"الخوف يملأ عيون الأطفال، جائعون ولا يعرفون أين يذهبون، ولا نجد جواباً حين يسألوننا ماذا يفعلون، العائلات في قطاع غزة تعيش أزمة جوع كل يوم"، هذا ما قاله نائب مدير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، كارل سكاو، بعد زيارته قطاع غزة قبل نحو أسبوعين، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، نُشر الثلاثاء 2 يناير/كانون الثاني 2024.
أضاف المسؤول الأممي: "يصعب جداً على فرقنا الوصول إلى جميع السكان، خاصة في شمال قطاع غزة، ولا يدخل إلى جنوب القطاع سوى كمية محدودة جداً من الغذاء. وخلال وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني، تمكنت الأمم المتحدة من توفير الغذاء لمليون شخص في قطاع غزة. لكن الدخول في هدنة ثانية ليس مطروحاً في الأجندة، والوضع الغذائي لسكان قطاع غزة يزداد سوءاً".
فيما تحدث أربعة من سكان غزة إلى صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية وأوضحوا كيف يؤثر الجوع على حياتهم، من الآثار الجانبية إلى المعاناة اليومية لتأمين لطعام مهما كان قليلاً. وفي حديثهم، تتكرر عبارة واحدة تعكس شعور الكثيرين في غزة: "إذا لم يأتِ الموت بغارة جوية، فالجوع سيأتي به".
"هذا ليس جوعاً طبيعياً"
في شهادة نقلتها الصحيفة عن أحد سكان قطاع غزة قال: "هذا ليس جوعاً طبيعياً، ففي لحظة تأكل شيئاً ثم يختفي شعور الجوع. لكنني أشعر بالجوع طوال الوقت. قرقرة المعدة، وضعف، وصداع، وأحياناً دوار. أتناول كميات صغيرة جداً، لأنك تتشاطر الطعام مع مَن معك".
أضاف: "في بداية الحرب، نزحت من مدينة غزة إلى رفح، مع والداي، وثلاثة إخوة مع زوجاتهم وأطفالهم، وجدي وجدتي. وقبل الحرب كنت أعمل صانع محتوى باللغة الإنجليزية، لكنني الآن لا أعمل. فلا يتوفر إنترنت والتيار الكهربائي ينقطع باستمرار، ومن الصعب العمل في مكان مزدحم كهذا. ولذلك لا يتوفر دخل ولا يمكن شراء طعام لطهيه".
فيما قال بشأن المساعدات التي تصل قطاع غزة: "مساعدات؟ حصلنا على علبتين من الحبوب المعلبة هذا الأسبوع. كيف سيكفي هذا 22 شخصاً؟ أحاول تهدئة جوعي، وأراعي كبار السن والأطفال وأتخلى عن حصتي مما هو متاح. وأشعل النار من الفروع في الخارج، وأسخن الماء، وأضيف بعض البهارات. هذا هو الشيء الوحيد المتبقي: القرفة وجوزة الطيب والشاي. هكذا أقضي أنا وإخوتي الأيام التي لا يتوفر فيها طعام على الإطلاق. نشرب الشاي. وبدون سكر".
أضاف: "الوضع أصعب بكثير على الأطفال. نحسب كل كسرة خبز. الحصة الواحدة التي نتلقاها لا نأكلها دفعة واحدة، بل نقسمها إلى نصفين ونحتفظ بالنصف الآخر، لأنه يحدث أيضاً أن يمر يوم كامل بدون طعام، لذلك يأكل الأطفال هذا النصف الآخر. وفي بعض الأحيان تفتح جمعيات الإغاثة منفذاً لتوزيع المواد الغذائية، فنذهب إلى هناك مع الأطفال للحصول على الطعام".
كل يوم "يزداد الأمر سوءاً"
تورد الصحيفة الإسرائيلية شهادة تقول صاحبتها: "أنا من مدينة غزة، عملت معلمة في مدرسة ابتدائية للبنات. في بداية الحرب انتقلت مع زوجي وعائلتي إلى منزل أقاربنا في رفح، لأنني لم أرغب في تعريض أطفالي للخطر، لكنني أرى الوضع الآن خطيراً عليهم. هم جائعون، والمياه التي يشربونها غير نظيفة، ولا يستحمون، ويعانون حكة في أجسادهم، وكل يوم يزداد الأمر سوءاً. وأنا شخصياً أعاني كثيراً حين أرغب في النهوض والوقوف".
أضافت: "آخر مرة تحدثنا فيها، في نوفمبر/تشرين الثاني، كان الوضع محتملاً إلى حدٍّ ما، كان الطحين والأرز لا يزالان متوفرين. والآن نعتمد بشكل كامل على الغذاء الذي توزعه منظمات الإغاثة. عليك أن تنتظر كل يوم، لترى من يوزع الطعام وأين".
كما تقول: "الأطفال جائعون طوال الوقت وكذلك نحن الكبار. دائماً أفكر في كيفية إطعام الأطفال، وهذا القلق يرافقني طوال اليوم. حتى حين يتوفر بعض الأرز مثلاً، فلا يتوفر ما يكفي من المياه النظيفة لطهيه، آخر مرة طهوت فيها الأرز كانت قبل حوالي ثلاثة أسابيع، وتناول كل طفل أربع ملاعق كبيرة".
