كان هذا مجرد كأس السوبر الأوروبي وكانت هذه مجرد خسارة في الوقت الإضافي. فضلاً عن أن ريال مدريد فاز باللقب في العام الماضي، ولم يعنِ هذا سوى القليل لموسم محبط على صعيد الدوري الإسباني، وهو بدوره ما لم يعنِ سوى القليل جداً لحملة الفوز بالنسخة الأخيرة من دوري أبطال أوروبا. لكن الأوقات تتغير، والأولويات تتغير، ومستويات اللاعبين تتذبذب، وعندما تكون نادياً مكتظاً بالمواهب مثلما هو الحال مع ريال مدريد، تأتي البطولات تباعاً في المعتاد.
بيد أن مباراة الأربعاء التي أُقيمت في العاصمة الإستونية تالين لم تكن مجرد مباراة أخرى، بل لم تكن مجرد بطولة سوبر أوروبي أخرى. فقد كانت أول مباراة تنافسية لريال مدريد بعد رحيل كريستيانو رونالدو؛ وقد خسرها الملكي. لعلهم كانوا سيخسرون في وجود رونالدو. ولعل المباراة لم تكن لتصل للوقت الإضافي. وربما لم يكن سيشارك في المباراة (في الموسم الماضي، عندما واجه ريال مدريد مانشستر يونايتد في المباراة التي أقيمت في العاصمة المقدونية سكوبيه، شارك رونالدو بديلاً لمدة 8 دقائق فقط من نهاية اللقاء). ولعله كان سيفعل شيئاً غبياً، مثلما فعل في السوبر الأوروبي ضد برشلونة في الموسم الماضي فأوقفه الاتحاد الإسباني لكرة القدم 5 مباريات. لكنَّ كل هذا لا يهم: ما يهم أنَّ رونالدو رحل عن ريال مدريد، فخسر الفريق.
ويكمل جوناثان ويلسون، محرر الغارديان، أنه تميل مناقشة المسارات المحتملة في كرة القدم إلى استدعاء الاستغراب لدى البعض، لكنَّها، مثلما هو حال الروايات الدينية، حتى إذا كانت خاطئة أو غير موجودة يمكنها أن تمارس تأثيراً قوياً. إنَّها طريقة لاستدعاء الأفكار، وفهم أحداث عشوائية في الغالب، ومن خلال التأثير على الحالة المزاجية يمكن في النهاية تشكيل الأحداث. ومن ثم فإنَّ هزيمة ريال مدريد في تالين انزلق معها الجميع ببساطة شديدة نحو رواية سلبية يتزايد حجمها يوماً بعد يوم.
كل شيء كما هو إلا رونالدو
بعد المباراة، صرح جولين لوبيتيغي، المدرب الجديد لريال مدريد: "كُنا الأفضل في أغلب أجزاء المباراة، لكنَّنا لم نستطع استغلال تلك الأفضلية، بينما استغلوا هم جميع الفرص التي لاحت أمامهم". ربما يكون ذلك غير صحيح تماماً، لكنَّه حقيقي في المجمل، مما يضيف مزيداً من الشعور بالقلق؛ فشيءٌ ما قد تغير. في الأعوام الماضية، ولا سيما في دوري أبطال أوروبا، فاز ريال مدريد في أغلب اللقاءات بالرغم من أنَّه لم يكن الأفضل، وفي بعض الأوقات لم يكن السبب مفهوماً على الإطلاق.
لكن كان هناك تفسير دائم لذلك: كريستيانو رونالدو. ربما كانت هناك أوقات ترك فيها رونالدو زملاءه بلا مساندة دفاعية. وربما كانت هناك أوقات كلفت مطالباته بأن يدور كل شيء في فلكه أن يفقد ريال مدريد المرونة، لكنَّه ظل يحرز الأهداف بمتوسط 50 هدفاً في الموسم الواحد على مدار 9 سنوات.
مرِّر الكرة بالقرب منه في موقع خطورة، وعلى الأرجح سيحرز هدفاً. يمكن أن تكون تلك طريقة عشوائية للفوز بعديدٍ من ألقاب الدوري الإسباني، إذ لم يفز ريال مدريد إلا ببطولتي دوري في تسعة أعوام، لكن في المباريات الإقصائية من بطولة دوري أبطال أوروبا، أثبتت أنَّها ناجعة نجاعةً، مدمرة ولا يمكن تكرارها بسهولة.
