مساء الجمعة 9 فبراير/شباط الجاري، أعلنت وكالة موديز عن تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى "إيه 2" (A2) مع نظرة مستقبلية سلبية، وقالت وكالة موديز إن سبب تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل هو الحرب مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتداعياتها، كما توقعت الوكالة ارتفاع أعباء الدين في إسرائيل عن توقعات ما قبل الحرب.
وأضافت موديز أن مخاطر تصاعد الصراع مع حزب الله لا تزال قائمة، ما يزيد احتمالات تأثير سلبي كبير على الاقتصاد الإسرائيلي.
في الأثناء، سارع نتنياهو إلى التقليل من أهمية التخفيض، مشيراً إلى أن اقتصاد إسرائيل متين، وأن خفض التصنيف الائتماني سببه الحرب، مضيفاً أن "الاقتصاد سيعود إلى الانتعاش مجدداً بعد النصر".
وكانت وكالة التصنيف الائتماني "S&P- ستاندرد آند بورز" قالت نهاية الشهر الماضي إنها قد تخفض تصنيف إسرائيل إذا اتسعت الحرب في غزة، لتشمل جبهات أخرى، فما هو هذا التصنيف؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل؟ وما هي تداعيات هذا القرار؟
ما التصنيف الائتماني للدول؟
التصنيف الائتماني (Credit Rating) هو رأي وكالة ائتمان معينة فيما يتعلق بقدرة واستعداد كيان ما -قد يكون حكومة أو شركة أو فرداً- للوفاء بالتزاماته المالية بشكل كامل وضمن تواريخ الاستحقاق المحددة. يشير التصنيف الائتماني أيضاً إلى احتمالية تخلف المدين عن السداد. كما أنها تمثل مخاطر الائتمان التي تحملها أداة الدين، سواء كانت قرضاً أو إصدار سندات.
وبمفهومٍ أكاديمي فإن التصنيف الائتماني أو الجدارة الائتمانية يشير إلى عملية مراجعة أو مقياس يتم من خلاله دراسة وتحليل الوضع المالي لجهة ما سواء كانت شركة أو منظمة أو دولة، وذلك لتحديد الأهلية وقدرة الجهة الخاضعة للتصنيف على الاقتراض والوفاء بسداد الدين للمقرضين، وكلما تحسن التصنيف الائتماني لدولة ما على سبيل المثال، زادت الثقة بقوتها الاقتصادية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الجهات الممولة أو المقرضة، حيث يسهل التصنيف الجيد الحصول على القروض سواءً داخلياً أو خارجياً؛ نظراً لما يشمله من معايير تعمل على توقع وضمان الاستقرار المالي بشكل كبير.
ما الوكالات الدولية المعتمدة للتصنيف الائتماني، وما هي درجات التصنيف؟
في الوقت الحالي، هناك ثلاث وكالات ائتمانية بارزة تسيطر على 85% من سوق التصنيف الإجمالي، هذه الوكالات هي وكالة موديز لخدمات المستثمرين والتي قامت بتخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل، ووكالة ستاندرد آند بورز (Standard & Poor's) التي أعلنت أنها قد تضطر إلى تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل، ومجموعة فيتش (Fitch Ratings) التي تعدّ الثالثة من ناحية الأهمية مقارنة بالوكالتين المذكورتين.
وعلى الرغم من أن هذه الوكالات مارس بعضها عمله في بداية القرن الـ20، إلا أنها اكتسبت أهمية كبرى، عندما اعتمدتها هيئة الأوراق المالية الأميركية في عام 1975، كجهات ذات مصداقية واعتماد لديها. وهذه الوكالات هي مؤسسات أمريكية، منذ نشأتها وحتى الآن، وتستخدم كل وكالة أساليب تصنيف فريدة، ولكنها متشابهة بشكل لافت للنظر، للإشارة إلى التصنيفات الائتمانية.
أما مستويات التصنيف لدى وكالات التصنيف الائتماني، فتتراوح ما بين (A) "درجة أمان عالية"، وهو أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية، وإن كان يتضمن درجات تابعة مثل (A1)، أو (A2)، ثم تصنيف (B) ويعني جدارة ائتمانية متوسطة" ودرجاته المختلفة، كما هو في التصنيف السابق، ثم التصنيف (C) "جدارة ائتمانية عالية المخاطر"، ثم التصنيف الأخير (D) "جدارة ائتمانية متعثرة" ودرجاتهما المختلفة كما في التصنيفين السابقين.
وفي حالة تل أبيب، فقد قامت وكالة موديز بتخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل من "A1″، مع نظرة مستقبلية مستقرة، إلى "A2" مع نظرة سلبية.