"أطفالي نسوا طعم الحليب واللحم والدجاج. ولا مجال للتفكير في الخبز. يخرجون كل يوم مع زوجي للبحث عن الطعام، وإحضار بعض علب البسكويت والحلاوة الطحينية؛ لأن هذا هو ما يوزعونه".
حسب المتحدثة: "ابن أخي البالغ من العمر أربعة أشهر، ووالدته لا حيلة لها. قبل الحرب على قطاع غزة، كان يرضع طبيعياً ويحصل على الحليب الصناعي أيضاً. وهي الآن لا يمكنها الحصول على الحليب الصناعي على الإطلاق، ولأنها هي نفسها لا تشرب أو تأكل ما يكفي بسبب نقص الماء والغذاء، وخاصة الأطعمة المغذية مثل الفواكه والخضراوات، توقف جسمها عن إنتاج الحليب".
لذلك تضيف: "يشعر الطفل بالجوع باستمرار ويبكي. ويحاول أطفالي تهدئته، لكن دون جدوى. فهو جائع ويحتاج إلى الأكل". و"والداي بقيا في شمال قطاع غزة، ولا أستطيع التواصل معهم. وأتساءل باستمرار إن كان لديهم ما يكفي من الطعام أم لا".
عائلات تعيش على "بسكويت"
في شهادة أخرى أوردتها صحيفة "هآرتس": "قبل الحرب على قطاع غزة، كنت أعيش مع عائلتي في منزل ببيت لاهيا. كنت أعمل اختصاصية اجتماعية. وحين اندلعت الحرب انتقلنا إلى خان يونس، إلى منزل أحد أقاربنا، لأنه كان آمناً، وكنا نخبز الخبز، وكان يتوفر لدينا الزعتر وزيت الزيتون أيضاً. ولكن بعد الهدنة، لم يعد الوضع آمناً في خان يونس وانتقلنا مرة أخرى إلى رفح. ونحن في مدرسة ابتدائية تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإعادة اللاجئين، وليس لدينا مطبخ هنا.
كما قالت: "وأنا أم لأربعة أطفال، وأشعر بقلق بالغ عليهم، لأن الطعام غير متوفر. مرة واحدة في اليوم يوزعون بسكويت التمر، لكنه قليل جداً ولا يكفي جميع أفراد الأسرة. وقبل أيام قليلة، استيقظ أحد الأطفال في الليل وقال لي: "أمي، أنا جوعان"، وهذا حطمني. هناك أمهات حولي مثلي تماماً. هذا هو حالنا".
أضافت: "وطلبت من زوجي أن يجد لنا طعاماً، لأن الأموال التي كانت لدينا نفدت. فسار لأميال في رفح، وكان معرضاً لأن تسقط عليه قنبلة في أي لحظة، وعاد ومعه بطاطس وبصل وخبز وكيس عدس، وحين سألته من أين حصل على هذه الأشياء، أتعرف بم أجابني؟ أخذها من أنقاض منزل تعرض للقصف".
"وحتى حين أحضر هذا الطعام، لم تتوفر وسيلة لطهيه. وهذا يبعث على الإحباط لأنه في نهاية المطاف، تحتاج إلى مكان وأدوات طهي. وفي النهاية، استعرت من عائلة نازحة قدراً صغيراً كان لديهم، وطهوت الطعام على نار محدودة في الخارج. وأكل الأطفال، ولم آكل أنا وزوجي. واحتفظنا بما تبقى لليوم التالي. ولم أخبر الأطفال من أين حصلنا على العدس والبطاطس".
"الناس تستجدي الطعام في قطاع غزة"
في شهادة أخرى تقول: "أعيش في رفح وأتطوع في جمعية محلية تساعد العائلات والمحتاجين. وفي هذا الوقت، وبسبب محنة النازحين نركز بشكل أساسي على توزيع المواد الغذائية".
كما تضيف أنه في جنوب قطاع غزة، وخاصة في رفح، تقدم الأونروا المساعدة للعائلات المدرجة في قائمة استحقاق المساعدة، وأي عائلة نازحة ترغب في الحصول على هذه المساعدة عليها التسجيل في إحدى المدارس التابعة للمنظمة في رفح، "وهي عملية تستغرق أحياناً يومين كاملين والناس تقف في الصف وتنتظر، والقائمة يُضاف إليها أسماء باستمرار وتتغير أيضاً مراكز توزيع المواد الغذائية".
"لكن الكثير من العائلات تشتد بها الحاجة، أطفال ونساء وشيوخ، وهذه المساعدات لا تكفي الجميع. وهنا يأتي دور مساعداتنا: نطهو الطعام في أوعية ضخمة، عدس أو شوربة فاصوليا بيضاء، ونوزعها على العائلات"، تقول المواطنة الفلسطينية.
"في بداية الحرب كان الوضع أفضل. كنا نتمكن من تعبئة الحصص وتوزيعها. لكن الناس الآن ينتظرون في طوابير للحصول على الطعام. وتظهر عليهم علامات إعياء شديد".
"كل يوم أخشى ألا يكون الطعام الذي نعده كافياً. يحدث ذلك أحياناً، ينفد الطعام وأطفال لا يزالون واقفين ينتظرون. قبل بضعة أيام، جاء أب إلى مركزنا ومعه ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و8 سنوات، وطفل صغير بين ذراعيه. طلب منا الطعام بعد أن انتهينا بالفعل من التوزيع. رجل لديه أطفال يتوسل الطعام، أعطيته حصتي ورحلوا. وبقيت جائعاً، لكنني ساعدتهم على الأقل".