من اصطياد الماموث إلى استدراج الجنود الإسرائيليين.. ماذا تعرف عن تاريخ الكمائن العسكرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/23 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/23 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
كمين القسام لقوة عسكرية للاحتلال / مواقع التواصل الاجتماعي

هناك العديد من الكمائن العسكرية التي نصبتها المقاومة للجنود الإسرائيليين، آخرها في خان يونس والمغازي، هي ضمن تاريخ طويل وخبرة بشرية تطورت عبر القرون، إذ بدأت كوسيلة لصيد الحيوانات ثم استخدمها الإنسان في الحروب ضد بني جنسه.

الإنسان والماموث.. أول من استخدم الكمائن

في سهول ووديان أوروبا وقف إنسان نياندرتال ومن بعده الإنسان الحديث يتفحص المكان ليبني كوخاً كما اعتاد أجداده في الجبال، يقيهم زمهرير البرد وقيظ الشمس، فرأى هيكلاً عظمياً يعود إلى "ماموث صوفي" فلجأ إليه وسكنه، ملقياً على قفصه الصدري الجلود.. اختمرت الفكرة في رأسه وقرر أن يستخدم الهيكل العظمي في بناء الكوخ فوضع العظام الكبيرة في القاعدة، وشيد الكوخ وجعل من النابين باباً له.

تطور الأمر أكثر وأصبحت هناك حاجة لإنسان الكهف الذي كان يشق طريقه للحضارة بأن يصطاد الماموث، وبما أن الماموث حيوانٌ عملاق ولا يستطيع اصطياده بمناورة كما كان يفعل مع الغزال أو الوعل أو الأرانب والظباء، فقرر أن يخترع الأفخاخ. 

معتمداً على التخفي، وبأبسط الإمكانات وبأقل خسائر في الأرواح، فلا يحتاج لأن يعرض حياته وحياة القبيلة للخطر، فقط التفكير والتأني وصناعة الفخ بدأب حتى  يسقط العملاق فيه، فأجهز عليه، وهكذا يعتبر كمين الماموث هو سلف الكمائن العسكرية.

تعتبر الكمائن أقدم استراتيجية حربية ابتكرها الإنسان منذ أكثر من 40 ألف عام، وهذا التكتيك العملياتي موجود في جميع الصراعات والحروب حتى يومنا هذا، بل وتتطور وتأخذ أشكالاً مختلفة بحسب الأدوات والأسلحة وتطورها.

ما هي الكمائن العسكرية أو الفخ العسكري؟

وتعريف الكمين أنه هجوم مفاجئ من موقع مخفي على هدف متحرك أو متوقف مؤقتاً، وله تكتيكات، إما تكتيك استدراج دفاعي أو استدراج هجومي، أو التفاف مباغت، أو تمويه، أو خرق استخباري، ويوظف الكمين الطبيعة كما يطوع الأسلحة وقد يحيدها، فمثلاً يحيد سلاح الطيران تحت الأرض كما في حرب غزة.

الكمين محدد بشكل مسبق، لذا يجب فيه الإعداد العميق، والتخطيط لصناعة الفخ حتى إيهام العدو واستدراجه، وطمأنته بأن الأمور تسير في صالحه ثم الانقضاض عليه، كما أنه يعتمد على العمل الاستخباري المعمق، ففي حالة الفيديو المنشور لجنود القسام وهم يستدرجون قوة من 6 أفراد، كانت هناك قوة استطلاعية سبقتهم، ومتابعة للكاميرات، والتحكم عن بعد، كل ذلك بمثابة العمل الاستخباري، بالإضافة للتحكم والتخطيط.

