تعتبر حرب القرم التي اندلعت في الفترة من عام 1853 إلى عام 1856 بين السلطنة العثمانية وروسيا القيصرية من أهم الحروب التي عرفها التاريخ، وذلك لحجم العتاد والرجال المشاركين فيها.
ورغم أن الحرب كانت أساساً نزاعاً بين الدول الكبرى في ذلك الوقت، فإن هناك مشاركة من بعض الدول العربية، التي كانت ولايات تابعة للدولة العثمانية في تلك الفترة مثل مصر وتونس، وقفت إلى جانب الدولة العثمانية، وكان لها دور غير مباشر في تلك الحرب، من خلال تقديم الدعم اللوجستي والتمويل للعثمانيين.
فما هي حرب القرم؟ ولماذا سُميت بهذا الاسم؟ وكيف بدّدت الدولة العثمانية أطماعَ الروس في جزيرة القرم؟ وكيف أسهم العرب في هذه الهزيمة بمساندتهم للدولة العثمانية؟
ما هي حرب القرم؟
سبب التسمية
سُميت حرب القرم بهذا الاسم نسبةً إلى جزيرة القرم، وهي من أهم الحروب التي خاضتها الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر.
أسباب اندلاع الحرب
بحسب موقع BRITANNICA دارت حرب القرم (أكتوبر/تشرين الأول 1853- فبراير/شباط 1856)، بشكل رئيسي في شبه جزيرة القرم بين الروس والبريطانيين والفرنسيين والأتراك العثمانيين، وكان سببها بشكل مباشر المطالب الروسية بممارسة الحماية على الرعايا الأرثوذكس التابعين للسلطان العثماني.
وكان العامل الرئيسي الآخر هو الخلاف بين روسيا وفرنسا حول امتيازات الكنائس الأرثوذكسية الروسية والكاثوليكية الرومانية في الأماكن المقدسة في فلسطين.
اندلاع الحرب
بدعم من بريطانيا، اتَّخذ الأتراك موقفاً حازماً ضد الروس، الذين احتلوا إمارات الدانوب (رومانيا الحديثة)، على الحدود الروسية التركية، في يوليو/تموز 1853.
وصدر أمر للأسطول البريطاني بالتوجه إلى القسطنطينية (إسطنبول)، في 23 سبتمبر/أيلول. وفي 4 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الأتراك الحرب على روسيا، وفي الشهر نفسه شنّوا هجوماً على الروس في إمارات الدانوب.
بعد أن دمر أسطول البحر الأسود الروسي سرباً تركياً في سينوب، على الجانب التركي من البحر الأسود، دخل الأسطولان البريطاني والفرنسي البحر الأسود، في 3 يناير/كانون الثاني 1854، لحماية وسائل النقل التركية.
وفي 28 مارس/آذار، أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على روسيا، قامت روسيا بإخلاء إمارات الدانوب واحتلتها النمسا في أغسطس/آب 1854.
العرب يدعمون الدولة العثمانية في حربها ضدّ القرم
طلب السلطان العثماني عبد المجيد الأول في ذلك الوقت من خديوي مصر عباس باشا الأول، والمشير أحمد باي بن مصطفى، باي تونس، تزويد الأتراك بالإمدادات العسكرية في حربهم ضدّ الروس، وقد استجاب الاثنان لطلب السلطان وقاموا بجمع جنودهم في إسطنبول- التي كانت العاصمة العثمانية في ذلك الحين- وفق ما أفاد به د. تومر، خبير شؤون الشرق الأوسط في جامع مرمرة بإسطنبول.
كما أسهمت منطقة الحجاز، التي تشمل مكة المكرمة والمدينة المنورة في تلك الفترة، في دعم الإمبراطورية العثمانية بشكل محدود، حيث كانت الحجاز جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وقدمت بعض الدعم اللوجستي والتضامن لصالح القوات العثمانية خلال الحرب.
بطولات الجيش المصري في الحرب
مصر تضمّ قواتها للدولة العثمانية
على إثر هجوم القيصر الروسي، نيكولاي الأول، على إمارتي الدانوب، تحرك السلطان العثماني بسرعة لتشكيل تحالف دولي ضد القوات الروسية.
وبطبيعة الحال قادة هذا التحالف كانوا من أصدقاء الإمبراطورية العثمانية، ومن بينهم عباس باشا الأول، والذي كان والياً لمصر في ذلك الوقت.
قدَّم عباس باشا دعماً فعّالاً من خلال إرسال أسطول بحري يتألف من 12 سفينة حربية وقوات برية تضم 20 ألف جندي و72 مدفعاً، بقيادة الأدميرال حسن باشا الإسكندراني والفريق سليم فتحي باشا، وفق موقع taylor francis.
شاركت القوات المصرية البرية في معارك عنيفة على ضفاف نهر الدانوب في أواخر عام 1853. وقبل مرور أقل من ستة أشهر، انضمت فرنسا وبريطانيا إلى تحالف تركيا ضد القوات الروسية، وانطلقت "حرب القرم" بشكل رسمي. خلال هذه الحرب شهدت معركة سباتسبول حصاراً طويلاً استمر لمدة عام كامل، حتى نجح التحالف في استعادة المدينة من الاحتلال الروسي الذي دام لمدة 80 سنة.
خلال حملة التحالف العثماني في حرب القرم تمكنوا من تحقيق انتصار ملحوظ في معركة ألما، التي وقعت في عام 1854. قاد الجيش الروسي في هذه المعركة الجنرال منتشيكوف، ولكن تمكنت قوات التحالف التي ضمت أتراكاً ومصريين وبريطانيين وفرنسيين بشكل خاص من تحقيق النجاح وإلحاق الهزيمة بالجيش الروسي.
