نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية الخميس 21 ديسمبر/كانون الأول 2023، تحقيقاً يفنِّد ادعاءات الاحتلال حول مستشفى الشفاء في غزة، ويؤكد خلو المجمع الطبي الذي هاجمه ودمره الاحتلال من أي أدلة على استخدامه من قبل حركة حماس كمركز عمليات عسكرية.
حيث قالت الصحيفة في تحقيقها إن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي بدأ في بناء قضية عامة حول مستشفى الشفاء، قبل أسابيع من إرسال قوات إلى أكبر مستشفى في قطاع غزة.
وأثار التحقيق علامات استفهام حول قدرة الاحتلال على إطلاق مجموعة من الادعاءات المحددة "على نحو مذهل"، وهي أن خمس بنايات في المستشفى كانت متورطة تورطاً مباشراً في أنشطة حماس، وأن البنايات تقف أعلى أنفاق استُخدمت عن طريق أفراد المقاومة بالحركة لشن هجماتهم الصاروخية وقيادة المقاتلين، وأن الأنفاق يمكن دخولها من داخل أجنحة المستشفى.
حيث ادعى دانيال هغاري، المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي أن هذه الادعاءات مدعومة بـ"أدلة ملموسة"، في إحاطة إعلامية قدمها في 27 أكتوبر/تشرين الأول.
بيد أن الأدلة التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية لا ترقى إلى اعتبار أن حماس كانت تستخدم المستشفى بوصفه مركزاً للقيادة والتحكم، وذلك وفقاً لتحليل أجرته صحيفة The Washington Post استناداً إلى الصور مفتوحة المصدر وصور الأقمار الصناعية، وجميع المواد التي نشرها الجيش الإسرائيلي بشكلٍ علني.
فيما يقول الخبراء القانونيون والخبراء في المجال الإنساني إن ذلك يثير تساؤلات مهمة عما إذا كان الضرر المدني الذي تسببت فيه عمليات الجيش الإسرائيلي ضد المستشفى -التي تضمنت تطويقه ومحاصرته ومداهمته في نهاية المطاف هو والنفق الكامن أسفله- كانت متناسبة مع التهديدات المقدَّرة من جانب إسرائيل.
بحسب تحليل الصحيفة، فإن الغرف المرتبطة بشبكة الأنفاق التي اكتشفتها القوات الإسرائيلية، لم تُظهر أي دليل فوري على أي استخدام عسكري عن طريق حماس، وأن بنايات المستشفى التي حددها المتحدث باسم جيش الاحتلال، لم تبدُ أيٌّ منها مرتبطة بشبكة الأنفاق، وأنه لم يكن هناك أي دليل على أن الأنفاق يمكن دخولها من داخل أجنحة المستشفى
وقبل ساعات من دخول قوات الجيش الإسرائيلي إلى مجمع المستشفى، رفعت إدارة بايدن السرية عن تقييم استخباراتي تقول فيه إنه أكد على ادعاءات إسرائيل. وفي أعقاب الغارة، لم يتزعزع موقف المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين فيما يتعلق بتصريحاتهم الأولية.
لكن تقول الصحيفة إن استهداف مجمع يضم مئات المرضى والمحتضرين وآلاف النازحين على يد حليف للولايات المتحدة، ليس له أية سابقة في العقود الأخيرة.
في الأسابيع التالية لحادث مستشفى الشفاء، تعرضت مستشفيات أخرى في غزة لهجمات بطرق تعكس ما حدث في مستشفى الشفاء، مما يجعل هذا الاعتداء غير مقصور على كونه لحظة فاصلة في الصراع، بل يجعله أيضاً دراسة حالة حيوية فيما يتعلق بالتزام إسرائيل بقوانين الحرب.
أدلة "مزعومة"
خلال احتلال الجيش الإسرائيلي لمستشفى الشفاء الذي استغرق أكثر من أسبوع، نشر عدة مجموعات من الصور والفيديوهات التي تعرض أدلة مزعومة لنشاط حماس العسكري داخل المستشفى وأسفله.
