قام جنود الاحتلال الإسرائيلي بمداهمة مستشفى في شمال غزة وتدنيس جثث القتلى بالجرافات، وسمحوا لكلب يُستخدم في العمليات العسكرية بالتهجم على رجل "معاق" على كرسي متحرك، وأطلقوا النار على العديد من الأطباء حتى بعد فحصهم، بحثاً عن صلاتهم بالمقاومة، وذلك وفقاً لشهادات أدلى بها أطباء وموظفون ومرضى لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، في تقريرها يوم السبت 23 ديسمبر/كانون الأول 2023.
الشهادات التي أدلى بها الأطباء والموظفون تتعلق بالعملية العسكرية التي استغرقت ثمانية أيام، وقام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مستشفى كمال عدوان قبل أيام، والذي يزعم الجيش أنه كان يُستخدم كمركز للقيادة والسيطرة من قبل حماس.
شهادات لأطباء في مستشفى كمال عدوان
تحدثت CNN مع اثنين من كبار الطاقم الطبي، وطبيب آخر ومريض في المستشفى، الذين قدموا شهادات مؤيدة لما حدث، وقامت CNN أيضاً بمراجعة أدلة الفيديو لبعض الادعاءات.
حيث كشف الأطباء في شهاداتهم كيفية تنفيذ جيش الاحتلال لإسرائيلي لعملية اقتحام مستشفى كمال عدوان، حيث تم استجواب الأطباء بشأن صِلاتهم بحماس، وكان الموظفون يكافحون من أجل علاج المرضى المحاصرين في الداخل.
ويزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن حماس تُخفي أسلحتها داخل وحول المؤسسات المدنية في غزة، مثل المستشفيات، وأن استهدافها ضروري، لأنه يعمل على القضاء على حماس في قطاع غزة، وفق المزاعم الإسرائيلية، لكن عملياتها كانت مثيرة للجدل، حيث تقول المنظمات الإنسانية إن المرافق الطبية في غزة أصبحت غير قادرة على تقديم الخدمات الأساسية.
ومن بين أخطر الادعاءات المتعلقة بعمليات الجيش الإسرائيلي في كمال عدوان، أنه بينما كانت القوات تغادر مجمع المستشفى استخدمت الجرافات لاستخراج الجثث التي تم دفنها مؤخراً في مقابر مؤقتة في فناء المستشفى.
وقال حسام أبو صفية، رئيس خدمات الأطفال بالمستشفى، في مقابلة عبر الهاتف يوم السبت: "حفر الجنود القبور، وسحبوا الجثث بالجرافات، ثم سحقوا الجثث بالجرافات"، "لم يسبق لي أن رأيت مثل هذا الشيء من قبل".
في حين تُظهر مقاطع الفيديو والصور التي شاركها مع CNN بقايا بشرية متحللة متناثرة في أنحاء المستشفى، وقد أيّد هذه الشهادة رئيس قسم التمريض في المستشفى، عيد صباح، وممرضة أخرى، وهي أسماء طنطيش.
الاحتلال دمَّر مستشفى كمال عدوان
تُظهر صور القمر الصناعي التي تم التقاطها في 15 ديسمبر/كانون الأول- مباشرة قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي من منطقة المستشفى- أراضي مدمَّرة خارج مجمع المستشفى. وتُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 15 ديسمبر/كانون الأول أرض المستشفى المدمرة.
وقال طنطيش لشبكة CNN: "لقد تم حرث الجثث في الفناء أمام أعيننا، طوال الوقت كنا نصرخ، ونصرخ عليهم، لكن صرخاتنا وجدت آذاناً صماء". ولم يتناول جيش الاحتلال الإسرائيلي هذه المزاعم بشكل مباشر عندما اتصلت به شبكة سي إن إن للتعليق، لكنه أقر بأنه أجرى عملية عسكرية في المستشفى. وقال في بيان لشبكة "سي إن إن"، إن "القوات ألقت القبض على 80 إرهابياً، بعضهم شاركوا في مذبحة السابع من أكتوبر الفظيعة"، على حد وصفه.
وفي وقت سابق، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي مقطع فيديو لاستجواب مدير المستشفى، ونشر بياناً مصاحباً قال فيه إنه اعترف بأنه يُستخدم لأغراض عسكرية، ولم يتضح ما إذا كان البيان قد تم انتزاعه تحت الإكراه.
ورد كل من أبو صفية، مدير طب الأطفال، وصباح، رئيسة الممرضين، بأن المستشفى يقدم الخدمات الطبية فقط، وأن المعتقلين هم من المدنيين والعاملين في المجال الطبي.
وتفقّد فلسطينيون الأضرار التي لحقت بمستشفى كمال عدوان بعد الغارة الإسرائيلية. ويبدو أن تركيز جيش الاحتلال الإسرائيلي على مستشفى كمال عدوان في شمال غزة قد بدأ مع الغارات والقصف على منطقة المستشفى، ومنذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس قام المستشفى أيضاً بإيواء وعلاج الجرحى والنازحين من المدنيين في غزة، وفقاً لصفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي وشهود عيان.
الاحتلال يهدم جدار مستشفى كمال عدوان
في اليوم التالي هدمت القوات الإسرائيلية الجدار الغربي لمجمع المستشفى، بحسب أبو صفية، الذي قال إن الجنود خاطبوا المستشفى بمكبرات الصوت، وأمروا أي رجل يحتمي بالداخل بالخروج. وقال إن ما حدث بعد ذلك كان "أبعد من الكوابيس" لأولئك الذين بقوا في المستشفى.