مصر تخسر 2500 قتيل دفاعاً عن الدولة العثمانية
بعد هذا الانتصار، عاد الأسطول المصري إلى الأستانة، في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه. وفي طريق العودة غرقت بارجتان مصريتان في البحر الأسود، وكان ذلك سبباً في فقدان البحرية المصرية 1920 بحاراً، حيث نجا 130 فقط منهم، هذه المعركة والتحركات البحرية أثبتت دور قوات التحالف في صدّ الهجمات الروسية وتحقيق تقدم في الميدان.
جنود تونسيون في حرب القرم
الطريق إلى الباب العالي
أما تونس التي كانت ذات سيادة واستقلالية عن الدولة العثمانية في تلك الحقبة، فكانت تسعى للمشاركة في حرب القرم بهدف استعراض جيشها الجديد أمام الفرنسيين الذين احتلوا الجزائر في عام 1830.
كان الهدف من هذه المشاركة إظهار قدرات تونس في الردع والتأكيد على وجود جيش عصري قادر على الدفاع عنها في حال تصاعدت الأطماع الفرنسية تجاهها، وهو ما حدث عام 1881، حين وقّع الاحتلال الفرنسي عليها، بحسب موقع ABERFOYLE.
أحمد باي يلبي نداء السلطان العثماني
وبدأت المشاركة التونسية في الحرب في عهد المشير أحمد باي، في عام 1854، حيث استجاب الباي الحسيني لنداء الواجب نحو السلطنة العثمانية. بدأ في تجهيز الجيش بعد أن وصله فرمان من السلطان العثماني، في 17 نوفمبر 1853، يطلب فيه السلطان العثماني عبد المجيد الأوّل منه اتخاذ الإجراءات الضرورية لدعم الدولة العثمانية.
ورغم أن الجيش التونسي كان في تلك الفترة شاباً وقليل الخبرة، وكانت تونس تعاني من أزمة مالية، فإن أحمد باي قرر المغامرة وبدأ في تجميع العتاد والرجال، حيث يذكر المؤرخون التونسيون أنه باع المجوهرات الخاصة به، وحصل على القروض لتمويل جيوشه تلبيةً لنداء السلطان العثماني.
وصل الجيش التونسي إلى إسطنبول، في 14 سبتمبر/أيلول 1854، وكرَّمهم السلطان عبد المجيد الأول شخصياً. ثم قام أحمد باي بإرسال دفعة ثانية من الجيش، تتألف من 90 جندياً من المشاة و4 ضباط أركان حرب، و60 فارساً من الخيالة مع 8 ضباط، و26 فرداً من الفرقة المدفعية، في 2 مارس/آذار 1855.
وبحسب المصادر التاريخية لم يشهد أحمد باي نهاية الحرب ، حيث توفي قبل ذلك، وخلفه محمد باي، الذي قام بإرسال دعم إضافي للعساكر التونسية في عام 1831، حيث بعث 1831 رجلاً و594 رأس خيل و6000 مكحلة هديةً إلى خزنة الباب العالي، وكان ركوبهم البحر في حلق الوادي في 28 يونيو/حزيران 1855.
وبذلك يمكن القول إن العساكر التونسية شاركت في ثلاث دفعات، اثنتان منها في عهد أحمد باي، والثالثة في عهد محمد باي. وكان إجمالي العساكر التونسية المرسلة للدولة العثمانية 9503 بين جنود وضباط.
أثناء الحرب
كانت البعثة العسكرية التونسية تتواجد في مناطق نائية ذات ظروف طبيعية قاسية، مثل منطقة باطوم التي تقع على بُعد 800 كيلومتر عن إسطنبول.
أقامت العساكر في مناطق مختلفة من شبه جزيرة القرم، مثل باطوم، وشروكسوا، وساخوم، وطرابزان، حيث قاموا بأعمال متنوعة مثل تفريغ المؤن والأرزاق من المراكب، وجرها إلى أماكن التخزين، وتفريغ الفحم الحجري وجمع الحطب، وبناء مساكن العساكر والحصون.
وفق الروايات التاريخية أيضاً شارك الجيش التونسي في حماية الحدود العثمانية، خاصةً في الحدود الشمالية الشرقية للإمبراطورية العثمانية، كما تدخّل في بعض العمليات العسكرية المشتركة مع الجيش العثماني، وقد أعد قائد الجيش التونسي رشيد الخطة لهذه المشاركة بمشاركة ضباط تونسيين.
نهاية الحرب.. نصر تاريخي للدولة العثمانية على روسيا
انتهت الحرب معاهدة باريس، التي كانت بوابة كثير من التغيّرات السياسية على كل الدول التي شاركت بتلك الحرب.
وتم التوقيع على معاهدة الصلح في العام 1856، التي قضت بانسحاب جميع الأطراف إلى مواقعها قبل العام 1853، وكان ذلك أكبر نصر تحققه الدولة العثمانية على روسيا.
وبموجب معاهدة باريس، الموقَّعة في 30 مارس/آذار 1856، استُعيدت جنوب بيسارابيا ومصب نهر الدانوب إلى الدولة العثمانية. وتم وضع مولدافيا ووالاشيا وصربيا تحت ضمان دولي، بدلاً من الحماية الروسية السابقة. كما قام السلطان العثماني بالتعهد بحماية حقوق رعاياه المسيحيين.