روى غزيون ناجون شهادات مروعة عن إعدامات ميدانية ينفذها جنود الاحتلال في المناطق التي توغل فيها شمال قطاع غزة، بحسب ما نقله موقع Middle East Eye البريطاني، الخميس 4 يناير/كانون الثاني 2024.
مؤمن الخالدي، أحد الناجين روى للموقع البريطاني كيف ظل جريحاً في مكانه دون حراك لثلاثة أيام، حيث استلقى وسط جثث أفراد عائلته القتلى متظاهراً بالموت؛ ليحمي نفسه من رصاص الجنود الإسرائيليين.
إذ اقتحم جنود الاحتلال في 21 ديسمبر/كانون الأول، المنزل الذي لجأت إليه عائلة الخالدي بشمال قطاع غزة، ثم أطلقوا النار على جميع الموجودين داخله في غضون دقائق.
وغادر الجنود المنزل بعدها؛ ظناً منهم أنهم قتلوا الجميع، لكن لم يتبق سوى مؤمن، الذي نزف لعدة أيام قبل أن يعثر عليه الجيران وينقلوه إلى المستشفى.
ومن سريره في مجمع الشفاء الطبي، روى مؤمن ما حدث في تلك الليلة، حيث أوضح أنه ذهب مع عائلته إلى منزل أحد أقاربهم في حي الشيخ رضوان بشمال قطاع غزة، بعد أن أُجبروا على إخلاء منزلهم.
بعد غروب شمس ذلك اليوم المشؤوم، أنهى أفراد العائلة صلاتهم واستلقوا على الأرض معاً تحت البطانيات، وفجأةً فجّر الجنود الإسرائيليون الباب الأمامي واقتحموا المنزل.
قال مؤمن: "أُصيب جميع الموجودين بجراحٍ على الفور، وبينهم امرأتان هما جدتي وامرأة حبلى أخرى".
ثم أمر الجنود الجميع بإخلاء المنزل مخاطبين العائلة بالعبرية. لكن أفراد العائلة لم يفهموا الأوامر، لأنهم لا يتحدثون العبرية.
وأوضح مؤمن: "لم يتحدّث الجنود بالعربية. ولم يكن هناك أحد يتحدث العبرية بيننا، فلم نفهم ما يقولونه. لهذا حاول جدي الترجمة. فقال الكلمات القليلة التالية فقط: استمعوا إلى ما يقوله الجنود واخرجوا".
وأردف مؤمن: "التفت الجنود وظنوا أن والدي هو الذي تكلّم، فأطلقوا رصاصةً باتجاهه وقتلوه على الفور".
وأطلق الجنود بعدها النار على جميع الموجودين في الغرفة، ومن ضمنهم مؤمن.
وبعد إصابته، استلقى مؤمن بجراح ساقه على الأرض دون حراك، وتظاهر بالموت؛ حتى يتفادى إطلاق الجنود لرصاصات إضافية عليه.
وأضاف: "لقد حميت نفسي بالاستلقاء بين ظهر عمي والحائط. وكنت أحمي رأسي بهذه الوضعية. وبقيت في هذا الوضع لثلاثة أيامٍ أتظاهر فيها بأنني لست حياً. وخلال تلك الفترة، دخل أفراد الجيش المنزل وخرجوا منه عدة مرات، ودمروا المكان، لكنني تظاهرت بأنني ميت. وبعد ثلاثة أيام، نقلني الناس مع أفراد عائلتي الشهداء إلى المستشفى".
"أطلقوا النار على أمي، ثم أبي"
في الـ22 من ديسمبر/كانون الأول، داخل الحي نفسه الذي أُعدِمَت فيه عائلة الخالدي، نجا قريبه فيصل أحمد الخالدي (6 أعوام) من واقعة مشابهة، حيث قتل الجنود الإسرائيليون والديه بالرصاص أمام عينيه داخل منزل عمه.
حيث قال فيصل: "كنا في المنزل وكانت الدبابة متمركزةً أمام باب البناية. وفي إحدى الليالي، حطموا البوابة واقتحموا المكان. وكان باب شقة عمي محمد موصداً، لكنهم حطموه ودخلوا. ثم أطلقوا النار على جميع الموجودين في غرفة الضيوف".
وأردف فيصل: "كنا نائمين، وسمعت أصوات (الضجة)، لهذا سألت أمي: ما هذا الصوت؟ فأجابتني: إنهم الإسرائيليون. وبمجرد أن قالت ذلك، أطلقوا النار عليها، ثم أطلقوا النار على أبي".
وأُصيب فيصل بشظية من الرصاصات التي قتلت والديه، لكنه لم يشعر بجرحه آنذاك من هول الصدمة.
