماء ولا ورق حمام. ورغم المخاطر، عادوا إلى منازلهم.
وقالت: "في ما يتعلق بالمرحاض، لم يكن هناك ماء، وهذا ما دفع العائلات التي معنا للعودة إلى مدينة غزة، وإلى الخطر، لأنهم لم يستطيعوا تحمل قلة المياه ونقص ورق الحمام".
وفي النهاية، أصبح القصف على مدينة غزة شديداً لدرجة أنها اضطرت هي وعائلتها إلى الفرار مرة أخرى. واتجهوا جنوباً، أولاً إلى مدينة دير البلح، ثم إلى رفح في النهاية.
وهم أفضل حالاً من كثيرين في رفح لأنهم يحتمون في غرفة في منزل مشترك بين الكثيرين. لكن الحمام صغير، وعليهم القيام برحلة كل يوم للحصول على الماء للاغتسال ومحاولة الحفاظ على نظافة الحمام. وأصبح الاستحمام رفاهيةً نادراً ما يستطيعون الحصول عليها. وهم لا يستخدمون ورق الحمام، وحتى لو تمكنوا من العثور عليه في الأسواق، فإن السعر باهظ، إذ أدى الحصار الإسرائيلي إلى ارتفاع تكلفة السلع القليلة التي لا تزال متوفرة في غزة.