يشهد السودان حالياً أزمة إنسانية لم تحظَ بتغطية كافية مع استمرار الحرب الأهلية منذ أشهر. ويوم الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول، وقعت مدينة ود مدني تحت سيطرة ميليشيا "قوات الدعم السريع"، التي أشعل تمردها، في أبريل/نيسان، ثمانية أشهر من القتال حتى الآن في السودان.
وانسحبت القوات المسلحة السودانية، الحليفة السابقة لقوات الدعم السريع قبل أبريل/نيسان، من المدينة؛ ما أثار اتهامات بالخيانة، وترك النازحين والمنظمات الإنسانية والناشطين المؤيدين للديمقراطية المحاصرين خائفين من الوقوع ضحايا لانتقام قوات الدعم السريع.
واضطر سبعة ملايين سوداني، من أصل 45 مليون نسمة هم إجمالي عدد السكان قبل الحرب، إلى ترك منازلهم، بما في ذلك أكثر من مليون فروا إلى البلدان المجاورة، في حين خلّف القتال أكثر من 12 ألف قتيل حتى الآن. ويلقي موقع Middle East Eye البريطاني نظرة على ما حدث في السودان خلال الفترة القليلة الماضية.
كيف وصل السودان لهذه المرحلة؟
في عام 2019، أُطيِح عُمر البشير بعد فترة طويلة في الرئاسة في انقلاب عقب احتجاجات حاشدة ضد عقود من الحكم الاستبدادي. وعلى مدار العامين التاليين حاول النشطاء والسياسيون والنقابيون المؤيدون للديمقراطية صياغة مستقبل جديد للبلاد، وتشكيل حكومة جديدة بقيادة مدنية أثناء التفاوض مع الجيش القوي في البلاد، ومختلف الجماعات المتمردة المسلحة وقوات الدعم السريع، وهي منظمة شبه عسكرية تأسست في عام 2013، لكنها انبثقت من ميليشيات الجنجويد التي اكتسبت سمعة سيئة بسبب الانتهاكات العنيفة في منطقة دارفور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
لكن في عام 2021، أسقطت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع الحكومة المدنية، وصار الفريق أول عبد الفتاح البرهان الحاكم الفعلي للبلاد.
وفي مواجهة الضغوط المستمرة من الجهات الفاعلة الدولية، وحركة الشوارع التي أعيد تنشيطها والجماعات المسلحة، وافقت القوات المسلحة السودانية علناً في النهاية على خطة لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية في عام 2023.
ومع ذلك بدأت التوترات تتصاعد بالفعل بين البرهان وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، بشأن عدد من القضايا، أهمها خطة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني في غضون عامين.
وفي 15 أبريل/نيسان، بدأت قوات الدعم السريع بمهاجمة مواقع القوات المسلحة السودانية في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى في السودان؛ ما أدى إلى نشوب صراع دموي لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا.
ما الوضع الحالي في السودان؟
في الأسابيع الأخيرة دفعت قوات الدعم السريع قواتها عبر معظم أنحاء السودان، وعززت قوتها في منطقة دارفور، واستولت على أراضٍ جديدة تمتد شرقاً باتجاه العاصمة الخرطوم.
ولا يزال شرق السودان وشماله تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية، لكن سقوط ود مدني في ولاية الجزيرة بوسط البلاد يمثل ضربة كبيرة.
وقد دفع استيلاء قوات الدعم السريع على المدينة 300 ألف شخص إلى الفرار بالفعل، بينما أعلن برنامج الأغذية العالمي يوم الأربعاء، 20 ديسمبر/كانون الأول، أنه أوقف مؤقتاً المساعدات الغذائية في بعض أجزاء ولاية الجزيرة، لكن لا يزال يدعم أكثر من 800 ألف شخص في الولاية.