ويختلف الكمين أو الفخ عن الهجوم المباغت بأن أساسه التخفي وإعطاء العدو الطمأنينة واستدراجه، أو تشتيت انتباهه بتهديد وهمي ثم الانقضاض عليه من طرف آخر، وهو أبرز أنواع الخداع الاستراتيجي في الحروب. وهناك نوعان من الكمائن: متسرع، عندما تصادف وحدة دورية عدواً دون أن يتم اكتشافها ويكون لديها الوقت الكافي لنصب كمين. يقول الرقيب الأمريكي كريستيان إيميج: "ليس لديك الكثير من الوقت للتخطيط أو الجلوس… فعادةً ما يكون الأمر شيئاً تتدرب عليه، حتى يعرف الأفراد ما يفعلونه بشكل سريع وتلقائي".

متعمد، وهو هجوم مخطط بدقة في موقع محدد مسبقاً ضد قوة معادية تفي بمعايير الاشتباك الخاصة بالقائد. يقول إيميج: "إنه شيء يتم تنفيذه قبل أن يتحرك العدو بوقت طويل". يبدو مفهوم الكمين بدائياً وبدهياً، يعد الكمين أحد المناورات الاستراتيجية الأولى التي يتعلمها الجنود أثناء التدريب، وهو ما أظهرته المواد الفيلمية للمقاومة في غزة؛ أن هناك تدريباً على تلك التكتيكات.

صناعة الكمائن العسكرية

الكمائن العسكرية تختلف حسب تصنيفاتها: أولها: الفئات التي ينتمي إليها، هل هو كمين نقطة أم كمين منطقة؟ فكمين النقطة يعتمد التركيز على إيقاع عدد من القتلى من العدو في نقطة واحدة، ويهدف ذلك لعملية استنزاف. 

يخضع فيديو حماس لكمين النقطة، أما الفئة الأخرى فهي المنطقة، وتقتضي نشر وحدة في أكثر من كمين، وضرب جيش العدو لإيقاع أكبر عدد ممكن في نطاق واسع، ويهدف لشن هجوم واسع ولزيادة التكلفة على العدو، أشهرها في العصر الحديث هجوم التيت في فيتنام.

ثانياً: تشكيلات الكمين الخطي: يتموضع المهاجمون بشكل موازٍ لطريق العدو، وغالباً ما يتم نشر هذا الكمين في منطقة مفتوحة لإبقاء العدو في منطقة القتل. 

نحدد موقعاً مناسباً بناءً على التضاريس والغطاء والإخفاء. هل لدينا حقول جيدة لإطلاق النار؟ هل هي كثيفة الأشجار أم متناثرة جداً؟ هل لدينا غطاء؟ هل لدينا أي طريق للهروب إذا تم اختراقه؟ إن إنشاء مواقع لإطلاق نيران فعالة على منطقة القتل يظل الأولوية القصوى.

إيميج – خبير عسكري

أما الثاني فهو الكمين على شكل حرف "L" الإنجليزي، حيث يضع المهاجمون أنفسهم على شكل حرف L مع مجموعة هجومية موازية لاتجاه تحرك العدو، ومجموعة دعم تشكل نقطة ضغط، وهذا الكمين مفيد بشكل خاص عند المنعطف الحاد في الممر أو الطريق.

ثالثاً: نوعية الاستدراج، فإن كان هجومياً مثل استدراج أو دفع جيش العدو إلى منطقة جبلية؛ تبيت له فيها جنود بالسهام أو بأسلحة دفاعات وقد نشرتها على مرتفعات تلك الجبال، لتوجيه ضربة للعدو، أو استدراج دفاعي بأن تسحب الغازي إلى فخ أعدَّته مسبقاً، كما هو الحال في استدراج قوة جيش الاحتلال إلى فوهة النفق.

كمين القسام لقوة عسكرية للاحتلال / مواقع التواصل الاجتماعي

رابعاً: التخطيط لكل كمين متعمد لإطلاق أكبر قدر من القوة النارية ضد العدو،و تبدأ هذه العملية برمتها بما يسمى تحليل التضاريس، حيث يحدد القادة أفضل منطقة لتنفيذ الهجوم، لا يتضمن ذلك العثور على موقع الكمين نفسه فحسب، بل يتضمن أيضاً العثور على منطقة القتل والمواقع الأمنية ونقاط التجمع.

