قالت محكمة العدل الدولية، الأربعاء 3 يناير/كانون الثاني 2024، إنها ستعقد جلسات علنية في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا على إسرائيل بشأن حرب غزة، يومي 11 و12 يناير/كانون الثاني 2024، في حين أعلنت إسرائيل أنها سوف تمثُل أمام المحكمة؛ للطعن في الاتهامات المقدمة من جانب جنوب أفريقيا.
كانت جنوب أفريقيا قد طلبت من المحكمة، يوم الجمعة، إصدار أمر عاجل يعلن أن إسرائيل تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 في حملتها على قطاع غزة. وعادةً ما تحتاج المحكمة أسبوعاً أو اثنين لإصدار قرار في الإجراءات الطارئة بعد الجلسات. وقرارات المحكمة نهائية، لكنها لا تملك صلاحية تنفيذها.
في حين تقع عريضة الاتهام التي جهزتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، في ما يقارب 84 صفحة، حيث استعرضت فيها كل تطورات الحرب على غزة وكافة الانتهاكات التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين هناك في القطاع وكذلك في الضفة الغربية.
ومن ضمن ما جاء في عريضة الاتهامات الخاصة بجنوب أفريقيا بحق إسرائيل، أنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل هجوماً عسكرياً واسع النطاق براً وجواً وبحراً على غزة، وتعرض القطاع لما وُصف بأنه واحدة من "أعنف حملات القصف التقليدي" في التاريخ للحرب الحديثة.
وبحلول 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحده، تشير التقديرات إلى أنه تم إسقاط 6000 قنبلة أسبوعياً على هذا القطاع الصغير، وبعد شهرين أحدثت الهجمات العسكرية الإسرائيلية "دماراً أكبر من حجم الدمار الذي لحق بمدينة حلب السورية بين سنتي 2012 و2016، ومدينة ماريوبول في أوكرانيا، أو قصف الحلفاء لألمانيا في الحرب العالمية الثانية".
كذلك قالت عريضة الاتهام، إن الدمار الذي أحدثته إسرائيل بلغ من الشدة حداً جعل "غزة تبدو في الوقت الراهن بلون مختلف عند مشاهدتها من الفضاء. باتت تتخذ نسيجاً مختلفاً"، وأضافت عريضة الاتهام: "يواجه المدنيون في جميع أنحاء غزة خطراً جسيماً. ومنذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، قُتل ما يزيد على 15 ألف شخص، حسبما ورد، وكان أكثر من 40% منهم من الأطفال. وأصيب آلاف آخرون. وقد تم تدمير أكثر من نصف المنازل، وتهجير نحو 80% من السكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة قسراً إلى مناطق أصغر مساحة، فيما لجأ أكثر من 1.1 مليون شخص إلى مرافق الأونروا في جميع أنحاء غزة، مما أدى إلى خلق ظروف مكتظة ومهينة وغير صحية".
في عريضة الاتهام جاء أيضاً، أن نظام الرعاية الصحية في غزة قد انهار وتحولت المستشفيات إلى ساحات قتال، وبات هناك 14 مستشفى فقط من إجمالي 36 منشأة تعمل بشكل جزئي. ويعمل المستشفيان الرئيسيان في جنوب غزة بثلاثة أضعاف طاقتهما السريرية، كما أن الإمدادات الأساسية والوقود تنفد منهما، في الوقت الذي تؤوي فيه آلاف النازحين. وفي ظل هذه الظروف، سيموت مزيد من الأشخاص دون علاج في الأيام والأسابيع المقبلة.
وبعد سرد جنوب أفريقيا في عريضة اتهاماتها، كل ما ارتكبه الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، طالبت بالتالي:
- يجب على إسرائيل تعليق عملياتها العسكرية في غزة على الفور.
- يجب على إسرائيل ضمان عدم اتخاذ أي وحدات عسكرية أو مسلحة غير نظامية قد تكون تحت إدارتها، أو تدعمها أو تؤثر عليها، وكذلك أي منظمات وأشخاص قد يكونون خاضعين لسيطرتها أو إدارتها أو تأثيرها، أي خطوات تتعلق بمواصلة العمليات العسكرية.
- يجب على إسرائيل، وفقاً لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني كمجموعة محمية بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، الكف عن ارتكاب أي وكل الأعمال التي تقع ضمن نطاق المادة الثانية من الاتفاقية والخاصة بعمليات القتل والاغتيال والإبادة الجماعية واستهداف المدنيين، وكذلك التوقف عن الطرد والتهجير القسري للمواطنين من منازلهم.