بيد أنَّ هناك بعداً نفسياً أيضاً. قم بإزالة نجماً من السماء وسيحل بعض الظلام لا محال، ولا سيما عندما لا يكون هناك تعويضٌ لرحيله إلى يوفنتوس. في أغلب الأندية، رحيل لاعب يبلغ من العمر 33 عاماً والفرص المتوفرة جراء ذلك لموهبةٍ محلية شابة على شاكلة إسكو وماركو أسينسيو ولوكاس فاسكيز يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية، غير أنَّ ريال مدريد نادٍ تُبنى صورته على أساس التعاقدات الكبيرة، وهذا الموسم لم يشهد أياً منها.
سماء مدريدية بلا نجوم
قد يبدو ذلك غير عادلٍ لتيبو كورتوا، لكن في العالم الحديث نادراً ما يُنظر إلى حراس المرمى على أنَّهم نجوم. فإذا استُثني الحارس البلجيكي، سنجد أنَّ ريال مدريد لم يضم إلا البرازيلي فينيسيوس جونيور البالغ من العمر 18 عاماً، ليتم صفقةً جرى الاتفاق عليها في العام الماضي، إضافةً إلى الجناح ألفارو أودريوزولا البالغ من العمر 22 عاماً. ولم تسفر المناوشات المتعلقة بضم نيمار وكيليان مبابي وإيدن هازارد عن أي شيء. ولا يزال هناك وقت بكل تأكيد، غير أنَّ الوقت الحالي لا يشهد سوى استمراراً لمنحنى الهبوط الذي بدأ مع تلميح رونالدو إلى رحيله داخل ملعب أولمبيسكي في كييف بعد دقائق من نهائي دوري أبطال أوروبا، واستمر مع الإعلان سيئ التوقيت غير الحصيف لتولي لوبيتيغي موقع المدير الفني بدلاً من زيد الدين زيدان قبيل انطلاق بطولة كأس العالم (كان لوبيتيغي في ذلك الوقت لا يزال المدير الفني للمنتخب الإسباني، وتسبب هذا الإعلان في إقالته من منصبه وتعيين الإسباني فرناندو هييرو).
إذا ألقينا النظر داخل الملعب، سنجد أنَّ ريال مدريد ضغط على الخصم أكثر بقليل مما اعتاد عليه، إذ إنَّ لوبيتيغي في النهاية، بالرغم من أنَّه بدأ مسيرته في الملاعب مع ريال مدريد، فقد لعب لبرشلونة في أواخر حقبة الهولندي الطائر يوهان كرويف، لكنَّه باستثناء ذلك كان لاعباً غير مميز.
وكان الويلزي غاريث بيل مصدر الخطورة الوحيد في الشوط الأول من المباراة، وصنع الهدف الذي أحرزه كريم بنزيما، لكنَّ نجمه خفت في الشوط الثاني. أما كريم بنزيما، الذي اعتاد اللعب بجوار رونالدو، فكان يتمركز خارج منطقة الجزاء خلال أوقاتٍ كثيرة بطريقة كانت تعني غياب أي تهديد داخل الصندوق، لا سيما في ظل عدم تجاوزه من جانب بيل وأسينسيو في أي هجمةٍ لهما. ظل كوعا سيرجيو راموس حادان مثلما هما دائماً، لكنَّ راموس ورافاييل فاران كانا مختلفين في بعض الأوقات بصورةٍ غريبة. وأظهر مارسيلو مرةً أخرى أنَّه ظهير جيد في الهجوم ومتوسط في الدفاع.
لم يكن أي شيء من المباراة خارجاً عن المألوف بصورة استثنائية في مباراة هي الأولى في الموسم، فضلاً عن أنَّها لم تكن ستنتهي بالهزيمة لو لم ينجح أتليتكو مدريد في إنهاء بعض الهجمات بشكلٍ جيد. لكنَّهم خسروا بالفعل، لتزيد وتيرة الرواية السلبية. لم يخسر ريال مدريد بأربعة أهداف في أي مباراة تحت قيادة زيدان. بل لم يخسر الفريق الملكي نهائي بطولة قارية منذ 18 عاماً. لكنَّه خسر رونالدو. أصر لوبيتيغي على أنَّ الهزيمة لن تغير سياسة الانتقالات، ونادراً ما تنجح بيانات التعاقدات التي تُعلَن بدون تفكير في الهيكل العام، لكنَّ صفقةً كبيرة يمكن أن تكون الطريقة الأبسط لتحويل دفة ريال مدريد بعيداً عن عباءة رونالدو.
إقرأ أيضاً..
بعد أن قاتل من أجل الحياة.. ديفيد سيلفا يُقدم ابنه الرضيع إلى جمهور مانشستر سيتي
تحت شعار "لا رونالدو لا جماهير".. أقل حضور جماهيري لريال مدريد منذ 10 سنوات