كيف تهدد البلطجة الأمريكية أمن العالم ورفاهيته؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/17 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/17 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن/ رويترز

تزخر المؤسسات البحثية والصحف العالمية بتناول التحليلات، التي تحذر من  التهديدات التي تشكلها هجمات الحوثيين في اليمن على البحر الأحمر، أحد أهم طرق العبور للتجارة العالمية، وتستفيض في شرح المخاطر الجيوسياسية التي تهدد أمن هذه المنطقة، ثم تأخذ في شرح وتفكيك الأبعاد الاقتصادية والعسكرية لهجمات الحوثيين على أمن البحر الأحمر، من ثم تبدأ في توضيح مسألة الأمن الاقتصادي على الطرق البديلة لشركات الشحن الدولية، والتكاليف التي يتحملها الاقتصاد العالمي، وأقساط مخاطر التأمين، وفي نهاية المطاف ربما تذهب لاقتراح فرض مسألة الأمن العسكري، من إطار أمن باب المندب وخليج عدن، وحماية طرق التجارة الدولية واقتصاد العالم ورفاهية ورخاء مواطنيه.

مشكلة هذه التحليلات والرؤى أنها تتعامل مع كل مشاكل العالم بمنظور استعماري شديد باسم حفظ أمن العالم، فعلى سبيل المثال يحصر العالم اليوم السبب الرئيسي للأزمة الحالية في البحر الأحمر والشرق الأوسط على الحوثيين؛ إذ يتم تأطيرهم على أنهم هم من يشكلون خطراً على الاقتصاد العالمي والأمن العسكري الإقليمي، متناسين كثرة الفاعلين في المنطقة، مستعمين عن إسرائيل، ذلك الكيان الاستعماري والسبب الرئيسي وراء كل ذلك الارتباك وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم اليوم.

يُعدّ العالم جيوشه ويسن أسلحته وينشئ التحالفات بسرعة ضد دولٍ عدة، تحت مسمى حماية التحضر وتدمير التطرف والإرهاب في المنطقة، شرط أن يكون أي شيء غير إسرائيل، فذلك الكيان المحتل هو الوجه المثالي للحداثة الغربية، حيث الاستعمار على الطريقة الكلاسيكية، لذا ما يُحدثه من إبادة جماعية وتهديد لمصالح الدول المجاورة ليس إرهاباً ولا تطرفاً، بل تراها القوى الغربية نموذجاً بلطجياً وضابط إيقاع للعنف المنظم لإخضاع المنطقة وشعوبها للمصالح الغربية.

إن من يهدد أمن العالم ورفاهيته اليوم ليس من يستهدف السفن الإسرائيلية لكي يضغط على المحتل لوقف ذبحه للأبرياء في أرض فلسطين، بل من يدعم ذلك المحتل بالسلاح والفيتو؛ ليستمر في حربه ليسحق غزة وأهلها بسرعة لا تزعج العالم. 

تواصل إسرائيل القيام بعمليات إجرامية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد اتسمت هذه العمليات بطابع إبادة ومجازر متواصلة. ورغم مرور أكثر من 100 يوم، فإن المجتمع الدولي ما زال يقف متفرجاً، ولم يجهّز طائرته أو تحالفتها من أجل وقف قتل المدنيين في غزة، بل تنبري أمريكا وبريطانيا وألمانيا وحلفائهما لقصف اليمن؛ لأنها اتخذت موقفاً واضحاً إزاء قتل الأطفال والنساء في غزة.

من يطلق النار على قدمي العالم هو الولايات المتحدة وأغلب الدول الغربية باستمرار دعمها لإسرائيل إلى اليوم، يهدمون المنظومة الدولية، المهترئة بالأساس، من خلال استخدام القوة المفرطة والبطش الاستعماري ومنع المؤسسات الدولية بالوفاء بمسؤوليتها الأكثر أهمية، وهي حماية السلام والأمن الدوليين. إذ تداوم الدول الغربية بإقامة تحالفات لتدمير كل ما يهدد مصالحها، سواء كانت دول أو جماعات مسلحة أو حركات تحرر، لا فرق، بينما تسخر عضويتها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وخاصة الولايات المتحدة، لاستخدام حق النقض ضد جميع المقترحات المناهضة لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي.

ما يجري اليوم من تدمير غزة وقصف اليمن هو ما يهدد أمن العالم ورفاهيته، ما هو إلا بلطجة سياسية لفرض ممارسات دولية تضرب بعرض الحائط مرتكزات الشرعية الدولية السابقة وفرض شرعية جديدة تعكس وتعبر عن الرؤية الاستعمارية المتأصلة في عقل الحكومات الغربية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زيد إبراهيم
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد