وادي غزة من محمية طبيعية إلى مكب للنفايات.. أعداء الشجر، كيف دمرت إسرائيل الوادي؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/20 الساعة 12:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/20 الساعة 12:32 بتوقيت غرينتش

مع بداية العملية البرية طُلب من سكان شمال قطاع غزة الذهاب لجنوب وادي غزة باعتبارها منطقة آمنة، وبعيداً عن كون ذلك لم يحدث، وظلت الاستهدافات تلاحق النازحين، كان الوادي نفسه يتعرض للتدمير باستهداف الجسور التي تربط بين شمال ووسط قطاع غزة، لم يكن هذا هو التدمير الأول للوادي بل سبقته ممارسات تدميرية للوادي الذي أعلن عام 2000م كمحمية طبيعية خضراء، فيها تنوع حيوي بين أنواع من أسماك المياه العذبة وبعض الطيور النادرة، ومتنزه لأهالي غزة، ليتحول إلى مصرف للصرف الصحي ومكباً للنفايات.

غدير الجنوب

يعتبر مجرى وادي غزة على صغره وقلة مائه الأشبه بنهر النيل؛ حيث يجري باتجاه الشمال من مرتفعات الخليل ووسط النقب، يبلغ طول جداول الوادي 105كم، أغلبه يقع خارج قطاع غزة؛ حيث يكتفي منه بـ 9 كم، سجل في الوادي 126 نوعاً من الطيور 55 منها مائية و75 برياً، وأكثر من 25 نوعاً من الفراشات، و3 أنواع من الثدييات و19 نوعاً من الزواحف، وأكثر من 216 نوعاً من النباتات منهم 129 نوعاً مسجلاً.

ينبع الوادي من تجمعات الأمطار التي تهطل على مرتفعات الخليل في بلدة السموع من وادي الشعرية والرشراش، وله روافد أخرى من القدس كوادي المشاش، وأودية أخرى كالشريعة والشلالة، وقد كان يسمى قُبيل الاحتلال الإسرائيلي الجزء العلوي منه بوادي الشلالة، كما جاء في خريطة غرب فلسطين التي مسحت أراضي جنوب الشام عام 1878م.

فور حرب النكبة وهزيمة العرب، شرعت إسرائيل في التغيير الهوياتي للأراضي العربية، فتغير اسم الغدير باسميه العربيين وادي الشريعة وهو الفرع الشمالي ليسمى نهر ناحل جرار، والجنوبي وادي الشلالة لنهر ناحل بيسور.

وللوادي روافد كثيرة جداً من النقب ومن أودية أصغر وجداول، ويبلغ عرض مجرى الماء 100 متر في أوسع نقطة، ويبلغ ارتفاعه بين 70-80 متراً فوق سطح الأرض، وفي غزة تبلغ مساحة حوض المياه 58 كيلومتراً مربعاً. ويحد الوادي في غزة من الجنوب البريج والنصيرات ومن الشمال الزهراء وجحر الديك وحي الزيتون، وتقع على شرقه المغراقة.

وللوادي حضور تاريخي، طبقاً للتوراة ترك داوود عليه السلام أكثر من 200 من بني إسرائيل وهو ذاهب لقتاله العماليق، وحدث عنده نزاع بين الجنود الذين قاتلوا العماليق وانتصروا عليهم بسبب مساواة داوود بينهم وبين المتخلفين عند الوادي.

أما الحفر التاريخي فأثبت سيطرة مصرية قديمة على منطقة جنوب الشام، حيث وجدت الأواني الفخارية المصرية والعديد من الخزفيات والممهورة بالنقش الفرعوني وبالكتابة الهيروغليفية، كذا وجد العديد من الآثار لعصور أخرى منها المسيحي فيعتقد أن يوحنا النبي قد اعتزل وتنسك في منطقة الوادي.

