عاش الفلسطينيون الذين اعتقلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي من حي الزيتون شرقي مدينة غزة ليالي طويلة وقاسية، جراء التعذيب الذي تعرضوا له على أيدي الجنود خلال فترة اعتقالهم؛ إذ روى بعض ممن أفرج عنهم مؤخراً، في حوارات منفصلة مع وكالة الأناضول، فصول التعذيب الذي تعرضوا له خلال الاعتقال من "الضرب المبرح، والصعقات الكهربائية، والتعليق من الأرجل لساعات طويلة"، فضلاً عن "التهديد والترهيب".
كما حرم المعتقلون، وفق شهاداتهم، من النوم والطعام، حيث كان الجنود يقدمون لهم الخبز الفاسد والمتعفن، فيما بدت على هؤلاء الفلسطينيين ملامح الإعياء الشديد جراء التعذيب والضرب الذي تعرضوا له خلال فترة الاعتقال، قائلين إنهم "لم يتخيلوه يوماً".
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ هجمات واسعة على جميع مناطق قطاع غزة جواً وبراً وبحراً، منذ بداية عدوانه المدمر في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وخلّفت الحرب الإسرائيلية والمتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ضد قطاع غزة، حتى الثلاثاء، 20 ألفاً و915 شهيداً و54 ألفاً و918 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.
لحظات مخيفة
يقول الفلسطيني جهاد ياسين (43 عاماً)، المفرج عنه حديثاً، إن لحظات الاعتقال الأولى كانت "وحشية ومخيفة" وأضاف إن جيش الاحتلال اعتقله لمدة "11 يوماً، تعرض خلالها للتعذيب بالصعقات الكهربائية".
وأوضح أنه أمضى أوقاته، خلال فترة الاعتقال "مقيداً ومكبلاً ويواجه أقسى أنواع التعذيب التي ما زالت أثارها على جسده حتى هذه اللحظة".
كما ذكر أنه من لحظة الاعتقال شرع الجيش بـ"عصب أعين المعتقلين واقتيادهم إلى مناطق مجهولة، حيث أبقوا عليهم مكبلي الأيدي والأرجل لمدة يومين كاملين، دون طعام".
وأوضح أن الجيش "رشّ على أجسادهم موادّ غريبة، وغير مألوفة بالنسبة لهم، وهو ما جعلهم فريسة للحشرات"، واستكمل قائلاً: "كانوا ينقلوننا إلى أماكن متعددة، لم نكن نعلم أين هي هذه الأماكن، ثم تركونا عراة في البرد والهواء".
"بلا نوم.. وطعام متعفن"
وعن ظروف الاعتقال، قال ياسين إن المعتقلين لم يعرفوا النوم بسبب التعذيب الذي كانوا يتعرضون له، خاصة الصعق الكهربائي، وأضاف أنه في أفضل الحالات يمكن للمعتقل النوم بضع ساعات فقط، ليتم إيقاظه من قبل الجنود ما بين الساعة 4-6 فجراً، حيث كانوا يتركوننا جالسين أرضاً على رُكبنا منذ ذلك الوقت وحتى الساعة 12 بعد منتصف الليل".
وفيما يتعلق بالطعام، قال ياسين إن الجنود كانوا يقدمون للمعتقلين طعاماً سيئاً للغاية، وتظهر عليه علامات العفن.
كما أجبر الجيش، بحسب ياسين، المعتقلين على "تناول أقراص دواء كانت تسبب لهم الهلوسة"، وقال عن ذلك: "ما زلت أعاني من أثر تلك الحبوب من صداع ودوار، إلى جانب الكدمات نتيجة الضرب المبرح".
وأشار إلى أنه ما زال "يجهل مصير عائلته الموجودة في مدينة غزة حتى هذه اللحظة، ويخشى أن يكونوا قد تعرضوا لأي أذى".
الشاب محمود العالول، أفرج عنه مؤخراً حيث اعتقل من حي الزيتون شرقي مدينة غزة، يتفق مع سابقه قائلاً: "كان الجنود يحضرون لكل معتقل 3 أرغفة من الخبز الفاسد، ويتركونها أمامه وهو مقيد لتناولها، لكنهم لم يكونوا يستطيعون التقاطها".
وتابع، أنه عانى من الجوع خلال فترة الاعتقال لمدة أسبوع كامل، حيث كان يرفض "الأكل"، كونه فاسداً، وأشار إلى أن الجيش كان يرفض "فك قيود اليدين والقدمين عند دخول المعتقلين لدورات المياه".
