يواجه العاملون في المجال الطبي بغزة صعوبات بالغة، ويؤول مصير كثير منهم إما إلى التهجير وإما إلى الاعتقال وإما إلى الموت، وذلك في خضم الفوضى والدمار بالقطاع الذي مزَّقته الحرب المتواصلة منذ 142 يوماً، وارتكاب الاحتلال مجازره دون أي اعتبارات إنسانية.
وتحدَّث طبيب تخدير كان يعمل في مستشفى ناصر في مدينة خان يونس عن تجربته لصحيفة The Washington Post، السبت 24 فبراير/شباط 2024، عبر الهاتف، من رفح، شريطةَ عدم الكشف عن هويته حفاظاً على سلامته.
وقال الطبيب إنه كان يرغب في الاستمرار في مواصلة عمله في مستشفى ناصر، حتى مع اقتراب الدبابات الإسرائيلية، لكنه مسؤول عن 6 أبناء وأسرة كبيرة في رفح تعتمد عليه، مشيراً إلى أنه اتخذ القرار المؤلم بالفرار من المستشفى، في 26 يناير/كانون الثاني، لينضمَّ إلى الأعداد المتنامية من العاملين الطبيين النازحين في قطاع غزة.
الصحيفة البريطانية أوضحت أن الطبيب يقيم الآن في خيمة نايلون في رفح ويعيل عائلته، وكانت رحلته إلى بر الأمان محفوفة بالمخاطر، إذ هرب مع ثلاثة أطباء آخرين، وكان الوحيد الذي وصل إلى رفح، ويعتقد أنه تمكَّن من عبور حواجز التفتيش، لأنه كان يحمل طفلاً وجده وحيداً وسط فوضى الإخلاء.
كما لفتت الصحيفة إلى أن مصير رفاقه لا يزال مجهولاً، في حين أفادت وزارة الصحة في غزة، بأن القوات الإسرائيلية اعتقلت 70 من العاملين في المجال الطبي من مستشفى ناصر.
عيادات مجانية في المخيمات
ورغم هذه التحديات أنشأ الأطباء النازحون، مثل طبيب التخدير، عيادات مجانية في المخيمات وملاجئ النازحين، لتوفير الرعاية الضرورية للمحتاجين، لكن الحرب المستمرة وضبابية المستقبل تثقلان كواهلهم.
ويقول طبيب التخدير إنه يعلم أنه ليس آمناً حتى في رفح، ومع تحول انتباه الجيش الإسرائيلي إلى رفح يتساءل: "إذا حدث شيء لرفح فإلى أين نذهب؟".
ومع وجود أكثر من 100 طبيب في السجون الإسرائيلية، وتهجير معظم الآخرين، بات نظام الرعاية الصحية في غزة على شفا الانهيار.
ويعيش الأطباء الباقون في خيام، ويتلقون جزءاً من رواتبهم أو لا يتلقونها على الإطلاق، ويمضون معظم وقتهم في البحث عن الطعام والماء.
ويفاقم تدمير مستشفيات غزة والمرافق الطبية الأزمةَ في القطاع، إذ أفادت منظمة الصحة العالمية أن مستشفى ناصر، الذي كان يوماً أكبر مستشفى في جنوب غزة، توقَّف عن العمل بعد أن داهمته القوات الإسرائيلية واحتلته،
ومع انقطاع الكهرباء والغذاء والإمدادات الطبية يُترك المرضى دون علاج، ولا يتمكَّن الأطباء من تقديم الرعاية اللازمة.
ويخشى كثيرون العودة إلى القطاع الطبي وأزماته الحادة. ووفقاً للأمم المتحدة يقترب سكان غزة، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة من حافة المجاعة، وتنتشر الأمراض المعدية. ويحذر محللون وعمال إغاثة من أن الجوع والمرض يمكن أن يقتلا أكثر من عدد من قتلتهم الأسلحة الإسرائيلية.