خلال الأيام الماضية، انتشر فيديو من بيت حانون بقطاع غزة يتضمن العديد من الأشلاء والجثث المتحللة، جراء القصف المتواصل للاحتلال الإسرائيلي، واستهدافه قطاع الصحة، ما زاد من صعوبة دفن الشهداء في القطاع.
وحسب وكالة الأناضول بقيت هذه الجثث في شوارع المخيم منذ 27 أكتوبر/تشرين الأول، بالإضافة إلى العديد من الجثث الأخرى التي نهشتها الكلاب، بسبب صعوبة وصول الإسعافات إلى المخيم، بسبب استهدافها من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.
هذه الأخيرة تتسبب في انتقال العديد من الأمراض، بسبب انتقالها في الهواء والماء، اللذين يعتبران المصدر الأساسي للحياة.
الجثامين المتحللة والأمراض الناجمة عنها
رغم أن الجثث لا تشكل خطراً صحياً على صحة الإنسان مثل الأوبئة والأمراض الخطيرة المعدية، لكنها قد تصبح كذلك في حال عدم وجود الخدمات الصحية ورعاية الموظفين المختصين في دفن الموتى.
فبعدما دمر الاحتلال الإسرائيلي قطاع الصحة وخدمات الرعاية والبنية التحتية في قطاع غزة لتبقى الجثث ملقاة على الأرض، تنتظر من يواريها لمثواها الأخير.
أول الأشخاص الذين قد يعانون من الأمراض خطيرة من الجثث هم عمال الإنقاذ وعمال المشرحة وكل ما له علاقة مباشرة معها، إذ يتعرضون لخطر الإصابة بمرض السل والتهاب الكبد من الفئتين B وC، بالإضافة إلى الإصابة بالإسهال الذي قد يسبب جفاف الجسم في حال عدم علاجه.
يمكن للعمال التقليل من إمكانية الإصابة بها في حال توخوا الحذر اللازم، مثل لبس القفازين وارتداء الأحذية والكمامات وغسل اليدين بانتظام.
قد يكون خطر التعامل المباشر مع الجثث شديداً في حال كانت إحداها مصابة ببعض الأمراض المعدية التي قد تنتقل عبر الدم مثل الإيدز "السيدا".
تلوث الماء عبر تحلل الجثث والأمراض الناجمة عنه
في سياق ملحمة الدمار التي تشهدها غزة، يشكل انتشار الأمراض وتلوّث المياه تحديات صحية خطيرة. يظهر أن مياه الأمطار، بدلاً من أن تكون نعمة، تصبح مصدراً للقلق حين تقوم بغسل سوائل الجسم والملوثات من الجثث.
هذا الأمر يسفر عن تلوث مصادر المياه التي يعتمد عليها الأفراد للشرب والطهي والاستحمام، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض، خاصةً الإسهال.
في ظل الوضع الراهن في غزة، يسهم مزيج من الأعداد المتزايدة للجثث المتحللة، ونقص المياه الحاد، وتقليل خدمات النظافة والصرف الصحي، وغياب الرعاية الطبية في زيادة مخاطر مرض الكوليرا. هذا المرض، الذي يتميز بأعراض الإسهال، يشكّل تحدياً صحياً حقيقياً.
من جهة أخرى، يظهر أن الجثث غير المدفونة تمثل مصدراً جذاباً للنواقل، مثل الحشرات والقوارض، القادرة على نقل الكائنات الحية المسببة للأمراض. هذه النواقل يمكن أن تسهم في نشر العدوى، مما يزيد من انتشار المشاكل الصحية.
علاوة على ذلك، يظهر أن الملوثات المحمولة جواً، والتي تتكون من الغازات والجسيمات المتحللة، يمكن أن تنتقل عبر الهواء، مما يسبب مشاكل في الجهاز التنفسي للأفراد في المناطق المجاورة.
وفي سياق آخر، يمكن أن تؤثر رؤية ورائحة الجثث غير المدفونة على الصحة العقلية للمجتمعات، مما يسبب صدمات نفسية تتطلب اهتماماً فورياً.
يظهر أيضاً أن أمراض الإسهال تنتج عن العدوى بسبب الجراثيم أو الفيروسات أو الطفيليات، والتي تنتقل بشكل رئيسي عبر المياه الملوثة بالبراز. هذا يبرز أهمية توفر المياه النقية للشرب والطهي والتنظيف. ويشير التقرير إلى أن الفيروس العجلي والإشريكية هما الأكثر انتشاراً وأهم مسببات لأمراض الإسهال.
النظام البيئي ومنظمة الصحة
حسب تحذير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في 18 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم حول وضع صحي يشكل كارثة في قطاع غزة، حيث ما زالت الجثث متناثرة في الشوارع وتحت أنقاض المباني التي دمرها الهجوم الإسرائيلي.
أشارت المنظمة الحقوقية إلى خطر انتشار أمراض، مثل الكوليرا واضطرابات الجهاز المناعي في جميع أنحاء القطاع.
وفي جنيف، أكدت المنظمة الحقوقية أن قطاع غزة يعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية الضرورية للبحث عن الجثث تحت الأنقاض. يعود ذلك إلى نقص الآليات والمعدات الثقيلة الضرورية لفرق الإنقاذ والدفاع المدني، وكذلك إلى شلل سيارات الإسعاف والفرق الطبية.
ومع انقطاع التيار الكهربائي، يصبح من الصعب وضع الجثث في المشرحة، مما يؤدي إلى عمليات دفن غير لائقة، يُظهر "التحلل العلني" للجثث لفترات طويلة أنه يمكن نقل أمراض خطيرة مثل الفيروسات المنقولة بالدم والسل.
فيما أكد المرصد الأورومتوسطي أن التهابات الجهاز الهضمي، مثل الكوليرا، يمكن أن تنتشر بسهولة من خلال الاتصال المباشر مع الجثث التي يتسرب منها البراز أو الملابس المتسخة أو الأدوات أو المركبات الملوثة.
تحذر المنظمة أيضاً من أن الدفن غير السليم والدفن العشوائي في المقابر الجماعية قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض مختلفة مثل الكوليرا، وذلك بسبب وجود الجثث بالقرب من مصادر المياه أو فيها، ما يتسبب في تلوث المياه وزيادة انتشار الأمراض المميتة مثل السل.