يعاني عمال الإنقاذ في قطاع غزة في انتشال الجرحى والجثث من تحت أكوام الأنقاض التي خلّفها العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، في ظل نقص الأدوات والموارد الأساسية، بينما يضطرون لترك أفراد من عائلاتهم تحت الأنقاض، وفق ما ذكرته صحيفة The Telegraph البريطانية.
في مسقط رأسه رفح، يحفر أحمد رضوان تحت أكوام من الخرسانة بحثاً عن أصدقائه في المدرسة، وزملائه، وأفراد عائلته. وقال عامل البحث والإنقاذ لصحيفة التلغراف: "أحاول إنقاذ الأشخاص الذين تربيت معهم. نحن نعمل بما يفوق قدراتنا".
مع استمرار القصف وإصابة عشرات الآلاف، ونقص الأدوات والموارد الأساسية، يزداد العثور على العالقين تحت الأنقاض صعوبة.
"معركة أليمة" يعيشها عمال الإنقاذ في غزة
بينما لقي أكثر من 35 عضواً في فريق رضوان حتفهم أثناء عمليات البحث، في حين يلجأ عمال الإنقاذ في قطاع غزة إلى الصراخ في بحثهم عن الناجين بسبب الانقطاع المستمر في الاتصالات.
يقول رضوان: "القرارات نتخذها في غمضة عين، وغالباً ما تكون لها عواقب بالغة على الحياة. والصدمة أكثر من مجرد صدمة جسدية؛ إنها معركة نفسية أليمة".
كما أضاف رضوان أن فريقه يعاني نقصاً كبيراً في المعدات، ويعمل بأسطول محدود من الجرافات والأدوات القديمة. ومطلع هذا الشهر، قال المكتب الإعلامي في غزة إن 80% من مركبات ومعدات الإنقاذ دُمرت.
خلال إحدى عمليات البحث في تل السلطان، يقول رضوان إنه اضطر للبحث عن صبي يبلغ من العمر 5 سنوات ووالده بـ"الأدوات الأساسية" فقط. يقول: "سمعنا صوتيهما تحت الأنقاض".
عشرات الجثث تحت الأنقاض
حين ضربت الغارات الجوية الإسرائيلية عمارة التاج 3 في 25 أكتوبر/تشرين الأول، غربي مدينة غزة، كانت أسيل حنون فلسطينية أخرى تجد نفسها في دور عامل إنقاذ.
تقول أسيل: "فقدت الاتصال بشقيقتي أثناء القصف، وبعد ساعات رد شخص غريب على هاتفها، صارخاً بأن منزلنا دُمر، وأن الجميع ما زالوا تحت الأنقاض. تمكن والدي من إحضار جرافة، لكن الأمر كان أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش".
بعد 3 أيام، اتخذت الأسرة القرار الصعب بوقف البحث. وقالت أسيل: "فقدت أفضل من عرفتهم في حياتي؛ أعمامي وأبناءهم، ولا تزال 17 روحاً جميلة من عائلتنا تحت الأنقاض".
أما الجثث المنتَشلة، فبالكاد يُعثر على مكان لدفنها؛ فخلال الأسابيع الـ12 الماضية، امتلأت المقابر عن آخرها، وقل المعروض من التوابيت.
في حين تحمل كثير من الأغطية البيضاء المستخدمة في لف الجثث رسائل مؤثرة، تحمل بعضها عبارة "ذكر مجهول" أو "أنثى مجهولة". وفي هذه الحالات، تُلتقط الصور أثناء دفن الجثة، وتُسجل تفاصيل مثل تاريخ ومكان الغارة، حتى يتمكن الأقارب من التعرف عليها لاحقاً.
تحديد أماكن المفقودين سيستغرق سنوات
يقول مازن النجار، المسؤول في وزارة الشؤون الدينية: "في غزة كان لدينا 11 مقبرة، و9 منها امتلأت بالكامل منذ الأسبوع الأول. نواجه صعوبات هائلة في إكرام المتوفين بالدفن".
بينما شيدت العائلات أكثر من 120 مقبرة جماعية في المنطقة، بحسب تقرير للمرصد الأورومتوسطي. وأظهرت لقطات مسيرات نُشرت هذا الأسبوع حوالي 80 جثة فلسطينية مجهولة الهوية مدفونة في مقبرة جماعية في رفح.
يقول النجار: "المقابر الجماعية في مقابر الطوارئ هي ملاذنا الأخير". وبينما يكرس رضوان جهوده لعملية البحث، ينتابه القلق من العمل الشاق الذي ينتظره في المستقبل. وقال: "حتى لو توقفت الحرب الآن، فانتشال القتلى وتحديد أماكن المفقودين سيستغرقان سنوات".