وكانت المدينة بمثابة قاعدة العمليات الرئيسية للعديد من المنظمات الإنسانية وآلاف النازحين من العاصمة الخرطوم، التي لا تزال غارقة في القتال. وعلى الرغم من أنَّ قوات الدعم السريع أشادت بـ"تحرير" المدينة ووعدت بحماية السكان، فإنَّ الكثيرين يخشون بشدة من انتقام المجموعة المسلحة، التي اتُّهِمَت بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ومجازر واعتداءات جنسية جماعية واغتصاب للنساء.
في يونيو/حزيران، نشر موقع Middle East Eye تقريراً عن الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، حيث قُتل 1500 شخص خلال ما يزيد قليلاً عن شهرين.
وأفاد موقع Middle East Eye أيضاً، في نوفمبر/تشرين الثاني، بأنَّ ما لا يقل عن 1300 شخص، معظمهم من المدنيين الذين ينتمون إلى قبيلة المساليت، قُتلوا في أردمتا بغرب دارفور على مدى ثلاثة أيام، الشهر الماضي، على يد قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، حيث اتهمت جماعات حقوق الإنسان المجموعة بقتل واغتصاب النساء ونهب المنازل وإحراقها.
ويؤجج كل ذلك الكارثة الإنسانية المتفاقمة بالفعل، وما وصفه المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ويليام سبيندلر، يوم الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول، بـ"أزمة النزوح القسري المتوغلة" في البلاد.
ووصفت الأمم المتحدة نظام الرعاية الصحية في البلاد بأنه "وصل بالفعل إلى أقصى نقطة ضغط ممكنة"، مع خروج أكثر من 70% من المستشفيات في المناطق المتضررة من النزاع عن الخدمة، بينما "المرافق في الولايات غير المتضررة من النزاع مُثقَلة بتدفق النازحين".
كيف تبدو الأزمة على المدى الطويل؟
حاولت الجماعات المؤيدة للديمقراطية في السودان- التي كانت تنظر بيأس إلى قتال خصميها ضد بعضهما البعض عبر أنقاض البلاد- مواصلة أنشطتها.
وقد عملت لجان المقاومة، وهي شبكة من الناشطين المؤيدين للديمقراطية، على توثيق الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية. واتهمت لجان المقاومة، يوم الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول، قوات الدعم السريع بنهب المنازل والمحلات التجارية في ود مدني، وسرقة الذهب والأموال والمركبات. وطالبت اللجان المجتمع الدولي بالتدخل لوضع حد "للانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان".
وسعى المدافعون عن حقوق المرأة في السودان بنشاط لتوثيق العنف الوحشي الذي تعرضت له العديد من النساء في البلاد في الأشهر الأخيرة.
وفي الشهر الماضي، عقد الناشطون في مجال حقوق المرأة السودانية والإفريقية اجتماعاً في كينيا، تحت عنوان "مؤتمر السلام والتضامن النسائي"، حيث لفتوا الانتباه إلى استخدام العنف الجنسي على وجه التحديد في الصراع السوداني.
وجاء في بيان صدر في أعقاب المؤتمر: "تضامناً مع نساء السودان… نلتزم بمواصلة نشاطنا ومناصرتنا لحقوق المرأة السودانية ورفاهيتها، وندعو إلى استجابة عالمية فورية ومستدامة".
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من القادة العسكريين في السودان على جانبي الصراع، ودعت الأطراف المتحاربة إلى "حماية المدنيين، ومحاسبة المسؤولين عن الفظائع والانتهاكات الأخرى، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، والتفاوض على حل للصراع".
ومع ذلك، واصلت القوى الإقليمية دعم الأطراف المختلفة في الحرب. وألقت مصر بثقلها خلف البرهان، في حين أصدرت الحكومة التي يقودها البرهان، الأسبوع الماضي، أمراً بطرد عدد من الدبلوماسيين الإماراتيين في البلاد، بسبب دعم حكومتهم لقوات الدعم السريع. وفي الوقت نفسه وافق تجمع الزعماء الأفارقة المنعقد في جيبوتي على صياغة خطة، في 9 ديسمبر/كانون الأول، لوقف إطلاق النار وإجراء محادثات سياسية.