كشفت وثائق مسربة أن القوات الخاصة البريطانية رفضت طلبات لجوء مقاتلين أفغان قاتلوا إلى جانبها، للانتقال للعيش في بريطانيا، بعدما سيطرت حركة طالبان على السلطة في أفغانستان منذ 2021، حسبما كشفت شبكة "بي بي سي" البريطانية.
تظهر الوثائق المسربة أن القوات الخاصة البريطانية رفضت الطلبات على الرغم من أن بعضها يحتوي على أدلة دامغة على الخدمة إلى جانب الجيش البريطاني.
ورافقت قوات الكوماندوز الأفغانية القوات الخاصة البريطانية في بعض من أخطر المهام القتالية بأفغانستان، في حين علقت وزارة الدفاع بأنها تجري مراجعة مستقلة، وفق التقرير ذاته.
خطر الانتقام
وأشار التقرير إلى أنه عندما وصلت حركة طالبان إلى السلطة في أغسطس/آب 2021، كان أعضاء وحدات القوات الخاصة الأفغانية المعروفة باسم تريبلز "الثلاثيات"، من بين المجموعات الأكثر عرضة لخطر الانتقام، بعد أن دعموا القوات الخاصة البريطانية في قتالها ضد طالبان.
كان المقاتلون الأفغان مؤهلين للتقدم بطلب لإعادة التوطين في بريطانيا بموجب برنامج سياسة إعادة التوطين والمساعدة الأفغانية، لكن تم رفض طلبات المئات منهم.
وحسبما ورد في التسريبات تعرض العشرات للضرب أو التعذيب أو القتل على يد طالبان، بينما أعلن وزير القوات المسلحة البريطاني، جيمس هيبي، عن مراجعة نحو 2000 طلب بعد اعترافه بأن إجراءات اتخاذ القرار برفض بعض الحالات "لم تكن قوية".
تتضمن المستندات التي كشفت عنها "بي بي سي" وثيقة إجراءات التشغيل القياسية، التي توضح أنه منذ عام 2023 على الأقل، تم إرسال جميع الطلبات التي تقدم بها أعضاء القوات الخاصة الأفغانية التي استوفت الحد الأساسي من الشروط، إلى القوات الخاصة البريطانية للموافقة عليها أو رفض تقديم الرعاية.
جرائم حرب في عمليات بأفغانستان
وتُظهر وثيقة إجراءات التشغيل القياسية، التي حصلت عليها غرفة الأخبار الاستقصائية "لايت هاوس ريبورتس" وشاركتها مع "بي بي سي"، أنه إذا رفضت القوات الخاصة البريطانية الرعاية، فسيتم اعتبار مقدم الطلب غير مؤهل تلقائياً ويتم إرسال خطاب الرفض.
في السياق، صرح أعضاء سابقون في قوات ساس، فوج النخبة من القوات الخاصة بالجيش البريطاني، للشبكة البريطانية، بأنهم يعتقدون أن حق النقض (للقوات الخاصة) الموضح في وثيقة إجراءات التشغيل القياسية يمثل تضارباً واضحاً في المصالح للقوات الخاصة البريطانية.
وأعطى حق النقض للقوات الخاصة سلطة اتخاذ القرار بشأن الطلبات في وقت كان يجري تحقيق عام في بريطانيا في مزاعم بأن جنود ساس ارتكبوا جرائم حرب في عمليات بأفغانستان، حيث كانت وحدات النخبة الأفغانية تريبلز موجودة.
ويتمتع التحقيق العام بسلطة استجواب الشهود الموجودين في بريطانيا، لكن ليس المواطنين غير البريطانيين الموجودين في الخارج. وإذا كان أفراد القوات الخاصة الأفغانية موجودين في بريطانيا، فقد يُطلب منهم تقديم أدلة مهمة محتملة.
