كان يوم الإثنين 22 يناير/كانون الثاني 2024 هو اليوم الأكثر دموية بالنسبة لإسرائيل منذ بدء الاجتياح البري لغزة، بسبب عملية عسكرية مركبة للمقاومة الفلسطينية فجرت منزلين في مخيم المغازي خلال وجود مجموعة هندسية إسرائيلية بهما كانت تقوم بعملية تلغيم للمبنيين، فتحولت عملية إسرائيلية تهدف إلى إقامة حزام أمني على الحدود مع غزة إلى أكبر فخ وقع فيه جيش الاحتلال منذ بداية الحرب.
وسقط 24 جندياً إسرائيلياً، أمس الإثنين في غزة، من بينهم ثلاثة ضباط مظليين، قُتلوا في كمين بغرب خان يونس نصب من قبل المقاومة الفلسطينية، بينما 21 سقطوا في عملية النسف المركبة لمبنيين قرب مخيم المغازي في منطقة كانت توصف من قبل الاحتلال بأنها مؤمنة، ولا توجد فيها عناصر فلسطينية مسلحة.
تفاصيل عملية مخيم المغازي
كان لافتاً في عملية المغازي أنها وقعت على بعد نحو 600 متر من السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل؛ حيث يقع على الجانب الآخر من الحدود "كيبوتس كيسوفيم".
ويعتقد أن العملية أدت إلى سقوط عدد كبير من المصابين لا يعرف عددهم، كما أن هناك شكوكاً بأن بعضاً ممن قُتلوا سقطوا على يد القوات الإسرائيلية وفقاً لبروتوكول هانيبال، خوفاً من سقوطهم أسرى في يد مقاتلي كتائب عز الدين القسام.
وحسب الرواية الإسرائيلية، فإن جيش الاحتلال وجّه مجموعة هندسية لتفخيخ مبنيين في مخيم المغازي، في إطار عملية تدمير واسعة للمنازل على حدود غزة مع إسرائيل، بهدف خلق منطقة عازلة خالية من الوجود الفلسطيني.
ووضعت المجموعة الهندسية الإسرائيلية المتفجرات في المبنيين بحيث يتم تفجير جميع العبوات (الألغام الأرضية) في وقت واحد.
ولكن فجأة استهدفت المقاومة الفلسطينية أحد المباني بقذيفة "تي بي جيه" محمولة على الكتف، (أكثر قوة من الآر بي جيه")، حسب رواية المقاومة الفلسطينية، وعملت القذيفة كزناد إشعال؛ حيث أدت على ما يبدو لانفجار أحد الألغام الذي تسبب بدوره في انفجار واسع للمبنيين؛ مما أدى إلى مقتل 19 جندياً إسرائيلياً.
بعد ذلك قامت المقاومة الفلسطينية باستهداف دبابة إسرائيلية كانت مهمتها حماية الجنود بالمبنى وقتل بداخلها جنديان، (ليصل المجموع إلى 21 قتيلاً).
كما يبدو أن المقاومة الفلسطينية استهدفت محاولة الإنقاذ التي جرت من قبل الجيش الإسرائيلي التي سعت لجر الدبابة؛ مما دفع الاحتلال لتدمير الدبابة جواً، حسب رواية المقاومة الفلسطينية.
مخيم المغازي يفترض أنه منطقة مسيطر عليها منذ منتصف الشهر الماضي
وأصيب الإسرائيليون بصدمة ليس فقط، لضخامة عدد الضحايا، ولكن لأنها وقعت في منطقة قريبة من الحدود، ويفترض أنه تم القضاء على المقاومة فيها، كما أن مخيم المغازي الواقع بوسط قطاع غزة، هو مخيم صغير وتعرض لتدمير واسع النطاق على يد الاحتلال ومن أوائل المناطق التي سيطر عليها الاحتلال.
وتفيد تحقيقات إسرائيلية أولية بأن المقاومين الفلسطينيين، ظهروا من الحقول بشكل مفاجئ، واقتربوا من المنزل المفخخ حتى بضعة عشرات من الأمتار وأنهم تمكنوا من الفرار بعد إتمام العملية.
وذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الـ21 قتيلاً، جميعهم من قوات الاحتياط منهم 19 من لواء المشاة 261 واثنان من اللواء 205 مدرع الذي يعمل إلى جانبهم.
ويعمل جيش الاحتلال الإسرائيلي في المغازي منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول 2023. وهي منطقة يتمتع فيها الجيش الإسرائيلي "بالسيطرة العملياتية"، بعد طرد جميع السكان تقريباً ومقتل أو جرح معظم مقاتلي حماس المتبقين، حسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وركز فريق اللواء القتالي الإسرائيلي العامل في مخيم المغازي على أعمال هدم المباني والأنفاق.
لكن الواقع مختلف
وأثارت العملية جدلاً، حول سبب استخدام المتفجرات في تدمير المباني بدلاً من القصف الجوي، ودافع الجيش الإسرائيلي عن موقفه، بالإشارة إلى أن التلغيم أكثر تأثيراً من القصف الجوي لأنه يدمر فوهات الأنفاق، ويمحو المباني بالكامل.
وليست هذه أول مرة يُقتل إسرائيليون نتيجة متفجرات زرعوها. ففي 8 يناير/كانون الثاني، قُتل ستة جنود في انفجار آخر سابق لأوانه، بمتفجرات كانت تهدف إلى تدمير نفق أسفل معسكر البريج، الذي يقع أيضاً على بُعد بضع مئات من الأمتار من الحدود.
