تربط الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل علاقة استراتيجية قوية منذ قيام إسرائيل عام 1948، إذ لعبت الولايات المتحدة دوراً محورياً كحليف. وعلى الرغم من خلافاتها، تمكنت الاثنتان من تجنب القطيعة، ما يبرز مدى قوة التحالف بينهما.
وكانت واشنطن من أوائل الدول التي اعترفت بقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، ما فتح الباب أمام تحالف طويل الأمد. ومع ذلك، شابت هذه العلاقة العديد من الأزمات وتعارض المصالح، وكان من أبرزها أزمة السويس التي حدثت عام 1956، عندما شاركت إسرائيل إلى جانب بريطانيا وفرنسا في حملة عسكرية ضد مصر، استولت إسرائيل في هذه الحملة على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة.
لم يعجب ذلك حينها الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، وإدارته، وأعربوا عن استيائهم من هذه الخطوة، إذ كانت الولايات المتحدة تخشى من تأثير هذا العمل على العلاقات مع الدول العربية، وكذلك من احتمال تزايد النفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة، ما دفع أيزنهاور آنذاك إلى تهديد إسرائيل بتعليق الدعم المالي لها، إضافة إلى ذلك قام بممارسة ضغوط دبلوماسية أخرى لإجبار إسرائيل على الانسحاب من المناطق التي استولت عليها. في النهاية، رضخت إسرائيل لهذه الضغوط.
هذا الحدث يعكس التعقيدات والتحديات في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، ويظهر أنه على الرغم من الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل، فإن هناك أوقاتاً كانت فيها المصالح الأمريكية تتطلب اتخاذ مواقف مختلفة، بسبب قلقها على مصالحها وعلاقاتها مع الدول العربية التي كانت مواقفها واضحة من الاحتلال الإسرائيلي مقارنة باليوم.
وعلى مدى العقود الأخيرة، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل منعطفات كثيرة لكنها لم تثنِ واشنطن إطلاقاً عن دعمها لإسرائيل، ففي عام 1975، هدد الرئيس جيرالد فورد بإعادة تقييم هذه العلاقات إذا لم توافق إسرائيل على خطة فك الارتباط مع مصر، ما يؤدي إلى انسحاب إسرائيل الجزئي من سيناء. أما في عام 1981 فقد أدانت الولايات المتحدة قصف إسرائيل مفاعل أوزيراك النووي العراقي، ما سلط الضوء على فترة معقدة خلال الحرب الإيرانية العراقية. وفي عام 1990، أعرب وزير الخارجية جيمس بيكر، عن إحباطه إزاء التقدم البطيء الذي أحرزته إسرائيل في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. وقد اعترف الرئيس جورج دبليو بوش، في رسالة أرسلها عام 2004 إلى رئيس الوزراء أرييل شارون، بتعقيدات العودة إلى خطوط هدنة عام 1949 في ضوء التعنت الإسرائيلي وزيادة المستوطنات بالضفة الغربية. أما في عهد الرئيس باراك أوباما، فنشأت التوترات بشأن المستوطنات الإسرائيلية والاتفاق النووي الإيراني، على النقيض من الموقف الأكثر إيجابية للرئيس دونالد ترامب تجاه السياسات الإسرائيلية، والذي يتضح من خطوات مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وقطع المساعدات عن الأونروا في عام 2018.
واليوم خلال عدوان الاحتلال الغاشم على غزة، تعود بعض التوترات بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل، وذلك على خلفية رفض الأخير بعض المطالب الأمريكية التي تأتي لا حباً في الفلسطينيين، بل نتيجة لتزايد الدعم الشعبي الأمريكي للفلسطينيين، إذ يتزامن قيام إسرائيل بمذابح في غزة اليوم مع بدء الحملة الانتخابية الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام.
فمنذ بدء حرب إسرائيل على غزة، تزايد الاستياء الأمريكي وسط أرض خصبة جيوسياسياً نتيجة اتهام الإبادة الجماعية من جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، ناهيك عن تهرُّب نتنياهو المستمر من خطط "حوكمة غزة" بعد الحرب وتجاهله للمصالح الأمريكية. ولم يتحدث بايدن مع نتنياهو منذ 22 يوماً، في أعقاب المكالمة الهاتفية التي انتهت بإعلانٍ فظّ من الأول قال فيه إن "هذه المكالمة انتهت"، ثم اعترافه أمام أنصاره في حدثٍ خاص ببوسطن أنه "يعرف تصرفات نتنياهو ونواياه".
مع ذلك، لا يمكن تغافلنا عن تأكيد إدارة بايدن الدائم على أهميه دعم إسرائيل على مختلف الأصعدة، خاصة خلال العدوان المستمر على غزة ما يؤكد على طبيعة العلاقة بين الطرفين رغم التناقضات الثانوية التي لا تؤثر على الطابع الاستراتيجي للعلاقات الأمريكية-الإسرائيلية. فلطالما لعبت إسرائيل دوراً حيوياً في تعزيز المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط، كما أكدت ذلك الإدارات الأمريكية المتعاقبة وضمنها إدارة بايدن.
كما تميزت العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية بالتعاون المكثف في المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية والدبلوماسية. وقد تجلى ذلك في الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل في المحافل الدولية، وضمن ذلك استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرارات تدين الأعمال العدوانية والتعسفية لإسرائيل ومجازرها ضد الشعب الفلسطيني. وهذا ما برز بشكل واضح في استخدام إدارة بايدن الفيتو ضد مشاريع القرارات التي تهدف إلى وقف المجازر في قطاع غزة والضفة الغربية، لذلك يجب فهم أن الضغوطات الأمريكية على الاحتلال الإسرائيلي لا تأتي إلا عندما يزداد الضغط على واشنطن بمختلف إداراتها وتعريض مصالحها في المنطقة للخطر و التهديد تحت ضغط شعبي أو دولي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.