وبعد مغادرة الجنود للمنزل، لجأ بقية أفراد العائلة إلى إحدى المدارس، وحينها بدأ فيصل يشعر بألم الإصابة في بطنه.
أُعدِمَ أمام أطفاله المعاقين
بعد مضي أسبوع واحد، وعلى بعد بضعة كيلومترات، أعدم الجنود الإسرائيليون موظف الأونروا المتقاعد كامل محمد نوفل (65 عاماً)، أمام زوجته وأطفاله المعاقين. وقال قريبه جمال نعيم، للموقع البريطاني، إنهم أعدموه في أثناء "محاولته أن يشرح للجنود أن أطفاله لا يمكنهم فهم التعليمات".
وقال نعيم: "وصلت القوات الإسرائيلية إلى البناية التي كان يقطنها جمال وعائلته، وطلبوا من الجميع إخلاء المبنى. فنزل الجميع واجتمعوا في الشارع أمام البناية. كان هناك 24 من السكان، بينهم كامل وزوجته فاطمة جميل تمراز (63 عاماً)، وأبناؤهما الأربعة، مع أزواجهم وأطفالهم. وكان هناك ما لا يقل عن تسعة أطفال يبلغ أصغرهم أربعة أشهر".
وأوضح أن ثلاثة من أبناء نوفل يُعتبرون من الصم والبكم، بينما يعاني الرابع من ضعف البصر.
وأردف: "كان الجنود الإسرائيليون يعطون المجموعة تعليمات حول وجهتها وما يجب فعله، لكن أطفال كامل لم يستطيعوا فهم التعليمات، لأنهم يعجزون عن سماع أو رؤية أو التواصل مع القوات بشكلٍ سليم، فمضى الجنود لاعتقالهم".
وأضاف نعيم: "تحدث كامل بالعبرية وأخبر الجنود بأن ابنه حسام (40 عاماً)، وأحمد (36 عاماً)، ومحمود (32 عاماً)، وابنته وفاء (31 عاماً) من المعاقين. لكنهم أطلقوا الرصاص عليه فوراً، وقتلوه أمام أطفاله وبقية الموجودين".
وذكر نعيم أن الجنود الإسرائيليين اعتقلوا أطفال نوفل وبقية أفراد عائلته بعدها. وما يزال مكان وجودهم الحالي مجهولاً.
إطلاق نار عشوائي
بدأ الجيش الإسرائيلي في استهداف العديد من المباني التجارية والسكنية بمجرد وصوله إلى حي الرمال في وسط مدينة غزة. لكنهم لم يسمحوا للسكان بإخلاء المنطقة.
كان الصحفي أحمد داود (38 عاماً)، ما يزال داخل منزله بالقرب من مفترق شارع فلسطين عندما استهدفت دبابة إسرائيلية شقة جاره، فاضطر إلى الفرار.
روى أحمد ما حدث قائلاً: "غادرت منزلي بعد احتراق شقة قريبة. وتركنا البناية مع نحو 30 شخصاً بينهم ابنة صديقي الصحفي. وكنا نحاول الهرب، لكن اثنتين من الفتيات تعرضتا للقتل بمجرد وصولنا إلى مفترق الطرق. كان يبلغ عمر إحداهما ثماني سنوات فقط، وكانت ابنة صديقي الصحفي، بينما بلغ عمر الأخرى 15 عاماً. لقد أعدموهما أمام أعيننا. وكنا سنصبح من بين الشهداء أيضاً لو لم نختبئ من الرصاص".
عندما فتح الجنود النار على السكان، تراجع بعضهم نحو البناية وقرر البعض الآخر السير إلى مكانٍ أكثر أماناً.
أضاف أحمد: "ظلت جثة ابنة صديقي في الشارع. ودخلنا نحن بيتاً عشوائياً، وراقبنا الجثة من النافذة لأربعة أو خمسة أيام بينما نحاول استعادتها. وقد طوّقنا الجنود الإسرائيليون الذين كانوا يعدمون جميع الموجودين في المنطقة. وبعد خمسة أيام، خرجنا لاستعادة الجثة تحت مروحيةٍ رباعيةٍ إسرائيلية".
وبعد فراره من البناية، ظل بعض جيران أحمد داخل شقتهم. وعندما دخل الجنود الإسرائيليون البناية ووجدوهم، يقول أحمد إنهم أعدموا العائلة بأكملها ثم أضرموا النيران في المنزل.
وأردف: "لقد أعدموهم جميعاً، المجموعة بالكامل… أعدموا الجميع في المنطقة ولم يتركوا أحداً".
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على غزة، خلّفت حتى الخميس "22 ألفاً و438 شهيداً و57 ألفاً و614 مصاباً معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.