يُجري زعيم تيار المستقبل جولة داخل لبنان، بعد وصوله إليها للمشاركة في الذكرى السنوية الـ19 لاغتيال والده، رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مثيراً تساؤلات بشأن إمكانية عودة سعد الحريري إلى الساحة اللبنانية بعد انسحابه منها منذ مطلع 2022.
للإجابة على ذلك، كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، طبيعة تحركات الحريري الأخيرة، والأجواء الداخلية المتعلقة بذلك في لبنان، لا سيما أنها تأتي في ظروف إقليمية، في صدارتها التوترات الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، على ضوء الحرب في غزة.
تأتي عودة سعد الحريري إلى لبنان، بعد تعليق عمله السياسي منذ أكثر من سنتين، ليلتقي برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
سلسلة من اللقاءات الأخرى ستتوج بها عودة سعد الحريري، مع كل من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ومفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، إضافة لوزراء ونواب لبنانيين وسفراء دول عربية وغربية.
بينما تشتد الضربات في جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل، وينقل الموفدون تهديدات حكومة الحرب الإسرائيلية عن نية بنيامين نتنياهو ضرب لبنان، هبط إلى العاصمة اللبنانية بيروت، جاءت عودة سعد الحريري، من بوابة الذكرى السنوية الـ19 لاغتيال والده رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وسط مرحبين، وآخرين معارضين لعودته إلى الساحة السياسية.
مبررات عودة سعد الحريري
كشف مصدر حكومي رفيع لـ"عربي بوست" أن مستشارين للحريري عمدوا خلال الأسبوعين الماضيين قبل وصوله إلى لبنان، للقاء سفراء دول غربية وأوروبية وعربية، بهدف شرح خطورة الواقع السني.
وحذروا مما سمّوه "حجم التأييد الحاصل للقوى والجماعات الإسلامية داخل لبنان، في ظل استمرار التوترات الحدودية مع الاحتلال الإسرائيلي واستمرار الحرب في غزة، وإمكانية أن يحققوا خروقات في أي استحقاق انتخابي قادم".
طلبوا كذلك من السفراء، بحسب المصدر ذاته، "الضغط على القوى الإقليمية لدعم عودة الحريري إلى المشهد السياسي".
لكن العديد من السفراء اعتبروا أن الموضوع "مبالغ به"، وأن "السنّة في الانتخابات الأخيرة وفي ظل غياب الحريري، صوّتوا لقوى مدنية وثورية، ولم يعطوا التيارات الدينية سوى 5% من الأصوات"، وفقاً للمصدر الحكومي.
استبقت كذلك زيارة الحريري إلى لبنان، حملة دعائية نشطت في الإعلام المحلي، من مقربي الحريري ومستشاريه السياسيين، تحمل عناوين مختلفة، أبرزها أن الأطراف التي دفعته للخروج "مُكرهاً" من السياسة اللبنانية لم تستطع إيجاد بديل عنه في الشارع السني، في ظل ما وصفوه بأنه "حالة تشتت تعيشه البيئة السنية، وانقسام النواب السنة في لبنان بين حزب الله وقوى التغيير، وآخرين مقربين من الحريري".
اعتبروا أن ذلك "شكّل غياباً للتأثير السنّي في اللعبة السياسية لصالح أطراف أخرى".
عنوان آخر جرى طرحه لإعطاء زيارة الحريري زخماً سياسياً، يتمثل بالقدرة التي يمتلكها للدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، في ظل الفراغ الرئاسي الحاصل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وخطورة الأمر على الدولة، الأمر الذي سعى الحريري للترويج له خلال لقاءاته السياسية مع الأطراف الداخلية، بحسب قناة "الجديد" اللبنانية.
كذلك جرى استخدام عنوان آخر يتزامن مع المعركة الحاصلة في قطاع غزة، بأن "هناك حالة استقطاب سنّي باتجاه الحركات الإسلامية"، وأن الحريري قادر على تشتيتها، بحجة أنه يقدم نفسه من "مربع الاعتدال الوطني المؤمن بالدولة".
هذا ما ألمح إليه الحريري بنفسه، في لقائه التلفزيوني على قناة "العربية"، متحدثاً عن "ضرورة التصدي للمتطرفين الإسرائيليين والإسلاميين"، وفق تعبيره.
وقال: "ما يحصل اليوم في إسرائيل وغزة وكل المنطقة، مشاريع تطرفية".
زيارة "غير مغطاة إقليمياً"
تبدو زيارة الحريري إلى لبنان غير مغطاة إقليمياً ودولياً، خاصة في ظل انشغال الدول الفاعلة في ملفات أكثر سخونة، مثل الحرب في غزة وأزمات البحر الأحمر، بحسب محللين لبنانيين تحدثوا لـ"عربي بوست".
