باتت كلفة العدوان على غزة موضع نقاش وانتقادات داخل إسرائيل، خاصة في ظل استمرارها في عدم تحقيق النتائج التي أعلنتها حكومة الاحتلال حتى الآن، وفقاً لمراقبين. وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الحرب في غزة تسبب تحديات وصعوبات لم يسبق لها مثيل في إسرائيل، مع تأزم وضع المجتمع الإسرائيلي، ورغبة جنود الاحتلال الاحتياط في العودة من ميدان الحرب، هذا بالإضافة لممارسة العالم لضغوط عديدة على الاحتلال جراء ما يرتكبه من مجازر في غزة، ناهيك عن تعرّض الاقتصاد الإسرائيلي لأزمة تلو الأخرى.
بعد مرور 4 أشهر على الحرب، يبدو أن تكلفة العدوان الإسرائيلي على القطاع بلغت 60 مليار دولار، ورغم ذلك لم تحقق بعد أهدافها المتمثلة في تصفية قادة المقاومة واستعادة الأسرى. فبعد جدولة كل جانب من جوانب الحرب حتى الآن، ووفقاً لتقرير محدث لـ"يديعوت أحرونوت"، فإن تكلفة الحرب الإسرائيلية بلغت بعد نحو 60 مليار دولار، وذكرت الصحيفة أن كل يوم يكلف الجيش نحو 272 مليون دولار، إذ يحصل كل جندي احتياطي على 82 دولاراً في اليوم، وقد بلغ إجمالي هذه المدفوعات وحدها 2.5 مليار دولار. وعلى الجبهة المدنية، بلغت التعويضات بالفعل عشرات المليارات، لكن هذه التعويضات بدأت تتضاءل مع تأقلم الجمهور الإسرائيلي تدريجياً مع "روتين الحرب". ومن المقرر أن تحصل الشركات التي انخفض دخلها بشكل كبير على تعويض قدره 2.7 مليار دولار لتلك الأشهر الثلاثة.
ومن الواضح، كما ترى الصحيفة، أن جزءاً كبيراً من الضرر قد لحق بالكيبوتسات المحيطة بالقطاع، حيث تكبدت تلك المجتمعات خسائر بالغة، تقدر أضرارها بحوالي 5.5 مليار دولار. والآن يتكرر الأمر نفسه في الشمال، مع حملة القصف المتواصلة التي يشنها حزب الله، حيث تبلغ الخسارة المالية ما يقرب من 1.6 مليار دولار.
يبدو أن تكلفة الحرب بالفعل أثقلت كاهل ميزانية دولة الاحتلال، ومن المتوقع أن يبلغ العجز حوالي 30 مليار دولار، الأمر الذي سيؤلم إسرائيل بشدة، إذ سيتطلب ذلك تخفيضات في الميزانية وزيادة الضرائب بما يصل إلى أكثر من 18 مليار دولار، وهو ما سيتم الشعور به بشدة من حيث نوعية الحياة وانخفاض الخدمات للجمهور الإسرائيلي بشكل عام، هذا بالإضافة إلى تكلفة إجلاء السكان من شمال إسرائيل وجنوبها، والذي يبلغ عددهم حوالي 125 ألف شخص، وستتطلب العناية بهم تكلفة وميزانية ستكلف حكومة الاحتلال المليارات.
أزمات داخلية
وبالطبع تمدد الضرر داخل الاحتلال في شتى النواحي، إذا جئنا لتعليم على سبيل المثال سنجد أن جودة التعليم في إسرائيل قد تعرضت لضرر بالغ، الذي كان قد تضرر بالفعل بعد جائحة كوفيد-19، وشعر الطلاب الإسرائيليون بآثار ذلك في انخفاض جودة التعليم وآثار العزلة الاجتماعية.
بالإضافة لذلك، تتفاقم أزمة ضباط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، إذ يمكن القول إن ثقتهم انخفضت في حكومة الاحتلال، فبنيامين نتنياهو الذي يهرب للأمام بحثاً عن أي نصر ينقذ به مسيرته، هو وحكومته يعانون من تخبط شديد وانعدام الرؤية، فيواصلون تقديم وعودٍ كاذبة لجنودهم بشأن الوقت الذي سيتمكنون فيه من إيقاف مجازرهم والعودة، حيث إن ديناميكيات الحرب تقضي على إمكانية التنبؤ بموعد انتهائها.
