منذ بداية حرب طوفان الأقصى ويستخدم جيش الاحتلال الطائرات من دون طيار لتنفيذ استهدافات داخل القطاع، والتجسس وجمع المعلومات، كذلك استُخدمت في التصفية الميدانية للمدنيين والفارين من مناطق الشمال عبر الممرات الآمنة، وأحد أهم تلك الأنواع التي يستخدمها جيش الاحتلال في غزة هي طائرات الكوادكوبتر "quadcopter"، وتعني الطائرة رباعية المروحيات أو المحركات.
وتقوم الفكرة الهندسية للمروحية على دفع الهواء في الاتجاه المعاكس للطيران، فهي طائرة عمودية تقوم بدفع الهواء إلى أسفل في حالة الإقلاع، وفي حالة الهبوط تدفع جزءاً منه للأعلى وآخر إلى الأسفل للتحكم في سرعة الهبوط. وهي تعتبر الشكل البدائي للمروحيات وكذلك للطائرات من دون طيار.
محطات الطائرة.. المحاولات الأولى للطائرة من دون طيار
يرجع تاريخ الطائرة رباعية المحركات إلى الأخوين المخترعين جاك ولويس بريجيت، عام 1907م، اللذين صمما نموذج الطيران البسيط القائم على دفع الهواء عكس اتجاه الطيران والحركة، وقد أنتجت أول طائرة عام 1907 مع البروفيسور تشارلز ريشيت الحائز على جائزة نوبل، كانت الطائرة المروحية الأولى تحمل شخصاً واحداً، وارتفعت لقدمين فقط.
فشلت الطائرة في أن تدخل عالم الدفاع والهجوم العسكري بسبب حجمها الكبير، وعدم قدرتها على الارتفاع لمسافات كبيرة، غير أنها تتطلب 4 رجال لتثبيتها والسيطرة عليها في الهبوط وفي الإقلاع، إلا أنها كانت النواة الأولى لما سيكون اليوم أشهر طائرة من دون طيار، وتستخدم في كل المجالات من التصوير وحتى القتال، ويتراوح حجمها بين 10 سنتيمترات ومترين، ويتحكم بها عن بعد.
وفي عام 1917 أطلقت طائرة روستون بروكتور الجوية بعد 16 عاماً فقط من رحلة كيتي هوك الرائدة التي قام بها الأخوان رايت عام 1903، وأصبحت أول طائرة مجنحة من دون طيار في التاريخ، كانت تلك الطائرة يتم التحكم فيها عن طريق الراديو، وتعتمد على تقنية RC من المخترع نيكولا تيسلا. كان الهدف من تصنيعها أن تكون بمثابة طائرة انتحارية يمكن توجيهها نحو الأعداء، وهي الفكرة الأولى للطائرات الانتحارية التي نشاهدها اليوم في حرب أوكرانيا وغزة. لكنها لم تنجح في الدخول إلى عالم القتال لصعوبات فنية أيضاً.
وفي عام 1943 ظهر أول طوربيد بحري موجه عن بعد يستهدف السفن، ليصبح بذلك أول طوربيد وأول نظام لطائرة من دون طيار، وقد صممه وصنعه الألمان 1943، وعرف بنظام "فريتز إكس"، وهو اللقب الذي أطلق عليه FX-1400، ويعتبر أول سلاح يتم التحكم فيه عن بعد، وقد حمل بقنبلة تزن طناً من المتفجرات واستخدامها لإغراق السفن البريطانية أثناء القتال.
كيف أتى مشروع طائرات كوادكوبتر إلى إسرائيل؟
بدأ مشروع الطائرات من دون طيار بعد 1960 في ظل الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حول غزو الفضاء، والتجسس على بعضهم، وذلك بعد اختراع الترانزستور الذي مكنهم من التحكم في الأجهزة عن بعد، وشاركت أول طائرة من دون طيار في حرب فيتنام، واستخدمها الجيش الأمريكي لكنها لم تكن متطورة بما يكفي للمشاركة في الهجوم بل اكتفت بالتصوير.