يأتي ذلك في حين أن الملف السياسي اللبناني بات في عهدة اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان (الولايات المتحدة وقطر والسعودية وفرنسا ومصر) والنشاط اللافت للموفدين الفرنسيين والقطريين، على خط إيجاد حلول للملف الرئاسي، وملف التوتر في جنوب لبنان مع الاحتلال الإسرائيلي، بحسب ما أكده المصدر الحكومي.
لذا يرى المحلل السياسي اللبناني حسين أيوب، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن محاولة البعض وضع عودة سعد الحريري إلى لبنان، لمناسبة ذكرى اغتيال والده، في خانة "التعامل السعودي الجديد" مع لبنان، غير دقيقة.
أوضح أن "حقيقة الأمر تقول عكس ذلك، فلا يزال الحظر السعودي مُبرماً حتى الآن، وغير قابل للطعن أو المراجعة، لكن ربما هناك حسابات إماراتية لها علاقة بالصراع الحاصل مع الرياض، وكذلك لحسابات الحريري التي تتصل بانتخابات عام 2026 من جهة ثانية".
الموقف المعلن للحريري صدر على قناة "العربية" بحديثه المباشر عن أن عودته للبنان في الوقت الحالي "غير متاحة"، وأنه "لن يعود عن قرار تعليق عمله السياسي".
أكد كذلك أن لحظة تعليقه للعمل السياسي أتت لأسباب متعلقة بانسداد الأفق في لبنان والمنطقة، ورؤية أن البلاد تمر بمرحلة خطرة، ولا تزال.
في هذا الصدد، كان لافتاً أيضاً غياب السفير السعودي وليد البخاري عن لقاء الحريري، أو المشاركة في ذكرى اغتيال رفيق الحريري التي أُقيمت في وسط بيروت، على الرغم من استقبال الحريري لسفراء دول الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، وتلقيه دعوة لزيارة موسكو من الرئيس فلاديمير بوتين.
على الرغم من حالة التحشيد السياسي والإعلامي، التي جرت قبيل عودة سعد الحريري، فإن الحشود الشعبية وصفت بالضعيفة، إذ إنها لم تتجاوز الـ10 آلاف مشارك، مقارنة بما اعتاد عليه بحضور عشرات الآلاف.
كذلك، فإن التصويت الانتخابي السنّي في استحقاق 2022، أعطى القوى المناوئة للحريري أغلبية برلمانية، تحديداً قوى التغيير التي حصدت 6 مقاعد برلمانية، وحصلت على تصويت كبير في الانتخابات.
المرحبون بعودة الحريري إلى لبنان
كان لافتاً حجم الترحيب بسعد الحريري على المستوى السياسي من حلفاء حزب الله، في الإعلام من خلال آلان عون النائب في التيار الوطني الحر الذي يقوده جبران باسيل، والكلام الصادر عن رئيس البرلمان نبيه بري، الذي دعا الحريري للعودة إلى الحياة السياسية.
بالإضافة إلى استقبال الحريري لمرشح حزب الله لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية، والاتصالات التي تلقاها من قيادات مقربة من حزب الله.
تعليقاً على ذلك، أشار برلماني لبناني معارض لـ"عربي بوست"، فضّل عدم نشر اسمه، إلى أن الحريري يستشعر أن اللحظة الإقليمية الحالية التي تتزامن مع حرب غزة تشبه ظروف التسوية التي أتت به رئيساً للحكومة، وبميشال عون رئيساً للجمهورية (انتهت ولايته أواخر 2022)، وكذلك قبل أشهر من الانتخابات الأمريكية.
وقال إن سعد الحريري، الذي تولى رئاسة الوزراء 3 مرات، يعتبر أن التسوية التي ستوفر عودته للسياسة، هي بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً، وتكليفه برئاسة الحكومة المقبلة، ذلك أنه يؤثر على أصوات 10 نواب في البرلمان محسوبين عليه، وهي الأصوات اللازمة لحسم مرشح حزب الله الأغلبية للفوز بالرئاسة، وهو فرنجية.
عن الأطراف المعنية بعودة الحريري، قال إنها "حزب الله وحركة أمل"، رغم عدم إعلان موقف رسمي منهما، بالإضافة إلى النواب السنّة المقربين منه.
يشار إلى أن الحريري أعلن في 24 يناير/كانون الثاني 2022، اعتزاله العمل السياسي، داعياً حزبه السياسي "تيار المستقبل" لفعل الشيء ذاته، طالباً كذلك منه عدم الدفع بأي مرشحين في الانتخابات النيابية في حينها.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.