ولكن هذه العملية أكبر بكثير، إضافة إلى أن انفجار الألغام جاء بسبب هجوم ناجح لحماس، فرّ في أعقابه المقاومون دون خسائر بشرية على ما يبدو.
وتثير العملية تساؤلات حول كيف تسلل المقاومون الفلسطينيون لهذه المنطقة المسطحة نسبياً، وقريبة من الحدود ويفترض أنها مؤمنة.
وتشير صحيفة هآرتس إلى أن الجيش الإسرائيلي قد سيطر بالفعل على المنطقة، لكن السيطرة العملياتية لا تعني عدم وجود مجموعات من مقاتلي حماس في المنطقة قادرة على نصب الكمائن، أو أن أعمال الهدم يمكن أن تستمر كما لو كانت مجرد مشروع هندسة مدنية عادية، كما فعلت الوحدة الهندسية الإسرائيلية.
وقال موقع "والا" الإسرائيلي إن جنود الاحتلال في الميدان يؤكدون أن القتال قرب السياج الأمني شرقي قطاع غزة يدور بشكل يومي، رغم أن الجمهور الإسرائيلي يعتقد أنه لم يعد هناك مقاتلون فلسطينيون في تلك المنطقة.
إسرائيل تسعى لخلق منطقة عازلة بعمق 1000 متر
كما يؤشر موقع العملية إلى أن آمال سكان مستوطنات غلاف غزة في العودة قريباً، تبدو غير واقعية، وهو الهدف التي تستخدمه قوات الاحتلال كمبرر لتدمير مساحات واسعة من القطاع لخلق منطقة عازلة، لحماية مستوطنات غلاف غزة، رغم أن تجربة إقامة حزام أمني في جنوب لبنان، خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي، أثبتت فشلها، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
إضافة إلى أن حماس والجهاد، وغيرهما من فصائل المقاومة، لديها صواريخ وقذائف هاون تستطيع الوصول لغلاف غزة من أي منطقة بالقطاع.
وكانت صحيفة هآرتس قد لفتت إلى أن هناك حديثاً بين جنود وضباط الاحتلال يدور عن خلق منطقة عازلة على الحدود مع غزة بعرض 1000 متر من الحدود مع إسرائيل، خاصة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة وبلدة بيت حانون الواقعة إلى الشمال الشرقي منها.
كان هذا الهدف واضحاً منذ المراحل الأولى من الحرب، رغم تعهد الإسرائيليين للأمريكيين بعكس ذلك.
وقد سوّت الغارات الإسرائيلية جميع الشوارع القريبة من الحدود بالأرض، وتواصل الأمر أثناء الهجوم البري بقذائف الدبابات والمتفجرات التي زرعها مهندسو جيش الاحتلال.
وقال ضباط مشاركون في العمليات إن الهدف من هذه العملية هو السماح للسكان الإسرائيليين في البلدات الحدودية لغزة بالعودة إلى منازلهم بعد تهجيرهم في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ويزعمون أن تدمير المباني القريبة من الحدود يخدم عدداً من الأغراض. منها أنه لن يكون لحماس والمنظمات الفلسطينية الأخرى مواقع إطلاق نار أو مراقبة على خط رؤية مباشر في القواعد والمجتمعات الإسرائيلية القريبة من الحدود. وستكون المنطقة العازلة أيضاً بمثابة منطقة انطلاق متقدمة لغارات جيش الدفاع الإسرائيلي في عمق غزة.
حماس تهزم المنطقة العازلة قبل إنشائها
ولكن ما عُرف من تفاصيل عملية مخيم المغازي يثبت فشل مقاربة الجيش الإسرائيلي؛ إذ استطاع المقاومون التسلل رغم وجود القوات الإسرائيلية، ولا يُعرف حتى الآن هل جاءوا عبر نفق، أم عبر ركام المنازل.
وبينما يعني تدمير المباني في المناطق العازلة أن العديد من الأنفاق والممرات التي كانت موجودة هناك قد دمرت أو أن مداخلها قد طمرت، ستظل هناك أنفاق لم يكتشفها الجيش الإسرائيلي، ويمكن استخدامها للعمل من أسفل المنطقة العازلة، حسب صحيفة هآرتس.
ويتكرر الأمر في شمال قطاع غزة، فبينما تحدثت إسرائيل مراراً عن السيطرة على شمال غزة، فإنه سرعان ما يشبك المقاومون مع الاحتلال في هذه المناطق أو يطلقون صواريخ على إسرائيل منها.
وتظهر عملية مخيم المغازي والعمليات الأخرى التي تمت في الشمال، حقيقة استمرار الوجود الفعال للمقاومة الفلسطينية في المناطق التي يفترض أن إسرائيل سيطرت عليها، وهو وجود يبدو أنه يتخفى داخل شبكة الأنفاق الواسعة التي يقول قادة الجيش الإسرائيلي في تسريبات إعلامية إنها تبدو أكبر من تصوراتهم، خاصة في جنوب غزة.
ويبدو من الوضع الحالي أن الجيش الإسرائيلي قد دخل في عملية عسكرية عبثية، كما بدأ يحذر محللون إسرائيليون؛ حيث يعلن عن السيطرة على مناطق، بينما يختبئ المقاومون فيها ويختارون الموعد والمكان المناسب لهم للهجوم، في حين أن محاولة تتبعهم في الأنفاق أو المنازل مستحيلة أو قد تتحول لأفخاخ للإسرائيليين.
ولذا طالب قادة إسرائيليون في حديث مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، بضرورة تركيز جيش الاحتلال على إحكام السيطرة على المناطق التي احتلها بدلاً من من احتلال مناطق جديدة.