“اعتدت النوم بين يدي أمي”.. أطفال غزة ممن فقدوا ذويهم بسبب القصف يعيشون معاناة مضاعفة

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/22 الساعة 21:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/22 الساعة 21:42 بتوقيت غرينتش
الاحتلال الإسرائيلي يتعمد تجويع الفلسطينيين في قطاع غزة/ رويترز

يواجه آلاف الأطفال الذين نجوا من قصف استهدف منازلهم في قطاع غزة، حقيقة جديدة باستشهاد معظم أفراد عائلاتهم، خصوصاً آباءهم وأمهاتهم، وهو ما يضاعف من معاناتهم التي تتفاقم كل يوم مع استمرار القصف العنيف للقطاع، وغياب أساسيات الحياة وقلة المواد الغذائية. 

فحين ذهب يوسف الضاوي ليحاول النوم في منزل عمته بمدينة رفح، كان يفكر في وضع رأسه بين يدي والدته، ووالده الذي كان يصحبه في نزهات، والأهم من ذلك، كان يفكر في تعلُّم السباحة مع شقيقه، محمود. كان يوسف بذلك ينقل نفسه إلى عالم بعيد لم يعد موجوداً.

إذ أسفرت القنبلة التي سقطت على منزل أسرته في جباليا عند منتصف ليل 23 أكتوبر/تشرين الأول، عن مقتل كامل أسرته، وتركت الطفل صاحب العشر سنوات عالقاً تحت الركام. واستغرق الأمر ثلاثة أيام قبل أن يستعيد وعيه فوق سرير أحد المستشفيات. 

حاول أقرباؤه الناجون تأجيل الأنباء عنه، فأخبروه بأنَّ بقية أسرته موجودون في مستشفى آخر، لكنَّهم في النهاية اضطروا إلى إخباره بأنَّهم جميعاً ماتوا.

ومنذ ذلك الحين، مكث مع أفراد مختلفين من العائلة، فكان ينتقل عندما يحين دور هذا الحي أو ذاك في القصف، وشقَّ طريقه في نهاية المطاف إلى أحد أبناء عمومته وعمته في رفح. هو الآن على الأقل في منزلٍ جديد، وليس في خيمة محلية الصنع مثل مئات آلاف الأطفال المُهجَّرين الآخرين. لكنَّ نقص الطعام هو نفسه بالنسبة للجميع، ووجود سقف يُظِلّه لا يُعوِّضه عن الوحدة.

نقلت صحيفة The Guardian البريطانية، في تقريرها الذي نشرته الجمعة 22 ديسمبر/كانون الأول 2023، عن يوسف قوله: "حين أرغب في النوم، أتذكر وأحلم بأمي ووالدي وإخوتي وهم يلعبون معي كما كنا نفعل قبل الحرب. كنتُ أنام بين يدي أمي. وكانت تحكي لي قصصاً جميلة. لكنَّني لستُ الآن كما كنتُ من قبل".

تُعَد أعداد أطفال غزة القتلى والمصابين والأيتام غير مؤكدة، لكن ما من شكٍّ في أنَّهم تحمَّلوا وطأة الحرب. وتُقدِّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" أنَّ الأطفال القُصَّر يُشكِّلون 40% على الأقل من بين 20 ألف شخص قُتِلوا حتى الآن.

من جانبه، قال جيمس إلدر، المتحدث الرئيسي باسم "اليونيسف": "حين نتحدث عن حربٍ على الأطفال، فإنَّنا لا نحاول استثارة المشاعر. بل الأمر متجذر في البيانات. ففي نزاعات الماضي (العادية)، كانت النسبة نحو 20%، بالتالي فإنَّكم تنظرون إلى ضعف نسبة الأطفال الذين قُتِلوا وأُصيبوا مقارنةً بالنزاعات السابقة".

وأضاف: "يُنبئ ذلك، بوضوح بشدة القصف وحدّته. ونعتقد أنَّه يُنبئ أيضاً بالطبيعة العشوائية للقصف، ويُنبئ باستخفافٍ بالمدنيين، لا سيما الأطفال".

فيما أدَّت الحرب إلى امتلاء أجنحة المستشفيات بالأطفال المرضى الذين يُصنَّفون على أنَّهم "أطفال مصابون فقدوا ذويهم". ويقول إلدر إنَّه نظراً إلى طبيعة العائلات الفلسطينية الممتدة، فإنَّ هنالك عادةً بعض الأقرباء الذين يستقبلون هؤلاء الأطفال الذين يعانون من الصدمة، لكن هنالك دوماً استثناءات.

وأضاف: "كانت لدينا فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً، قد خرجت للتو من منطقة حربية ما في مدينة غزة وهي مصدومة وصامتة وملطخة بالدماء، ولم يكن لها أحدٌ على الإطلاق. كم من الأطفال على هذه الحال الآن؟ ببساطة لا نعرف".

يروي طفل آخر يبلغ من العمر 14 عاماً ويُدعى كريم، كيف وعدته أمه بأنَّها ستتأكَّد من أن تبقى العائلة متقاربة تحت القصف الإسرائيلي العنيف المتواصل، حتى إذا ما حدث الأسوأ يموتون معاً على الأقل. وهو الوعد الذي نكثت به يوم 3 ديسمبر/كانون الأول، حين قُتِلَت هي ووالد كريم في قصف منزل أحد الأقرباء بحي الصبرة في مدينة غزة.

أدَّى الانفجار إلى تشويه شقيقة كريم، آية، وإصابة أخيهما، حسن، إصابة حرجة. وكان الطفل الأكبر في الأسرة، حسين، قد قُتِلَ قبل أيام حين استهدفت غارة جويةٌ المخبز الذي كان قد ذهب إليه بحثاً عن الخبز.

والآن، لم يبقَ إلا كريم وأخوه الأصغر، حسام. وقد نجوا، لكنَّهما باتا يتيمين.

يوجد الطفلان الآن في منزل إحدى عماتهما جنوبي غزة، ويتعيَّن عليهما في خضم حزنهما أن يبقيا على قيد الحياة. إذ أصبح العثور على أخشاب التدفئة والدقيق أو أي شيءٍ لتناوله معاناةً يومية. 

يعاني كريم من مرض السكري. وبعد الحرب، كان والده يخاطر تحت القصف للبحث عن الأنسولين والإبر في الصيدليات والعيادات، لكنَّه لم يعد موجوداً الآن للمساعدة في توفير الطعام، وأصبح الحصول على الأنسولين أصعب من أي وقتٍ مضى. ويعاني شقيق كريم الصغير، حسام، من تقلصات المعدة، وقد أخبرهما طبيبٌ بأنَّها بسبب شرب المياه الملوثة، لكنَّها المياه الوحيدة المتوافرة.

ولا توجد نهاية بادية لهذه الأهوال في الأفق بالنسبة لأطفال غزة. وحتى أولئك المحظوظون نسبياً -الذين لم يُصابوا ولا يزال ذووهم موجودين- في خطر متزايد من التعرُّض للأمراض والجوع والعراء مع اقتراب فصل الشتاء. ويوجد كثير منهم في خيام مؤقتة انتشرت في رفح ومناطق أخرى في الجنوب.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمرة على غزة، أسفرت عن 20 ألفاً و57 شهيداً فلسطينياً، و53 ألفاً و320 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية، وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.​​​​​​

تحميل المزيد