وقد ذكرت صحف إسرائيلية أنه حتى لو سمح للضباط بالعودة، فهي مسألة وقت قبل أن يتم استدعاؤهم مرةً أخرى، وربما هذه المرة سيتم نشرهم في الشمال لمواجهة حزب الله، أو في الضفة الغربية.
استنزاف إسرائيل لحلفائها الغربيين
ويبدو أن إسرائيل تستنزف حلفاءها، خاصة الولايات المتحدة، التي لا تزال الداعم الرئيسي لها. الصراع الطويل الأمد والمتطلبات المتزايدة للدعم العسكري والسياسي، إلى جانب الاختلافات في وجهات النظر ما يسلط الضوء على تعقيدات التحالف وتحديات استمراره دون تكلفة.
تصريحات بنيامين نتنياهو اليائسة والمتخبطه، ما زالت تشير إلى أنه مُصرّ على الذهاب إلى أبعد نقطة في الحرب، حتى لو كان ذلك يعني دفع المنطقة نحو حرب إقليمية، لمجرد الحفاظ على مكانته السياسية. يضغط قائد الاحتلال بشكل محموم على حلفائه الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، لتقديم الدعم في هذه المغامرة الخطيرة، متجاهلاً بذلك المصالح الحقيقية لحلفائه والعواقب المترتبة على توسيع رقعة الحرب.
ومع ذلك، فإن الواقع السياسي والاستراتيجي يتجه في اتجاه مختلف تماماً. فالولايات المتحدة وحلفاؤها، الذين يتعين عليهم التعامل مع محددات داخلية معقدة ومراقبة دقيقة من قبل قوى عالمية كبرى مثل الصين وروسيا، يجدون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، حيث يجبرون على التوازن بين الضغوط الإسرائيلية والحاجة لتجنب تصعيد لا يمكن السيطرة عليه لصالحهم.
إن تكلفة الحرب تتفاقم بشكل سريع مع كل يوم يمر، حيث يعاني حلفاء الاحتلال الغربيون من خسائر متزايدة وتورط أعمق. مقتل ثلاثة جنود أمريكيين والتوترات في البحر الأحمر هو مجرد مثال على التكلفة الباهظة والتداعيات السياسية الوخيمة التي قد تواجهها الولايات المتحدة، والتي تضعها في موقف حرج للغاية؛ فأي تقاعس عن الرد قد يُنظر إليه على أنه ضعف، بينما قد يؤدي رد فعل مبالغ فيه إلى توسع الحرب بشكل لا يمكن السيطرة عليها.
ومما لا يجعل كل شيء هادئاً على الجبهة الغربية، تواجه الإدارة الأمريكية أيضاً ضغوطاً داخلية غير مسبوقة. إذ تتراجع شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن بينما تشتعل المنافسة السياسية، إذ تلوح في الأفق احتمال عودة ترامب، تزيد من تعقيد موقف الإدارة الأمريكية من الحرب، إذ يُظهر الشباب الأمريكي اليوم، وهم الداعم الرئيسي للحزب الديمقراطي، موقفاً متزايداً مناهضاً لإسرائيل، ما قد ينذر بتحولات جوهرية في المستقبل بشأن الرؤية الأمريكية للقضية الفلسطينية بشكل عام.
وعلى الرغم من التحديات الجسيمة، يبدو أن قيادة الاحتلال، بقيادة بنيامين نتنياهو، مُصرّة على مواصلة سياساتها العدوانية. هذا الإصرار يأتي في الوقت الذي يزداد فيه الضغط الدولي والانتقادات الداخلية، ما يشير إلى حالة من الإنكار وعدم الاستعداد لمواجهة الواقع المؤلم. وبينما تستمر الحكومة في إصدار الوعود الكاذبة والمضللة، يتزايد الشعور بالإحباط والتذمر داخل الجيش والشارع الإسرائيلي.
من الواضح أن استمرار هذا المسار لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاستنزاف والضغوط للاحتلال، سواء داخلياً أو في علاقاته الخارجية. وفي النهاية، قد تجد إسرائيل نفسها في موقف لا تحسد عليه، حيث تكون الخسائر أكبر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.