وبسبب حظر شارل ديغول تصدير الطائرات إلى إسرائيل بسبب حرب 1967م واحتلال الأراضي الفلسطينية، قررت إسرائيل أن توسع تصنيعها للطائرات في شركة (IAI) التي أسسها شيمون بيريز عام 1953 كشركة لتصنيع الأسلحة الهجومية والدفاعية، إلى أن جاءت حرب 1973 والتي احتاجت إسرائيل خلالها لمعرفة تموضع القوات المصرية لشن هجوم مضاد، وقتها شاركت الولايات المتحدة ببعض الطائرات من دون طيار لتصوير انتشار الجيش المصري، في ذلك الوقت كلفت شركة IAI الصهيوني ديفيد هراري بتصميم الطائرات من دون طيار، وديفيد هو يهودي مصري طرد بعد حرب 1956 وحصل على الجنسية الفرنسية، ثم حصل عام 1970 على جنسية الاحتلال، وقد صمم مع فريقه أول طائرة عام 1977، ونفذت أول تجربة لها عام 1979، وانضمت بشكل فعلي في القتال عام 1982؛ إذ شاركت في تدمير الدفاعات الجوية السورية في حرب لبنان.
أنتجت شركة دراجنفلير Draganflyer الكندية أول طائرة درونز من طراز كوادكوبتر للاستخدام اليومي عام 1999، وقد صممت بالأساس للقيام بمهام التصوير، وقد كان ترويجها بأنها تحافظ على الأمن، ومن جهة أخرى لتتبع المجرمين والمراقبة والمشاركة في عمليات الإنقاذ والدفاع المدني. ولاقت شهرة عندما شاركت في تصوير فيلم "Inspector Gadget"، وفي عام 2006 أعطت الولايات المتحدة أول تصريح لاستخدامها في العديد من المهام.
مواصفات طائرة الكوادكوبتر القتالية
شركة إلبيت سيستمز elbitsystems التي تأسست عام 1963 للصناعات الهجومية والدفاعية في إسرائيل، طورت طائرات كوادكوبتر التي صممت للتصوير، وحولتها للقيام بعمليات استخباراتية وقتالية والمشاركة في مهام متعددة، وتحلق على ارتفاعات منخفضة، وذلك بين عامي 2011 وحتى الآن، وازداد الاعتماد عليها مع الوقت.
إذ تقوم فكرتها على أن تكون كالنحل في الخلية، تؤدي وظيفة التكامل بين الوحدات القتالية، وأداة الأسلحة المختلفة، يستخدمها الجندي في الميدان، وكذلك في خطوط الإمداد، كما تستخدمها القيادة في الوحدات وفي المركز الرئيسي. تقوم كل طائرة بمهمة معينة، وقد تقوم الطائرة الواحدة بأكثر من مهمة في وقت واحد.
تتكون من 4 إلى 6 مروحيات صغيرة، ويبلغ أقصى طول لها 1.6 متر، بحسب الشركة يبلغ أقصى وزن للطائرة 1.25 كيلوغرام، ويمكنها أن تحمل أوزاناً حتى 150 كيلوغراماً، وتستخدم تلك الطائرات أنظمة اتصالات فائقة، ويعتبر نظام الملاحة الخاص بها GNSS، كما أنها تستخدم أنظمة اتصال، وذكاءً اصطناعياً مستقلاً يسمى Legion-X PM، وهو نظام بحسب شركة إلبيت يقوم "بسلوكيات جماعية تكيفية بين الطائرات في المجال الواحد، وحركة ذكية معقدة، واتخاذ القرارات والتفاعلات المناسبة مع البيئة"، وتدعي أنه يعمل تحت الأرض، وهي بذلك تطمح لأن يشارك في الكشف عن الأنفاق وتحييدها. وقد أثبت فشله في ذلك حتى اللحظة.
