كشف تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، نشر الأحد 24 ديسمبر/كانون الأول 2023، عن نشاط غير قانوني لمنصة التمويل الجماعي الإسرائيلية IsraelGives، الموجهة للمقيمين في الولايات المتحدة والمتمثل في تقديم أموال تقدر بملايين الدولارات للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة وهو الأمر الذي يخالف القوانين الأمريكية.
وفق تقرير الصحيفة البريطانية، فإن هذه التبرعات شملت تمويل المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، وتعزيز جماعات المستوطنين شبه العسكرية، ودعم قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي العاملة حالياً في غزة والضفة الغربية المحتلة.
مخالفة للقوانين
على الرغم من أن خبراء قانونيين قالوا إن بعض هذه الحملات ربما يكون مخالفاً لقوانين الضرائب الأمريكية، فإن هذه القوانين نادراً ما تُفرض على المانحين الداعمين لإسرائيل.
تحدثت تقارير سابقة عن التبرعات التي قدَّمها أفراد ميسورون ومنظمات أمريكية غير ربحية للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، إلا أن منصة التمويل الجماعي IsraelGives تختلف عن ذلك بكونها مرتبطة بشبكة دولية من المنظمات غير الربحية، ومن ثم فهي تتيح لجهات مانحة صغيرة في الولايات المتحدة وخارجها بأن تطالب بإعفاءات ضريبية على التبرعات الموجهة للحروب الإسرائيلية والاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
يأتي الكشف عن هذه التبرعات وسط أزمة إنسانية متصاعدة في غزة تسببت فيها هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين، وفي وقت تزايدت فيه الحملات التي تطالب الحكومة الأمريكية بإنفاذ القوانين التي يفترض أنها تمنع المنظمات غير الربحية الأمريكية من تمويل المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.
مئات الحملات
تشير وثائق IsraelGives وقاعدة بيانات crunchbase للشركات، إلى أنها شركة تكنولوجيا إسرائيلية تأسست في عام 2009 على يد رائدي الأعمال الإسرائيليين جوناثان بن دور، وجوزيف غيتلر.
ترتبط شركة IsraelGives بشبكةٍ من المنظمات غير الربحية، ويُتيح هذا الارتباط تخفيضات ضريبية على التبرعات للمنظمات غير الربحية الإسرائيلية في الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأستراليا. كما أنها تدير صندوقاً للمانحين يمثل نوعاً من الكيانات غير الربحية التي لطالما تعرضت لانتقادات واسعة النطاق لأنها تستخدم في التستر على تدفقات "الأموال المشتبه فيها" التي تخصص لترويج حملات التيار اليميني السياسية والاجتماعية.
كما تستضيف الشركة حملات تمويل جماعي على عدة مواقع إلكترونية أخرى، منها موقع israelgives.org، وموقع fundme.org.il وموقعisraeltoremet.org.
عثرت صحيفة The Guardian البريطانية على 450 حملة -على الأقل- لجمع التبرعات على موقع IsraelGives. وقد بدأت نحو 204 حملات منها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتعمل هذه الحملات على جمع التبرعات لشراء المعدات والدعم اللوجستي، ويأتي من أبرز المستفيدين المذكورين جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووحدات عسكرية تابعة له، ومجموعات شبه عسكرية مرتبطة بتنظيمات إسرائيلية، منها المنظمات العاملة في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة.
فيما تشير حسابات الصحيفة البريطانية إلى أن المانحين تعهدوا بتقديم 5.3 مليون دولار لجيش الاحتلال، وميليشيات المستوطنين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وكشفت البيانات أن معظم هؤلاء المتبرعين مقيمون في الولايات المتحدة.
"'إفلات تام من العقاب"
خُصص جزء كبير من حملات جمع الأموال لدعم مستوطنة "إفرات" (جنوب بيت لحم)، ومستوطنة "تيني أوماريم" (بالقرب من الخليل)، ومستوطنة "شافي شمرون" (غرب محافظة نابلس)، ومستوطنة "حفات ماعون" (جنوب الخليل). والظاهر من البيانات أن كل جامعي التبرعات يطلبون من المانحين تمويلَ الميليشيات المرتبطة بالمستوطنات.
على سبيل المثال، تقدم "الحملة العاجلة لدعم الفريق الأمني لمستوطنة حفات ماعون" شريط فيديو يتضمن لقطات لمستوطنين مسلحين يتدربون على القتال. ويتعهد المستوطنون في مقطع الفيديو بـ"التصدي الحازم لعدونا القاسي الذي يهدد وجود اليهود في أرض إسرائيل"، و"سنبذل أقصى وسعنا لتأمين وجودنا هنا، ولتحذير أعدائنا من التعرض لنا!".
جمعت الحملة أكثر من 7700 دولار حتى الآن، واشتملت قائمة المانحين على أفراد كتبوا أنهم مقيمون في ولايات أمريكية، مثل فلوريدا وإلينوي ونيويورك وبنسلفانيا.
اتصلت صحيفة The Guardian بشركة IsraelGives لسؤالها عن احتمال تعرض مانحيها الدوليين للمساءلة القانونية، لأنهم يتبرعون لجمعيات ومستوطنات غير قانونية. وردَّ الرئيس التنفيذي للشركة جوناثان بن دور، بأن المنصة تجمع التبرعات لدعم "منظمات حقوقية ومدنية، ومشروعات معنية بتقديم المساعدات الإنسانية، وحركات تعزيز الديمقراطية، وأنشطة دينية وتعليمية؛ بعضها يساري وبعضها يميني (بعضها يهودي، وبعضها عربي)".
وأرسلت صحيفة "الغارديان" أسئلة أخرى إلى بن دور عن المزاعم بأن التبرعات لمستوطنات الضفة الغربية المحتلة لا تتوافق مع القانون الأمريكي، لكنه لم يرد.
قالت ديالا شماس، وهي محامية بارزة في "مركز الحقوق الدستورية" الأمريكي، إن التبرعات للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية -مثل (حفات ماعون)- "مخالفة للقانون الدولي، ولعلها غير قانونية كذلك في القانون الأمريكي، إلا أن المشكلة دائماً كانت تتعلق بإنفاذ هذه القوانين"، فالتبرعات "للحملات الإسرائيلية لطالما تمتعت بالإفلات التام من العقاب".