خلال سنة 2023 شهد العالم كوارث طبيعية خلفت وراءها آلاف الضحايا في مختلف أنحاء العالم، ففي عالم مليء بالتحديات والمفاجآت، تظل الكوارث الطبيعية محوراً هاماً يلفت الأنظار نحو قدرة الطبيعة على تشكيل وجه الأرض.
تتنوع الكوارث الطبيعية بين الزلازل الهائلة والأعاصير المدمرة، ومن جهة أخرى تأخذنا الفيضانات والجفاف في رحلة عبر معاناة الإنسان وتكاليفها البيئية. يتساءل الباحثون والعلماء حول العالم، كيف يمكن للبشر أن يتكيفوا ويستجيبوا لتلك الكوارث بطريقة فعّالة، محاولين في الوقت نفسه تقديم توقعات دقيقة للمساعدة في تقليل تداول الأضرار.
من بين الكوارث الطبيعية التي شهدها العالم خلال 2023 نجد:
كوارث طبيعية.. زلزال تركيا وسوريا
في صباح يوم 6 فبراير/شباط 2023، تعرضت منطقة جنوب تركيا إلى هزتين زلزاليتين هائلتين، هزمتا الأرض وتركتا وراءهما آثار الدمار والفاجعة.
الزلزال الأول، الذي وقع في تمام الساعة 4:17 صباحاً بالتوقيت المحلي، كانت قوته الهائلة تصل إلى 7.8 درجة على مقياس ريختر، وكان مركزه غرب مدينة غازي عنتاب. مع تأثيره الواسع، امتدت آثار هذا الزلزال إلى الأراضي السورية؛ نتيجة لقرب مركزه من الحدود السورية التركية، جعله من بين أعنف الزلازل التي شهدتها تركيا وسوريا على مر العصور.
لكن لم تكتفِ الكوارث بزلزال واحد، فقبل أن يمرَ تسع ساعات فقط، في تمام الساعة 13:24 ظهراً، شهدت المنطقة هزة أخرى بقوة 7.5 درجات في منطقة إيكين أوزو بالقربِ من مدينة كهرمان مرعش. هذه الضربات المتتالية خلّفت خسائر جسيمة، حيث بلغ عدد القتلى أكثر من 51 ألف شخص، وتسببت في إصابة 120 ألفاً آخرين، بالإضافة إلى الأضرار المادية الفادحة في كل من تركيا وسوريا.
وفقاً للإحصائيات الرسمية الأخيرة، تجاوز عدد القتلى حاجز الخمسين ألفاً في تركيا وسوريا؛ نتيجة لتلك الكارثة، حيث أعلنت تركيا ارتفاع عدد الوفيات على أراضيها. أفادت إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد" بارتفاع عدد القتلى إلى 44.218 شخص، بينما بلغ عدد القتلى في سوريا 5.914 شخصاً. هذه الأرقام المأساوية تجسد حجم الكارثة وتحمل في طياتها تحديات كبيرة لعمليات الإنقاذ والإغاثة.
مع الطرق المدمرة والعواصف الشتوية وانقطاع الاتصالات، تواجه فرق الإنقاذ والإغاثة تحديات هائلة في جهودها. ورغم ذلك، استجابت رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ بشكل سريع، حيث شارك في العمليات أكثر من 60 ألف فرد، بالإضافة إلى 5 آلاف منقذ ومسعف، و30 ألف متطوع. بالإضافة إلى ذلك، انضم أكثر من 141 ألف شخص من 94 دولة إلى جهود الإنقاذ بعد الدعوة التي وجهتها تركيا للمساعدة الدولية.
فيضانات 2023
منذ بداية يوليو/تموز 2023، اجتاح إعصار دوكسوري شمال شرق الصين، مخلفاً وراءه سلسلة من الكوارث الطبيعية الضخمة. لم تكتفِ الأمطار الغزيرة والأعاصير بالتسبب في فيضانات قياسية في 16 مدينة على الأقل ومقاطعة في المنطقة، بل شهدت بكين أشد هطول للأمطار منذ قرابة قرن ونصف.