اقرأ أيضاً: كيف أفشلت المقاومة قدرة التقنيات الإسرائيلية في الكشف عن الأنفاق وتحييدها؟
تحدد الأهداف من خلال الليزر وكاميرات الأشعة فوق الحمراء بأنظمة EO/IR وSAR، تحدد تلك الأنظمة المدى، وسرعة حركة الهدف، وتقوم بعمليات الاستشعار عن بعد.
استخدامات طائرة الكوادكوبتر
استخدم الجيش الإسرائيلي هذا النوع من المسيّرات في الضفة الغربية وقطاع غزة لقمع المتظاهرين الفلسطينيين، وذلك عبر إلقائها قنابل غاز مسيل للدموع تجاه المتظاهرين. وبدأت إسرائيل باستخدام هذا النوع من الطائرات بشكل واضح خلال مسيرات العودة التي انطلقت على حدود غزة عام 2018، كما استخدمتها في مهام أخرى مثل اغتيال قيادات في فصائل المقاومة ورصد معلوماتهم"
من هذه الطائرات ما يستخدم كروبوت بري من خلال إطارات السيارات، ثم ينتقل إلى الحركة والطيران ومن ثم العودة، إذ تقوم بمهام متعددة، ومن هذه الطائرات طراز لانيوس، وهو المحمل بمجسات للحركة واستشعار عن بعد وكاميرات فائقة، ويمكن لها النزول إلى مستويات منخفضة جداً من الأرض، كما أنها تستطيع دخول المباني والتحرك فيها، وقد ظهرت في غزة في حرب طوفان الأقصى وهي تتنقل داخل البنايات. ولدى الطائرة قدرة عالية على التجسس ونقل الحركة، كما أن صوتها ضعيف، فقد لا ينتبه لها المقاتل بخلاف "الزنانة".
ويتمتع بعضها بقدرة على حمل قنابل اليد وقذائف صغيرة تستخدم في استهداف الأفراد، مثلما استهدفت إحداها الشهيد الساجد في خان يونس في 27 ديسمبر/كانون الأول 2023. كذلك يوجد بها رشاش وخزنة للطلقات، واستخدمت في الإبادة عندما استهدف الفارين من أتون الحرب والقصف في شمال القطاع عبر الممرات الآمنة، واستخدمت في استهداف الأطباء والمرضى واللاجئين في مستشفى شهداء الأقصى.
وقد تتحول إلى طائرة انتحارية في حالة وجدت هدفاً أثناء التجسس، مثلما استُهدف قائد لواء الشمال في سرايا القدس بحي الشجاعية بهاء أبو العطا مع زوجته، وأبو العطا صاحب فكرة "ساعة البهاء"، وهي تثبيت موعد الساعة التاسعة مساءً لقصف تل أبيب، وسمَّت سرايا القدس تلك الساعة باسمه بعد استشهاده.
تعتبر طائرة كوادكوبتر طائرة تكتيكية تعمل بشكل متداخل كشبكة بين الاتصال والاستهداف واتخاذ القرار السريع الذي يحتاج للتعامل الميداني، ويقوم جيش الاحتلال باستخدامها كأداة للإبادة الجماعية من خلال الاستهداف المباشر للمدنيين، إلا أن ميزتها بالنسبة للمقاومة وعيبها في آن أنها تشارك على ارتفاع منخفض، فيسهل استهدافها بالأسلحة الخفيفة وتدميرها في الجو، خصوصاً لو تحمل المتفجرات والقنابل، لكن عيبها بالنسبة للمقاوم وجودها بكثافة في الميدان، وقيامها بأعمال متعددة، فتحول الساحة التي تغطيها إلى معركة أشبه بساحات الحروب العالمية من كثافة نيرانية وتدمير واسع يطول المقاتلين والمدنيين على السواء.