لماذا قامت وكالة موديز بتخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل؟
وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فقد كانت وكالة moody's قد وضعت إسرائيل قيد المراجعة منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك في أعقاب الهجمات التي قادتها حركة المقاومة الإسلامية حماس على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، كما بدأت كل من ستاندرد آند بورز وفيتش في إعادة تقييم التصنيف الائتماني لإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني، لكنهما لم تتخذا أي إجراء نتيجة لذلك.
ويعود سبب تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل من قبل وكالة موديز وفقاً لبيانها إلى "الصراع العسكري المستمر مع حماس وتداعياته والعواقب الأوسع نطاقاً، والتي تزيد بشكل ملموس من المخاطر السياسية على إسرائيل، فضلاً عن إضعاف مؤسساتها التنفيذية والتشريعية وقوتها المالية" بسبب الحرب التي تشنها على الفلسطينيين في غزة وتداعيات تلك الحرب وتأثيراتها على الحياة المالية والاقتصادية والاستثمارية.
وقالت وكالة موديز إنها تتوقع أن يتضاعف الإنفاق العسكري الإسرائيلي على إنفاق 2022 بحلول نهاية هذا العام. وهذا يعني المزيد من الديون لتمويل الزيادة في الإنفاق.
ومن المعتاد أن تعيد وكالات التصنيف تقييم الجدارة الائتمانية لأي بلد بعد وقوع حدث كبير من المرجح أن يؤثر على قدرتها على السداد لمقرضيها.
وتخطط وكالة ستاندرد آند بورز، التي تعيد تقييم التصنيف الائتماني لإسرائيل منذ أكتوبر الماضي، لتحديث التصنيف الائتماني للبلاد في 10 مايو/أيار المقبل، وأشارت وكالة التصنيف في تقرير أصدرته في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى أن اقتصاد إسرائيل المتنوع وقطاع التكنولوجيا القوي يجب أن يمنح ثقلاً لمواردها المالية خلال الحرب، على الرغم من أنها حذرت من أن المزيد من تصعيد الصراع إلى مناطق خارج غزة يمكن أن يؤثر بشدة على عملية صنع القرار فيها.
وأشار محللو ستاندرد آند بورز إلى أنه "يمكننا خفض التصنيفات الائتمانية لإسرائيل إذا اتسع الصراع بشكل ملموس، ما يزيد من المخاطر الأمنية والجيوسياسية التي تواجهها إسرائيل"، وأضافوا: "يمكننا أيضاً خفض التصنيفات خلال الـ 12 إلى 24 شهراً القادمة إذا ثبت أن تأثير الصراع على النمو الاقتصادي لإسرائيل والوضع المالي وميزان المدفوعات أكثر أهمية مما نتوقعه حالياً"، وكان تقرير ستاندرد آند بورز قبل توسع نطاق المواجهة بالشكل الدائر حالياً، مع دخول جماعة أنصار الله الحوثيين المواجهة بإغلاق البحر الأحمر أمام السفن الإسرائيلية وفرض شبه حصار بحري على إسرائيل، ناهيك عن زيادة التوتر في الجبهة الشمالية وقرب تحولها إلى مواجهة شاملة.
وكانت إسرائيل قبل الحرب تتوقع زيادة تصنيفها إلى المستوى A، لتصل إلى مستوى هونغ كونغ وقطر وبريطانيا، لكنّها تراجعت الآن إلى التصنيف A2 مع احتمال زيادة التصنيف الائتماني لإسرائيل مرة آخرى خلال هذه السنة.
ما الذي ستخسره إسرائيل بسبب هذا التصنيف؟
وفقاً لصحيفة globes الإسرائيلية، تواجه إسرائيل مشكلة كبرى، وهي أن المواجهة العسكرية من شأنها أن تضعف مؤسسات إسرائيل، وخاصة فيما يخص فاعلية صنع السياسات، فمن وراء كلفة الحرب البالغة 220 مليار شيكل (58.26 مليار دولار)، ثمة حالة من عدم اليقين بشأن زيادة دائمة تتراوح بين 15 مليار شيكل (4 مليارات دولار) إلى 20 مليار شيكل (5.3 مليار دولار) في الإنفاق الدفاعي السنوي في خلال الأعوام المقبلة.
ومن شأن خفض التصنيف الائتماني رفع معدلات الفائدة، وكلفة الديون، لذا يرى مراقبون أن هذه الخطوة من شأنها زيادة مصروفات خدمة الديون الإسرائيلية ليشعر الجميع بذلك في جيوبهم، خصوصاً أن توفير 15 مليار شيكل وهو مبلغ الزيادة في الإنفاق العسكري ستكون من خلال زيادة 1% في معدل ضريبة القيمة المضافة من عام 2025، وضريبة الأميال على السيارات الكهربائية من 2026.