كشف تحقيق أجرته صحيفة The Guardian البريطانية أن موظفين عاملين بالأمم المتحدة في العراق طالبوا برشى مقابل مساعدة رجال أعمال في الفوز بعطاءات وعقود في مشروعات إعادة الإعمار بعد الحرب في البلاد إثر غزو قوات التحالف بقيادة أمريكا، وسقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003.
الصحيفة أوضحت في تقرير لها، الإثنين 22 يناير/كانون الثاني 2024، أن الأمر لم يقتصر على هذه "العمولات"، وكشف التحقيق عن عدد من ادعاءات الفساد وسوء الإدارة في "مرفق التمويل لتحقيق الاستقرار" (FFS) التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي أُعلن عن إنشائه في عام 2015 بتمويلٍ بلغت قيمته 1.5 مليار دولار، وقدمته 30 جهة دولية مانحة، منها بريطانيا.
على الرغم من أن المجتمع الدولي يقول إنه ضخ مليارات الدولارات في العراق منذ الاحتلال الأمريكي في عام 2003، فلا يزال البلد يعاني تردي الخدمات وضعف البنية التحتية، وقد وُصِف الفساد والعمولات على أنها "شريان حياة السياسة في العراق".
بسبب ذلك، تقول الأمم المتحدة في العراق إنها تنفذ مشروعاتها هناك بطريقة مباشرة، وتزعم أنها أكثر نزاهة من المؤسسات المحلية. وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للصحيفة إن لديه "آليات داخلية تمنع الفساد وسوء الإدارة وتكشفهما، وإنه يعتمد على إجراءات محاسبة قوية وضوابط داخلية صارمة".
تقوية ثقافة الرشوة في العراق
إلا أن مقابلات أجرتها صحيفة "الغارديان" مع أكثر من 20 من موظفي الأمم المتحدة الحاليين والسابقين، والمقاولين، والمسؤولين العراقيين والغربيين، تشير إلى أن الأمم المتحدة أسهمت في تقوية ثقافة الرشوة التي تغلغلت في المجتمع العراقي منذ الإطاحة بصدام حسين في عام 2003.
إذ قال 3 موظفين و4 مقاولين ممن تحدثت إليهم الصحيفة إن موظفي برنامج الأمم المتحدة في العراق طالبوا برشى تصل إلى 15% من قيمة عقود المشروعات التابعة للبرنامج في العراق. وفي المقابل، يساعد موظف الأمم المتحدة المقاولَ على تجاوز العقبات في منظومة العطاءات المعقدة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لضمان اجتياز عملية التدقيق.
كما قال أحد المقاولين الذين أخبروا صحيفة "الغارديان" بأن موظفي برنامج الأمم المتحدة في العراق اتصلوا بهم مطالبين برشى، إنه "لا يمكن لأحد أن يحصل على عقد إلا إذا دفع. فلا شيء في هذا البلد يمكن للمرء الحصول عليه من غير أن يدفع، سواء في مشروعات الحكومة، أم في مشروعات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي".
فيما قال أحد موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن الصفقات تُعقد شخصياً ولا تسجل في وثائق لتجنب اكتشافها، ويتولى عراقيون ذوو نفوذ ضمان الاتفاقات في بعض الأحيان، و"يأخذ الطرف الثالث أيضاً حصة من الرشوة"، ويحرص المقاولون على "اختيار الوسطاء من ذوي العلاقات والسلطة".
تورط مسؤولين حكوميين عراقيين
كشفت تحقيقات "الغارديان" كذلك أن المسؤولين الحكوميين الذين عهد إليهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالإشراف على مشروعات البناء يحصلون على حصة من الرشى أيضاً.
حيث قال مقاولون وموظفون ببرنامج الأمم المتحدة في العراق ممن أشرفوا على المشروعات إن هؤلاء المسؤولين استخدموا سلطتهم "لابتزاز" الرشى من الشركات مقابل الاتفاق الكامل معهم على المشروعات. وقال اثنان من المقاولين لصحيفة الغارديان إنهما اضطرا إلى دفع عمولات كهذه.
في المقابل، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيان لصحيفة الغارديان إنه يتعامل بجديةٍ مع مزاعم الفساد والاتهامات بغياب النزاهة، ولا يتسامح أبداً مع الاحتيال والفساد.
الوكالة التابعة للأمم المتحدة قالت: "تسرى هذه السياسة على موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وغيرهم من الموظفين العاملين بهذه المشروعات والبائعين والشركاء المنفذين والأطراف المسؤولة في المشروعات التي يشارك فيها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي".
أضافت الوكالة التابعة للأمم المتحدة: "يستقصي البرنامج أي ادعاء بالرشوة أو الفساد أو الاحتيال، وإذا اقتضت الضرورة يتولى التحقيق في الادعاءات مكتب التدقيق والتحقيق المستقل التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي".
تحقيق برنامج الأمم المتحدة في العراق
من جهة أخرى، كشف التحقيق أن برنامج الأمم المتحدة في العراق أهدر حصة من الأموال المخصصة له في الإنفاق على عمالة زائدة على الحاجة ومصاريف عامة ضخمة لتسيير الأعمال، ومع ذلك قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه حصَّل تكاليف غير مباشرة بمقتضى لوائحه وقواعده المالية ومتطلبات مجلسه التنفيذي.
كما يزعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بياناته أنه نجح في تحسين معيشة 8.9 مليون عراقي، أي خُمس سكان البلاد. إلا أن زيارة صحيفة "الغارديان" لمواقع المشروعات تشير إلى أن البرنامج ربما بالغ في بعض هذه البيانات.