خامساً: الموقع، وينجح الكمين بصورة كبيرة في اختيار الموقع الصحيح؛ سيكون للموقع نفسه مواقع محددة مسبقاً، حيث ستتمركز فرق الدعم والهجوم والأمن لتكون قادرة على إطلاق أكبر قدر من القوة النارية. ويكون المكان المثالي للكمين:

– يتمتع موقع الكمين بإتاحة استخدام النيران في منطقة القتل.

– لديه عائق وقائي يحمي من يستدرجون العدو.

– يتمتع بإخفاء جيد.

– يوحي بالاطمئنان للعدو ولا يشعره بالريبة والشك.

– توجد به نقطة انسحاب مخفية للقوات التي نصبته.

– يعزل المجموعة التي يوقع بها عن بقية جيش العدو ليصعب القيام بهجوم جانبي مباغت.

معرفة الخطة لجميع المشتركين والتنسيق بينهم يجعل الكمين محكماً، كذلك استخدام أجهزة مشفرة وعدم استخدام الصوت البشري، ويفضل استخدام التلويح بالأيدي والإشارة، فكلما كان الأمر هادئاً كان مباغتاً وقوياً. ويكون للكمين بؤرة من دخلها قتل، كأن نقول إن فوهة النفق حتى 3 أمتار هي بؤرة القتل، فنترك القوة تتوغل هذه الأمتار حتى تقع في البؤرة.

الكمائن العسكرية في التاريخ القديم

أحد الأمثلة على الكمائن العسكرية من العصور القديمة معركة نهر تريبيا 218 قبل الميلاد، حيث عسكر حنبعل على مسافة قريبة من الرومان وبينهما نهر تريبيا، ووضع قوة قوية من سلاح الفرسان والمشاة في الخفاء بالقرب من منطقة المعركة، إذ كان يوجد "مكان بين المعسكرين، مسطح وخالٍ من الأشجار، ومهيأ جيداً للكمين، حيث كان يجتازه مجرى مائي بضفاف شديدة الانحدار، ومكتظ بكثافة بالنباتات الشائكة، وهنا اقترح وضع حيلة لمفاجأة العدو".

عندما أصبح المشاة الرومانيون متشابكين في القتال مع جيش حنبعل، هاجمت قوة الكمين المخفية المشاة الرومانية في مؤخرة الجيش، وكانت النتيجة مذبحة وهزيمة للرومان؛ إذ قتل أكثر من 26 ألف جندي روماني مقابل 4 إلى 5 آلاف من قوات حنبعل. ومع ذلك، فإن المعركة تظهر أيضاً آثار الانضباط التكتيكي الجيد من جانب القوة التي تعرضت للكمين.

أما الكمين الأكثر شهرة في الحرب القديمة هو الكمين الذي نصبه القائد الحربي الجرماني أرمينيوس ضد الرومان في معركة غابة تويتوبورغ سنة 9 للميلاد، أثّر هذا الكمين على مسار التاريخ الغربي، إذ كانت روما تتوسع في وسط وشمال أوروبا، وأدى الكمين الذي خسر فيه الرومان 3 فيالق كاملة و6 كتائب مشاة و3 أجنحة فرسان، وتوقف الرومان عن غزو مناطق الجرمان وجعل حدودهم بنهر الدانوب.

الكمائن العسكرية – معركة غابة تويتوبورغ

أظهرت القوات الجرمانية القدرة على نصب كمين ناجح، لقد اختبأوا في تضاريس الغابات الصعبة، ما أتاح للمحاربين الوقت والمساحة للتجمع دون اكتشافهم مع عنصر المفاجأة، هطلت الأمطار باكراً في اليوم الثاني من مارس/آذار، سارت الفيالق الرومانية إلى الأمام في الوحلِ يقاتلون الأمطار والرياح العاتية، استمر مسيرهم حتى دخلوا ممراً ضيقاً يقسم غابة تويتوبورغ، لم ير الرومان المطمئنون الفخ الذي تم نصبه لهم بعناية وساروا نحوه.