- يجب على إسرائيل التوقف عن حرمان الفلسطينيين من: الوصول إلى الغذاء والماء الكافي؛ والوصول إلى المساعدات الإنسانية، وضمن ذلك الوصول إلى الوقود والمأوى والملابس والنظافة والصحة؛ والمواد الطبية والمساعدات؛ وتدمير الحياة الفلسطينية في غزة.
- يجب على إسرائيل، فيما يتعلق بالفلسطينيين، ضمان عدم ارتكاب جيشها، وكذلك أي وحدات مسلحة غير نظامية أو أفراد قد يكونون تحت إدارتها أو دعمها أو تأثيرها بأي شكل وأي منظمات وأشخاص قد يكونون خاضعين لسيطرتها، أي أعمال قتل بحق الشعب الفلسطيني أو الانخراط في التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، أو التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، أو محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، أو الشراكة في الإبادة الجماعية. وإلى الحد الذي يشاركون فيه، يجب اتخاذ خطوات نحو معاقبتهم وفقاً للمواد الأولى، والثانية، والثالثة والرابعة من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية.
- يجب على إسرائيل اتخاذ تدابير فعالة لمنع تدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بادعاءات الأعمال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية؛ ولهذا الغرض، يجب على إسرائيل عدم العمل على إنكار أو تقييد الوصول بأي شكل من قبل بعثات تقصي الحقائق، والولايات الدولية والهيئات الأخرى إلى غزة للمساعدة في ضمان الحفاظ على والاحتفاظ بتلك الأدلة.
- يجب على إسرائيل تقديم تقرير إلى المحكمة عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر خلال أسبوع واحد، اعتباراً من تاريخ هذا الأمر، وبعد ذلك بفترات منتظمة كما تأمر المحكمة، حتى يتم إصدار قرار نهائي في القضية من قبل المحكمة.
لماذا رفعت جنوب أفريقيا من بين كل دول العالم هذه الدعوى؟
أيَّدت جنوب أفريقيا القضية الفلسطينية طيلة عقود، ودعمت مساعي الفلسطينيين لإقامة دولتهم في المحافل المحلية والدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة. ولطالما شبَّهت جنوب أفريقيا الاضطهاد الذي يتعرض له الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي بما تعرض له مواطنوها السود خلال حقبة الفصل العنصري، وأعلنت توافقها مع ما ذهبت إليه منظمات حقوقية دولية بارزة في وصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين بأنها تمييز عنصري.
وقد تناولت جنوب أفريقيا، في عريضتها المقدمة إلى محكمة العدل الدولية، بعض وقائع هذه المعاملة التي كان الفلسطينيون يلقونها من الإسرائيليين قبل الحرب، وعدَّتها مستنداً أولياً على ما تصفه بالإبادة الجماعية المستمرة للفلسطينيين.
وقالت جنوب أفريقيا في العريضة: يسبق هذه الحرب "تاريخ من الفصل العنصري والتهجير والتطهير العرقي والضم والاحتلال والتمييز والحرمان المستمر للشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير، وقد تقاعست إسرائيل، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 خصوصاً، عن منع الإبادة الجماعية" المرتكبة بحق الفلسطينيين.
وأشارت جنوب أفريقيا في عريضتها، إلى أنها خاطبت إسرائيل أكثر من مرة بشأن مخاوفها من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ولم تتلقَّ أي رد. وأوضحت أنها أرسلت مذكرة شفوية -مذكرة دبلوماسية رسمية غير موقعة- إلى السفارة الإسرائيلية استدعت فيها المخاوف من أن أفعال إسرائيل توشك على بلوغ عتبة الإبادة الجماعية، إلا أن إسرائيل لم ترد رداً عاجلاً على المذكرة.
وبناء على ذلك، قرَّرت جنوب أفريقيا في نهاية المطاف أن تتقدم بهذا الطلب، لحثِّ المحكمة الدولية على الاستماع إلى ادعائها بارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية، وإجبار إسرائيل على الرد على هذا الادعاء.
جدير بالذكر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، يشن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرباً مدمرة على غزة، خلّفت حتى الأحد 22 ألفاً و835 قتيلاً، و58 ألفاً و416 جريحاً، ودماراً هائلاً في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.