ضرب مبرح
وحول ظروف الاعتقال، قال العالول، إنه وباقي المعتقلين "تعرضوا لضرب إسرائيلي مبرح"، وأضاف: "في بداية الاعتقال تركنا الجيش لمدة 6 ساعات مقيدي الأيدي خلف ظهورنا وجالسين على ركبنا".
وتابع العالول: "اقتادنا الجيش في الساعة السادسة فجراً، مشياً على الأقدام لمسافة طويلة، ثم انهال علينا الجنود ضرباً في منطقة الساحة شرقي مدينة غزة"، كما أوضح أن الجيش اقتادهم بشكل متوالٍ إلى منطقتين داخل إسرائيل، في مدة زمنية لا تقل عن 6 ساعات.
وبيّن أن جنود الاحتلال الإسرائيلي كانوا "ينهالون بالضرب المبرح على كل من لم يكن يحفظ رقم هويته"، لافتاً إلى أنهم كانوا يركزون في "ضربهم بالهراوات على الرأس".
إلى جانب ذلك، فإن حديث المعتقلين مع بعضهم، كان يعرضهم للتعذيب والتعليق من الأرجل لساعات متواصلة، وفق العالول.
🔻 مقطع نشره جيش الاحتلال من التنكيل بالمدنيين في ملعب اليرموك شمال قطاع #غزة pic.twitter.com/N8AfBL65Aw
— المرصد العسكري ⧨ (@Military_OSTX) December 25, 2023
هجوم مفاجئ
الفلسطينية حنان عودة، إحدى النازحات من حي الزيتون، تقول إن جيش الاحتلال الإسرائيلي انقضّ عليهم بشكل مفاجئ بعد ساعات الفجر، وبدأ بتجريف منزلهم بالقاطنين فيه. وأضافت للأناضول: "ألقى الجيش تجاهنا العديد من القذائف صوب المنزل، حتى شعرنا بأن المنزل سيهدم على كل من فيه".
حينها، بدأ الأطفال والنساء بالصراخ، ليتحدث إليهم الجيش ويطلب منهم الخروج من المنزل واحداً تلو الآخر.
وأوضحت أن الاحتلال منعهم من اصطحاب أية "حقائب أو أكياس معهم"، فيما عمل على فصل النساء والأطفال عن الرجال في وقت لاحق.
وذكرت أنهم أجبروا الرجال على خلع ملابسهم وسط برودة الجو آنذاك، واقتادهم بعد مصادرة هوياتهم وهواتفهم وأموالهم إلى خارج المنزل".
واستكملت قائلة: "بعدها سمعنا أصوات إطلاق نيران، وبعدها لم نعرف شيئاً عن مصير الرجال".
وأشارت إلى أن الجيش كان يعتقل الأطفال أيضاً، حيث اعتقل أحد أطفالها (16 عاماً)، قائلة إنها حينما حاولت الاعتراض "وجّه الجندي سلاحه الرشاش باتجاهها في تهديد واضح بقتلها".
نزوح قسري
وتقول عودة إن جيش الاحتلال أجبر النساء والأطفال على النزوح إلى المناطق الجنوبية من قطاع غزة، حيث اقتادهم إلى منطقة رملية خالية، وسلمهم رايات بيضاء، وطلب منهم التوجه نحو الجنوب.
وأضافت عن ذلك: "قام الجيش وقتها بوضع عصائب العينين لكل الموجودات في المكان، ونقلنا إلى دوار الكويت في شارع صلاح الدين جنوب شرقي مدينة غزة على مقربة من الحاجز الذي يفصل مدينة غزة عن الجنوب؛ وكانت هناك آليات عسكرية إسرائيلية وجرافات".
وبينت أن أحد الجنود الموجودين على الحاجز اختار عدداً من النساء بشكل عشوائي، وأدخلهن للتحقيق، فيما طلب من الأخريات مغادرة المكان بسرعة.
فيما أخلى سبيلهن في ساعات الليل المتأخر ووسط أجواء مرعبة تتخللها أصوات القصف وإطلاق النيران، وفق قولها.
وفي ختام حديثها، قالت إن الاحتلال أفرج عن زوجها الذي اعتقله في تلك الأحداث بينما ما زالت تجهل مصير طفلها، وتابعت: "زوجي كان يعاني من عدة أمراض قبل الحرب، وتعرضه خلال الاعتقال لتعذيب وحشي أدى لمفاقمة أوضاعه الصحية، حيث يرقد الآن في مستشفى شهداء الأقصى (وسط القطاع)".
ومنذ 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية توغل بري بقطاع غزة، بدأت بمنطقة الشمال، قبل أن تتوسع إلى وسط وجنوب القطاع، وسط مقاومة من حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية المسلحة.