وبحسب أبو صفية، فقد سُمح له ولأربعة أطباء آخرين بالبقاء ورعاية 62 شخصاً في المستشفى، بما في ذلك العديد من الأطفال الرضع. وسارع إلى التحدث خوفاً من أن تنخفض إشارة الهاتف الخلوي كما يحدث غالباً في غزة هذه الأيام.
وقال إنه محاصر بالقوات الإسرائيلية، ومع تعرض أجزاء من المجمع لأضرار بالغة بسبب القصف لم تكن هناك أي رعاية يمكنه تقديمها. كان المستشفى خالياً من الطعام والماء والكهرباء والحليب للأطفال، ولم يتبقَّ منه أي دواء تقريباً.
وتتذكر الممرضة طنطيش أنها توسلت للحصول على الماء دون جدوى. وكانت القوات الإسرائيلية "على بعد نصف متر منا، وتحيط بنا في الفناء". وقالت: "لم يكن لدينا ماء، وكانت حناجرنا جافة وكنا عطشى ونتوسل إليهم فقط للحصول على كوب من الماء من الصباح حتى المساء".
وأضافت أن بعض الأطفال ماتوا أثناء العملية الإسرائيلية في المستشفى، مضيفة أن الممرضات حاولن تخفيف الحليب بمحلول ملحي في محاولة لإطعام المزيد من المرضى الصغار في المستشفى.
أسلحة مملوكة لحراس الأمن
أما بخصوص الأسلحة التي زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه قام بالحصول عليها، وأشار إلى أنها تخص حركة حماس، فبحسب أبو صفية وصباح، كانت الأسلحة التي تم تصويرها مملوكة لحراس أمن المستشفى: "رأيت بأم عيني أن الجيش طلب من الشباب المدنيين النازحين والفريق الطبي حمل أسلحة الحراسة التي تُركت في غرفة الحراسة بالمستشفى، وقاموا بتصويرهم أمامي"، بحسب أبو صفية.
كما وصف أبو صفية حوادث متعددة، زعم أن القوات الإسرائيلية تعمدت فيها تعذيب أشخاص كانوا يعلمون أنهم غير مشتبه بهم، وقال أبو صفية لشبكة CNN إن الجنود أطلقوا سراح زميله الطبيب الدكتور أيمن رجب بعد استجوابه، ثم أطلقوا عليه النار في صدره، بينما كان يحاول العودة إلى المستشفى. ونجا من إطلاق النار وعاد إلى عائلته النازحة. وأضاف أن طبيباً آخر أصيب برصاصة في ساقه، كما أصيب ابن أبو صفية برصاصة في بطنه. وردَّدت وزارة الصحة في غزة هذا الادعاء قائلةً إن خمسة معتقلين على الأقل قُتلوا برصاص قوات الجيش الإسرائيلي، بعد أن طُلب منهم العودة إلى المستشفى.
ويقول أبو صفية، وهو محاصر داخل كمال عدوان، إنه شاهد زملاءه المصابين وابنه يزحفون طول الطريق حتى وصلت إليهم سيارة إسعاف ونقلتهم إلى مستشفى آخر. وفي حالة أخرى يزعم أبو صفية أنه هو نفسه أصبح هدفاً بعد أن اتصل به الجنود في ساعات الصباح الباكر من يوم الجمعة، للاطمئنان على تحركاتهم خارج المستشفى.
وبعد أوامرهم، وجد رجلاً مسناً جريحاً ملقى على الأرض أمام المبنى، ولكن عندما حاول أبو صفية الاقتراب من الرجل، كما يقول، بدأ الجنود المراقبون بإطلاق النار. وقال: "لقد أطلقوا النار عليَّ وضحكوا وسخروا".
قال: "لقد نجوت من إطلاق النار، لكنهم اتصلوا بي مرة أخرى وطلبوا مني اصطحابه إلى الداخل مرة أخرى". وأخيراً أحضر الرجل إلى الداخل، ولكن بعد فوات الأوان. وأضاف أبو صفية أن الرجل لم يتمكن من العلاج في المستشفى بسبب نقص الإمكانات الطبية، وتوفي لاحقاً متأثراً بجراحه.
وفي حادثة أخرى تم إرسال كلاب عسكرية إسرائيلية ترتدي كاميرات إلى المستشفى للاستطلاع، بحسب أبو صفية. وقال إن أحد الكلاب "هجم" على رجل مسن على كرسي متحرك قبل أن يتم إيقافه.
"صرخ الرجل من الألم، وبكى الأطفال والنساء من هول المشهد، لم أستطع مساعدة أي شخص، وقال إن هذا المشهد كان أبعد من الكوابيس. جاء أحد جنودهم ليأخذ الكلب وكان يضحك على الرجل العجوز وما فعله الكلب به".
كما يتذكر طفل في المستشفى، كان يتلقى العلاج من كسر في ساقه، كلاباً دخلت المستشفى وهاجمت رجلاً مسناً. "الإسرائيليون يسمحون للكلاب أن تأتي وتهاجمنا، لقد عذَّبونا، كانوا يطلقون النار باتجاهنا"، وقال لشبكة CNN: "كانت الليالي مروعة، ولم نَنم قطّ منذ مجيئنا إلى هنا. لقد سمحوا للكلاب بمهاجمة رجل عجوز، لقد استمر في عضه".
ورغم الانتقادات الدولية المتزايدة من جانب بعض أقوى حلفاء إسرائيل، بشأن العدد المتزايد من المدنيين في المستشفيات وفي أي مكان آخر في غزة، فإن إسرائيل لم تغير مسارها في ملاحقتها العسكرية لحماس. وقالت منظمة أطباء بلا حدود الخيرية إن مستشفى آخر في شمال غزة، وهو مستشفى العودة، يقع تحت حصار القوات الإسرائيلية، وما زال المرضى بداخله.