هوجم الرومان من جميع الاتجاهات بالسهام، ووقعت الفيالق في تخبط، وتشجع الجرمان على التقدم أكثر وسحقوا جزءاً من الطابور الروماني تحت وابل كبير من السهام، لم يتوانَ الألمان في ساعة القرار، بل هاجموا بسرعة، مستخدمين سلسلة هائلة من الهجمات القصيرة والسريعة والشرسة على طول الخط الروماني بأكمله.

أدت المعركة لإيقاف روما وحفزت الجرمان لاجتياحها فيما بعد، وهو الحدث الأبرز في تاريخ العالم الغربي القديم، والمستمر حتى يومنا هذا، إذ صنع التوتر بين اللاتين والجرمان، أي بين الكاثوليك والبروتستانت فيما بعد، وهو ما كان باعثاً للعديد من الحروب في العصر الحديث.

في تلك الأثناء أسرع ماريون بفرسانه إلى الأمام لإغراء فريزر بالدخول في فخ باتريوت المنتظر، نجحت المناورة. أمر فريزر رجاله بالهجوم، وأصابت 3 وابلات متتالية من نيران البنادق من قبل الأمريكان صفوف سلاح الفرسان البريطاني، لكن مع نقص الذخيرة عند الأمريكان أنقذ البريطانيين الذين فقدوا نصف قوتهم في الكمين، أصيب فريزر 3 مرات أثناء الاشتباك، لكنه تمكن من الاستمرار في قيادة جيشه.

الكمائن العسكرية في حروب الاستقلال الوطني

في حرب الاستقلال الأمريكية في 13 أغسطس/آب 1781، استدرجت قوات الاستقلال الأمريكية "باتريوت" بقيادة العقيد ويليام هاردن والعميد فرانسيس ماريون المعروف باسم "ثعلب المستنقع" الذي حصل على لقبه لقدرته على "التفوق" على خصومه في مستنقعات ولاية كارولينا الجنوبية. وقد كان القائد البريطاني هو الرائد توماس فريزر، على بعد 48 كيلومتراً شمال غرب تشارلستون في كارولينا الجنوبية أبحر 3000 جندي مع الأسطول الفرنسي في طريقهم لمساعدة جيش باتريوت الأمريكي ضد البريطانيين.

مذبحة جيش إلفنستون في أفغانستان- تاريخ الكمائن العسكرية

بينما اختبر ماريون وفريزر قدرتيهما على القتال في كارولينا الجنوبية، احتفل جورج واشنطن بحسن حظ الوطنيين، وتعتبر تلك المعارك التي تخللها نصب الكمائن، منهية فعلياً حرب الاستقلال.

حماس تنصب الكمائن العسكرية لجيش الاحتلال

 نفذت المقاومة في غزة العديد من الكمائن العسكرية، ففي أحد المواد الفيلمية التي نشرتها المقاومة في غزة، يظهر تخطيط مقاوم لاستدراج قوة لجيش الاحتلال مكونة من 6 أشخاص و3 كلاب مدربة، وطائرة كوادكوبتر ترافقهم، كان هناك مقاومون موجودون في النفق، إذ كان يوجههم المخطط من خلف الشاشات التي تنقل ما يحدث عند فوهة النفق، لحظات ويفجر المقاومون القوة بعد أن حاولت دخول النفق، ليكون أحد أبرز الكمائن العسكرية التي صورت ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وبالتدقيق سنجد أن الفخ الذي صنعته حماس في أحد الكمائن عند فوهة النفق يحقق جميع الشروط للكمين العسكري المحكم، إذ يعتبر كمين نقطة متعمداً، بالإضافة لكونه استدراجاً دفاعياً، ويوجد تخطيط عالٍ كما يتضح من التحكم والمراقبة من خلال الشاشة، وحقق الموقع كل شروط الكمين المثالي، أضف إلى ذلك القدرة الفائقة على عزل المجموعة العسكرية باحترافية قائمة على الإيهام والتمويه.

تحميل المزيد