"تضارب واضح في المصالح"
بدوره، قال ضابط سابق في القوات الخاصة البريطانية: "إنه تضارب واضح في المصالح"، وأضاف: "في الوقت الذي تخضع فيه بعض تصرفات القوات الخاصة البريطانية للتحقيق من خلال تحقيق عام، كانت لديها السلطة لمنع زملاء سابقين في القوات الخاصة الأفغانية وشهود محتملين على هذه التصرفات من الوصول بأمان إلى بريطانيا".
فيما قال ضابط سابق آخر في القوات الخاصة البريطانية لـ"بي بي سي": "في أحسن الأحوال، هذا ليس مناسباً، وفي أسوأ الأحوال يبدو أنهم يحاولون إخفاء آثارهم".
وقال متحدث باسم فريق التحقيق العام لـ"بي بي سي"، إنه لا يمكنه التعليق على شهود محددين ولكنه "على علم بالمقالات الصحفية الأخيرة حول القوات الخاصة الأفغانية تريبلز"، وسيواصل "مطالبة أي شخص لديه معلومات ذات صلة بالتقدم".
وتحدثت الشبكة إلى جنود أفغان سابقين في "تريبلز" تم رفض طلبات نقلهم في عام 2023، ويقولون إنهم شهدوا أو أبلغوا عما بدا لهم أنها جرائم حرب ارتكبتها القوات الخاصة البريطانية.
"أشعر بأنني تُركت وحدي في وسط الجحيم"
"بي بي سي" لفتت إلى أنها اطلعت أيضاً على المستندات المقدمة من اثنين من ضباط أفغان سابقين في "تريبلز"، إضافة إلى طلباتهم في برنامج سياسة إعادة التوطين والمساعدة الأفغانية.
وشملت هذه المستندات: دعوة رسمية إلى مقر "ساس" في هيريفورد لإلقاء محاضرة عن القوات الخاصة الأفغانية. خطابات من السفارة البريطانية بخصوص الراتب. صور مع اثنين من مديري القوات الخاصة البريطانية وسفير بريطاني. صور مع الجنرال ديفيد بتريوس، قائد تحالف الناتو وجميع القوات الأمريكية في أفغانستان. رسالة من ضابط بريطاني يصف مقدم الطلب بأنه جزء من وحدة "القوات الخاصة الأفغانية الخاضعة للإرشاد البريطاني". التأشيرات السابقة لدخول بريطانيا.
وتم منع الضابطين اللذين قدما هذه الطلبات من دخول بريطانيا، فيما أخبر الضابطان "بي بي سي" بأنهما الآن مختبئان في أفغانستان، ويتنقلان من منزل إلى آخر، وغير قادرين على البقاء مع عائلاتهما أو العمل.
وقال أحدهما إنه تم استجوابه وضربه على يد طالبان قبل أن يهرب، وقال الآخر إنه هرب أولاً لكنه سمع أن طالبان ذهبت إلى منزله بحثاً عنه.
أضاف: "أعيش في وضع سيئ للغاية. أنا مختبئ، وأفراد عائلتي في الغالب لا يستطيعون العيش معاً، ولا نستطيع الخروج ولا نستطيع العمل".
وتابع: "كنت على يقين من أن زملائي وأصدقائي البريطانيين، الذين عملنا معهم لعدة سنوات، سيساعدونني في الإخلاء إلى مكان آمن. والآن أشعر بأن التضحيات التي قدمتها قد تم نسيانها"، مضيفاً: "أشعر بأنني تُركت وحدي في وسط الجحيم".
وشارك الضابطان في عمليات ساس، التي تخضع الآن للتدقيق والمراجعة في تحقيق عام للوقوف على إمكانية ارتكاب جرائم حرب.
وقدم أحدهما عدداً من الشكاوى إلى الجيش البريطاني وقت تلك العمليات، وزعم أن القوات الخاصة قد ارتكبت جرائم حرب، بل سحب رجاله ومنعهم من تقديم الدعم في عمليات القوات الخاصة احتجاجاً على ما زعم أنه عمليات قتل خارج نطاق القضاء للمدنيين الأفغان.