في اشتباك وصفه الإعلام الأمريكي بـ"التاريخي"، الأسبوع الماضي، في البحر الأحمر، أسقطت مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية صاروخ كروز مضاداً للسفن أطلقه الحوثيون في اليمن؛ مما يشير إلى أن أنظمة الأسلحة بعيدة المدى للسفينة فشلت في تحييد التهديد. في المقابل، اعتمدت المدمرة الأمريكية "يو إس إس" غرافلي من فئة "آرلي بيرك" على نظام الأسلحة القريب، نظام فالانكس الصاروخي "إم كيه-15" لاعتراض الصاروخ اليمني على بُعد أقل من ميل واحد من السفينة.
وتقول مجلة Popular Mechanics الأمريكية٬ من ناحية، يُعَد هذا فوزاً لنظام فالانكس، الذي لم يسجل أي قتال خلال 40 عاماً من الخدمة، وهذا ليس بالأمر السيئ، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا النظام يسمى بـ"خط الدفاع الأخير" للبحرية. لكن من ناحية أخرى، لا نعرف التفاصيل الدقيقة للاشتباك، لذلك من غير الواضح ما إذا كان استخدام نظام فالانكس كان متعمَّداً. وكان هذا في المقام الأول قراراً طارئاً.
ما هو نظام الدفاع الأخير لدى البحرية الأمريكية؟
خلال الحرب العالمية الثانية، كانت السفن السطحية التابعة للبحرية الأمريكية مغطاة من مقدمتها إلى مؤخرتها بأكبر عدد ممكن من المدافع المضادة للطائرات. جُهِّزَت مدمرةٌ من طراز غيرينغ، وهي العمود الفقري لأسطول المدمرات في زمن الحرب، بـ6 بنادق عيار 5 بوصات، و12 مدفعاً عيار 40 ملم، و11 مدفعاً عيار 20 ملم. وكان الهدف هو تغطية السماء بجدار من الفولاذ، ومنع الانتحاريين اليابانيين والتهديدات الجوية الأخرى من الاقتراب من الأسطول.
لقد غير الرادار والأتمتة كل ذلك. بفضل الرادار، يمكن لنظام مدفع واحد مزود بعقل كمبيوتر اكتشاف أهداف متعددة، وحساب المسافة والسرعة والاتجاه، والتعامل بدقة مع التهديدات حسب ترتيب الأولوية. ويبشِّر هذا بتحرير الكثير من المساحة على السفن الحربية؛ حيث يقوم سلاح واحد بعمل أكثر من 20 سلاحاً.
إن نظام فالانكس إم كيه-15 هو مدفع غاتلينغ إم-61 إيه-1، وهو نفس المدفع ذي الست فوهات المثبت على الطائرة المقاتلة إف-15 إيغل وإف-16 فايتينغ فالكون، ومزود برادار ونظام محوسب من أجل التحكم في إطلاق النار.
وبمجرد اعتماد السلاح من مركز المعلومات القتالية للسفينة، فإنه يقوم تلقائياً بمسح السماء بحثاً عن التهديدات الجوية القادمة. النظام مؤتمت بالكامل، والحاجة إلى الجمع بين بيانات الرادار والمقذوفات وإطلاق النار بدقة على التهديد بعد ثوانٍ فقط من الاصطدام بالسفينة، تغني عن المشاركة البشرية. ويمكن لجهاز الكمبيوتر فقط أن يتفاعل بسرعة كافية.
عندما يبدأ رادار فالانكس في التقاط الصواريخ القادمة، فإنه يبدأ في إعطاء الأولوية للصواريخ الستة الأولى على مدى 5.58 ميل. يتصدى فالانكس تلقائياً للتهديدات الواردة على مسافة 2.27 ميل، ويرسل وابلاً من القذائف عيار 20 ملم إلى مسار الصاروخ القادم. يمتلك مدفع غاتلينغ إم-61 إيه-1 معدل إطلاق نار يبلغ 4500 طلقة في الدقيقة، ويخزن 1500 قذيفة تنغستن أو يورانيوم منضب، تكفي لإطلاق النار لمدة 20 ثانية.
ما السجل القتالي لنظام فالانكس الصاروخي؟
بحلول منتصف الثمانينيات، وُضِعَ نظام فالانكس على متن معظم سفن الأسطول الأمريكي، بالإضافة إلى سفن حلفاء الناتو واليابان. وكانت أول فرصة لهذا النظام لإسقاط صاروخ قادم بمثابة فرصة ضائعة: ففي عام 1987، ضربت صواريخ كروز العراقية المضادة للسفن من طراز إكسوسيت الفرقاطة يو إس إس ستارك في الخليج العربي.
ورغم أن الفرقاطة رصدت الطائرة التي أطلقت الصاروخ، لم يعتبره الطاقم تهديداً، ولم يقم بتفعيل الأنظمة الدفاعية، بما في ذلك نظام فالانكس. وبعد لحظات، ضربت طائرتان من طراز إكسوسيت الفرقاطة ستارك؛ مما أسفر عن مقتل 37 من أفراد طاقمها.
في عام 1991، خلال حرب الخليج الأولى، أطلقت القوات العراقية صاروخاً مضاداً للسفن من طراز سيلك وورم على تشكيل من السفن الحربية الأمريكية وسفن البحرية الملكية البريطانية. نشرت السفينة الحربية يو إس إس ميسوري شرائح من رقائق الألومنيوم مصممة لخداع الرادار الخاص بالصاروخ وجعله يتجه لضرب الشرائح بدلاً من السفينة المستهدفة. لكن نظام فالانكس نفسه اشتبك مع الشرائح بدلاً من الصاروخ، الذي أسقطته مدمرة بريطانية قريبة.
حدثت أول عملية إسقاط فعلية بواسطة نظام فالانكس في العام 1996، لكنها لم تسر تماماً وفقاً لما كان مخططاً. اشتبكت المدمرة يوجيري التابعة لقوات الدفاع الذاتي بالبحرية اليابانية، المشاركة في تدريبات مدفعية الدفاع الجوي، عن طريق الخطأ مع قاذفة قنابل تابعة للبحرية الأمريكية من طراز إيه-6 إنترودر، وهي تسحب هدفاً عاكساً للرادار. أُسقِطَت القاذفة إيه-6، ولحسن الحظ انتُشِلَ الطاقم بأمان. واستغرق الأمر أكثر من أربعة عقود حتى يتمكن نظام فالانكس من إسقاط سلاح العدو المعادي.
ما الذي وقع في حادثة البحر الأحمر؟
تقول المجلة الأمريكية إنه ليس من الواضح ما حدث في حادثة يو إس إس غرافلي في البحر الأحمر٬ هل أخطأت الصواريخ المتعددة التي استهدفت الصاروخ المضاد للسفن؟ هل تهرب ذلك الصاروخ من الكشف حتى لم يعد هناك إلا نظام فالانكس ليتمكن من إيقافه؟ أم أن شيئاً آخر حدث تماماً؟ بغض النظر، نحن نعلم الآن أن نظام فالانكس قام بهذه المهمة. ولا شك أن هذا يمثل راحة لأولئك الذين يعتمدون عليه، في حالة فشل كل شيء آخر.