من دون توقف، استمرت الأمطار الغزيرة والأعاصير في التسبب في انهيارات طينية وفيضانات مفاجئة عبر جميع أنحاء الصين خلال شهر أغسطس/آب الماضي. كانت هذه الكوارث الطبيعية مدمرة للغاية، متسببة في خسائر فادحة بالممتلكات والأرواح.
في هاييتي، عاشت سبع من المقاطعات العشر في البلاد أوقاتاً صعبة نتيجة للطقس المضطرب، حيث تسبب في نزوح أكثر من 13 ألف شخص خلال يونيو/حزيران 2023. بلدان أخرى أيضاً لم تسلم من الكوارث، حيث شهدت فيضانات كبيرة ناتجة عن ارتفاع منسوب ثلاثة أنهار، أودت بحياة أكثر من 50 شخصاً.
تظهر الفيضانات كواقع مرير في مختلف أنحاء العالم خلال عام 2023، حيث شهدت دول مثل البرازيل وغانا والهند والمملكة المتحدة وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والإكوادور والكونغو الديمقراطية وموزمبيق وزامبيا حوادث فيضانات متكررة، تركت خلفها تحديات ضخمة للسكان والسلطات المعنية.
زلزال المغرب "الحوز"
في 8 سبتمبر/أيلول 2023، هز زلزال بقوة 6.8 درجة على مقياس ريختر إقليم الحوز بجهة مراكش آسفي بالمغرب، مما أسفر عن كارثة طبيعية خطيرة. وقعت الهزات في تمام الساعة 23:11 بالتوقيت الصيفي بالمغرب، وكان مركز الزلزال قرب جماعة إغيل على بعد 71.8 كم جنوب غرب مراكش، على عمق 18.5 كم، ناتجاً عن صدع مائل ضحل تحت سلسلة جبال الأطلس الكبير.
الحصيلة البشرية لهذا الزلزال كانت مأساوية، حيث فقد حياتهم أكثر من 2900 شخص، وأصيب 5500 آخرين، معظمهم في إقليم الحوز وتارودانت وشيشاوة. تعرضت العديد من المباني والمعالم التاريخية في مدن مراكش وتارودانت وأكادير وورزازات لأضرار جسيمة.
بات هذا الزلزال، الملقب بـ "زلزال الحوز"، الأكثر دموية في تاريخ المغرب الحديث منذ عام 1960 على الأقل، وكان ثاني أكثر الزلازل فتكاً على مستوى العالم في سنة 2023 بعد زلزال تركيا وسوريا. قدّرت منظمة الصحة العالمية أن حوالي 300 ألف شخص في مراكش والمناطق المحيطة تأثروا جراء هذه الكارثة الطبيعية.
في أعقاب الزلزال، قدمت العديد من الدول مساعدات إنسانية، وأعلن المغرب الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام بمرسوم من الملك محمد السادس، مع تنكيس الأعلام تعبيراً عن الحزن والتضامن في وجه هذه الفاجعة الوطنية.
إعصار دانيال ليبيا
منذ بداية سبتمبر/أيلول 2023، عاصفة دانيال، المعروفة أيضاً باسم إعصار دانيال، أثارت موجة من الدمار والفوضى في مناطق عدة حول البحر الأبيض المتوسط، مما يجعلها واحدة من أكثر الأعاصير فتكاً وتأثيراً في تاريخ المنطقة.
تشكلت العاصفة كنظام ضغط منخفض في سبتمبر/أيلول 2023، وبدأت بتأثير اليونان وبلغاريا وتركيا، حيث سببت فيضانات واسعة النطاق. تطورت العاصفة لاحقاً إلى منخفض في البحر الأبيض المتوسط، وحملت اسم دانيال، حيث اكتسبت خصائص شبه استوائية وتحركت نحو سواحل ليبيا.
