أفادت صحيفة The Guardian البريطانية، في تقرير نشرته يوم الإثنين 8 يناير/كانون الثاني 2024، بأن المواطنين الفلسطينيين الذين يحاولون يائسين مغادرة قطاع غزة يدفعون رِشا إلى السماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار؛ لمساعدتهم على الخروج من القطاع المحاصر عبر المعبر البري المؤدي إلى مصر، وذلك وفقاً لتحقيقات أجرتها الصحيفة.
وأوضحت الصحيفة أن القليل للغاية من الفلسطينيين استطاعوا مغادرة غزة عبر معبر رفح البري الحدودي، لكن هؤلاء الذين يحاولون ضم أسمائهم إلى قائمة الأشخاص المُصرح لهم بمغادرة القطاع يومياً، يقولون إنه يُطلب منهم دفع مبالغ كبيرة من "مصروفات التنسيق" عن طريق شبكة من السماسرة والسعاة الذين تجمعهم علاقات مزعومة بأجهزة المخابرات المصرية.
رشاوى لتنسيق الخروج فلسطينيين من غزة
قال فلسطيني غادر القطاع وهو الآن في الولايات المتحدة، إنه دفع 9 آلاف دولار قبل ثلاثة أسابيع كي يضع أسماء زوجته وأبنائه ضمن القائمة. كانت عائلته تتخذ من المدارس ملجأ لها منذ عملية طوفان الأقصى. وفي يوم السفر، أُبلغ أن أسماء أطفاله ليست ضمن القائمة وأن عليه دفع 3 آلاف دولار إضافية. وأوضح أن السماسرة كانوا "يحاولون المتاجرة بدماء الأبرياء".
وأضاف: "إنه أمر محبط ومحزن للغاية. إنهم يحاولون استغلال الأشخاص الذين يعانون، والذين يحاولون الخروج من الجحيم في غزة". ولم تغادر عائلته حتى الآن.
تعمل حول معبر رفح الحدودي منذ سنوات، شبكةٌ من السماسرة المستقرين في القاهرة، والذين يساعدون الفلسطينيين على مغادرة غزة. لكن الأسعار ارتفعت للغاية منذ بداية الحرب التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، بعد أن كانت 500 دولار للفرد.
تحدثت صحيفة The Guardian مع عدد من الأشخاص الذين أُبلغوا أنهم سيدفعون ما بين 5 آلاف و10 آلاف دولار لكل شخص يرغب في مغادرة القطاع، وبعضهم يطلق حملات تبرع لجمع الأموال. وأُبلغ آخرون أنه يمكنهم المغادرة في وقت أقرب إذا دفعوا أموالاً أكثر.
وتمتلئ صفحات فيسبوك، التي تعرض أخباراً تتعلق بمعبر رفح، بمنشورات الفلسطينيين الذين يطلبون المساعدة في إدراجهم ضمن قائمة الأشخاص المغادرين عبر المعبر.
سماسرة ينظمون خروج الفلسطينيين
أوضحت الصحيفة أن جميع الأشخاص الذين أجرت معهم مقابلات قالوا إنهم تواصلوا مع سماسرة عبر جهات اتصال في غزة. وتُدفع الأموال نقداً، وأحياناً تُدفع عبر وسطاء مستقرين في أوروبا والولايات المتحدة.
إذ أُبلغ بلال بارود، وهو مواطن أمريكي من غزة، أنه سيحتاج إلى دفع 85 ألف دولار لإخراج 11 فرداً من أبناء عائلته من القطاع، ومن ضمنهم 3 أطفال تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات.
وأوضح بارود، الذي قضى الأشهر الثلاثة الماضية يناشد فريق عمل وزارة الخارجية الأمريكية ليدرجوا اسم أبيه ضمن قائمة الخروج: "أفكر في هذا الخيار ليس لشيء إلا لأن الحكومة الأمريكية لا ترد علي. لو كان لدي أي أمل حول حالة أبي، لم أكن لألجأ إليه".
وأضاف: "أواجه هذا الموقف، لأن الولايات المتحدة لا تريد مساعدة مواطنيها".
في حين احتُجز والد بارود البالغ من العمر 70 عاماً، لمدة قصيرة في شهر ديسمبر/كانون الأول عن طريق القوات الإسرائيلية. وكان ضمن مجموعة الرجال الذين جُردوا من ملابسهم وقُيدت أيديهم واصطُحبوا إلى موقع سري.
استغلال ظروف الفلسطينيين
من جهته قال مهند صبري، الخبير في شؤون شبه جزيرة سيناء ومؤلف كتاب "سيناء: عماد مصر، حياة غزة، كابوس إسرائيل"، إن السماسرة "يستهدفون الأشخاص الأضعف".
وأوضح: "إذا كانت عائلة ما، لديها ابن مصاب أو مريض فلا يسعهم الانتظار، وهؤلاء هم الضحايا المثاليون. يمكنهم الضغط بأي مبلغ، وعلى العائلة أن تجلب المال. إنه ابتزاز تام".
وصف صبري التبريرات المُعلنة من جانب السلطات المصرية لعدم فتح المعابر بأنها "تستر على الفساد الذي يحدث على الأرض". ورفض رئيس الهيئة العامة للاستعلامات التعليق عندما تواصلت معه صحيفة The Guardian. وأضاف صبري: "هذا ليس فساداً في المستويات المنخفضة، بل إنه فساد تُمكِّنه الدولة".