أشارت صور الأقمار الصناعية إلى أن القوات الإسرائيلية عثرت على فتحة داخل بناية صغيرة هدموها.
ولاحقاً نشر الجيش فيديوهات لقواته، وللمتحدث الرسمي هغاري، بينما يستكشفون شبكة أنفاق متصلة بالفتحة. أظهرت اللقطة نفقاً طويلاً يمتد شرقاً من الفتحة ويسير جنوباً أسفل وحدة جراحية متخصصة، واتجه جزء آخر شمالاً بعيداً عن مجمع المستشفى. ولم يكن ممكناً تحديد الوجهة الأخيرة أو المسافة النهائية لجزء النفق المتجه شمالاً، استناداً إلى هذه الفيديوهات.
قال هغاري في الفيديو: "إنها مسدودة ومغلقة. لقد عرفوا أننا سنأتي إلى هنا قبل شهر، فأغلقوها".
رسمت صحيفة The Washington Post خريطة للنفق عن طريق تحديد الموقع الجغرافي لأماكن الحفر داخل مستشفى الشفاء، وحللت الفيديوهات إطاراً تلو الآخر لتحديد اتجاهية الشبكة وطولها. ثم شابكت الصحيفة طرق النفق على الخريطة الأصلية التي نشرها جيش الدفاع الإسرائيلي في 27 أكتوبر/تشرين الأول، التي قالت إسرائيل إنها تظهر المدى الكامل للبنية التحتية للقيادة والتحكم الخاصة بحماس.
ولم تبدُ أي من البنايات الخمسة التي سلط عليها الجيش الإسرائيلي الضوء، مرتبطة بالأنفاق، ولم يصدر أي دليل يبين أن الأنفاق يمكن دخولها من داخل أجنحة المستشفى مثلما ادعى هغاري.
في أحد الأقسام أسفل بناية الجراحات، كان هناك حمامان صغيران وحوض وغرفتان خاليتان تتصل جميعها بالنفق. قال هغاري إن الغرف والنفق تحصل على الكهرباء والمياه والهواء المكيف من مستشفى الشفاء. وأوضح متحدث جيش الاحتلال أن إحدى الغرف كانت "غرفة عمليات"، مشيراً إلى تشابك الأسلاك الكهربائية على أساس أنه دليل يؤكد ادعاءاته.
لم تُظهر الغرفتان الخاليتان ذواتا البلاط الأبيض أي دليل فوري على استخدام أي منهما، سواء للقيادة والتحكم أو غير ذلك. ولم يكن هناك أي دليل على السكن فيها بأي حال، سواء بوجود القمامة أو حاويات الطعام أو الملابس أو الأغراض الشخصية الأخرى.
من جانبه، قال جيفري كورن، أستاذ القانون بجامعة تكساس التقنية ومستشار قانون الحرب في الجيش الأمريكي سابقاً: "إذا لم ينتهِ بك الحال بالعثور على ما قلت إنك سوف تعثر عليه، فإن ذلك يبرر الشك حول ما إذا كان تقييمك للقيمة العسكرية في تنفيذ العملية، مشروعاً أم لاً". وأوضح: "إنه ليس حاسماً بالتأكيد. والسؤال الجوهري هو ما إذا كان تقييم الميزة العسكرية معقولاً تحت هذه الظروف".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على غزة، خلّفت حتى الأربعاء، 20 ألف قتيل فلسطيني و52 ألفاً و600 جريح، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.
ورداً على "اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته"، شنت حركة "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هجوم "طوفان الأقصى" ضد قواعد عسكرية ومستوطنات إسرائيلية في محيط غزة.
وقتل نحو 1200 إسرائيلي وأسرت "حماس" نحو 240 بادلت 110 منهم مع إسرائيل التي تحتجز في سجونها أكثر من 7800 فلسطيني، وذلك خلال هدنة إنسانية استمرت 7 أيام وانتهت في 1 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بوساطة قطرية مصرية أمريكية.