في ليبيا، أوقعت العاصفة فيضانات كارثية، أدت إلى انهيار سدين بالقرب من مدينة درنة وتسببت في سيول فاضحة، أسفرت عن فقدان أرواح أكثر من 4.000 شخص، وفقاً لإحصائيات حتى 17 سبتمبر/أيلول. تأثرت ليبيا بشكل كبير بسبب حالتها الاقتصادية الهشة بعد الحرب الأهلية، مما أدى إلى تدهور البنية التحتية وتعزيز الأثر الكارثي للعاصفة.
في اليونان، سببت الأمطار الغزيرة في فيضانات أسفرت عن خسائر مالية تقدر بملياري يورو، مما جعلها الأعلى تكلفة في تاريخ البلاد. وفي أعقاب هذه الكارثة، تعهدت عدة دول على طول البحر الأبيض المتوسط بتقديم المساعدات للدول المتضررة، مظهرة بذلك التضامن الدولي في مواجهة الكوارث الطبيعية.
حرائق الجزائر
شهدت ولايتا بجاية وتيزي وزو في الجزائر حدوث حرائق ضخمة يوم الجمعة الموافق 15 من سبتمبر/أيلول، حيث اندلعت النيران في غابات المنطقة، مما أسفر عن جهود كبيرة لإخمادها ومنع امتدادها إلى مناطق أخرى.
ووفقاً لبيان صادر عن الدفاع المدني الجزائري، اندلع حريق في غابة مهوي قرب مدينة تيشي، وآخر في غابة عش الباز بولاية بجاية، وثالث في غابة قرية إيغداسن بولاية تيزي وزو. إذ اضطر الدفاع المدني لإطفاء هذه الحرائق وإجلاء سكان المناطق المتأثرة كإجراء احترازي لتفادي الخسائر البشرية.
شهدت المنطقة تدخلاً سريعاً من وحدات الإطفاء وفرق الإنقاذ من ولايات برج بوعريريج وسطيف والبويرة وكذلك من العاصمة. وشاركت مروحيات الإسعاف الجوي في جهود إخماد الحرائق، دون تقديم معلومات حول سقوط ضحايا.
تأتي هذه الحرائق بعد أشهر قليلة من وقوع حرائق هائلة في نفس المناطق في يوليو/تموز الماضي، أسفرت عن وفاة 34 شخصاً وتدمير مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية.
تشهد مناطق شمال الجزائر وشرقها سنوياً حرائق غابات، ويُرجع تفاقم هذه الظاهرة إلى تأثيرات التغير المناخي، حيث يزيد الجفاف والحرارة الشديدة من انتشار هذه الكوارث البيئية.
زلزال هرات أفغانستان
في أحدث زلزال مدمر ضرب مدينة هرات في أفغانستان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تم تسجيل أكثر من 2445 حالة وفاة وأكثر من 2000 إصابة، وفقاً لتقارير وزارة الكوارث في البلاد. كما أعلنت الهلال الأحمر الأفغاني عن وفاة ما لا يقل عن 500 شخص.
الزلزال، الذي كانت قوته 6.3 درجة على مقياس ريختر، تسبب في تدمير أو إصابة أكثر من 1320 منزلاً، خاصة تلك المبنية من الطين.
تأثرت مناطق مجاورة أيضاً، حيث دمرت قرى في مقاطعات زندا جان وغوريان. وتعرضت المآذن في هرات لأضرار كبيرة. يشير تقرير حكومي إيراني إلى وقوع إصابة واحدة وأضرار طفيفة في تايباد.
الزلزال أظهر ضرورة تعزيز استعداد المنطقة لمواجهة الزلازل، مع التركيز على استخدام التجارب السابقة لتقليل الأضرار في المستقبل. يستمر الجهد الدولي في تقديم المساعدة للمتضررين، وتسليط الضوء على أهمية الاستعداد للكوارث الطبيعية.