أعداء الشجر

بين عامَي 1951-1954 ميلادياً أنهت إسرائيل بناء سد يروحام، وخلال الأعوام التالية نفذت العديد من خزانات المياه بتمويل من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة وأستراليا إلى صندوق "كيرن كييمت ليسرائيل"، الذي أنشأ العديد من السدود الرملية والخزانات المائية في المنطقة، حتى حالت دون وصول أغلب المياه إلى غزة بالكلية، ضمن الحصار المائي الذي نُفذ تجاهها.

رويداً رويداً فقد الوادي الكثير من خصوبته وتنوعه، وانخفض عدد النباتات والكائنات الحية من طيور وزواحف، إلا أن التأثير الأكبر هو ارتفاع نسبة الملوحة بسبب ترسبات المعادن من المياه العادمة، وانبعاث الروائح الكريهة منه.

بعد إعلانه محمية طبيعية منعت إسرائيل منطقة الوسطى من الحصول على أجهزة متخصصة ومحطات لمعالجة مياه الصرف الصحي في مخيمات البريج والنصيرات والمغازي، لتضطر الإدارة المحلية لمحافظة الوسطى بعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب 2005 إلى أن تُلقي بعوادم المياه من صرف صحي وزراعي في الوادي، إذ بلغت بحلول 2016 أكثر من 16 ألف متر مكعب يومياً من المياه العادمة الصادرة محافظة الوسطى. لتسيطر مياه الصرف على مدى تجاوز طوله 5 كم.

وداي الشريعة (ناحل جرار)- وادي الشلالة (ناحل هبسور "بيسور")

بلغت نسبة تلويث الوادي لبحر غزة 146ملم/السنة، وهي نسبة عالية تجعل من انتشار البكتيريا القولونية والكثير من الكائنات الدقيقة مصدراً ملوثاً للحياة البحرية في ذلك النطاق، حتى الأسماك التي طالها الأمر تعاد للاستخدام البشري محمَّلة بكثير من تلك الملوثات. كذا تتسرب الكثير من تلك المواد العضوية الصلبة إلى التربة والمياه الجوفية.

السببان الرئيسيان لهذه الكارثة البيئية هما منع تدفق المياه التي تجدد المصب في غزة من قِبل إسرائيل، والثاني هو منع تطوير وتحديث محطات معالجة مياه الصرف الصحي في غزة، وذلك بفعل الحصار المطبق على الواردات، واستخدامه كسلاح لتضييق العيش على الغزي وتحويل حياته إلى ضنك حتى يترك القطاع.

محاولات التعافي

منذ 2012 تعالت الأصوات المطالبة بتحسين ظروف الوادي لاحتمالية تحوله إلى قنبلة بيئية وكارثة على كل الأصعدة، سواء تلويث البحر، أو انتقال الأمراض المنقولة بالبعوض، أو تسرب مواد إلى المياه الجوفية، أو انتقال الأمراض المعدية كالكبد الوبائي.

لم تلقَ تلك الدعوات أذناً لتسمعها، وازداد الحال سوءاً، بل بلغ الذروة بقطع المياه تماماً من إسرائيل في بعض السنين التي تنخفض فيها الأمطار، في 2016 نشرت الوكالة الفرنسية أن الفيضانات تُغرق غزة، بسبب فتح إسرائيل سدودها، بعدها بأيام تراجعت عن ذلك، وقالت إنه لا يوجد سدّ يتحكم في مجرى المياه، والأمر صحيح، فالغزيون يشتكون من قلة منسوب المياه بشكل واضح وملحوظ كل عام مع زيادة في تدفق المياه العادمة.

بعد معركة سيف القدس 2021 خصصت بلجيكا والنرويج مبلغاً تجاوز 66 مليون دولار لتنفيذ مشروع تنظيف مجرى الوادي، ورفع المخلفات الصلبة والعضوية، على أن يلحق بخطة لتنفيذ محطات معالجة للمياه العادمة، لكي لا تلوث الوادي، واستصلاح الأراضي على جانبيه، وتبطين المجرى المائي، وأسند المشروع إلى الأمم المتحدة لتنفيذه على أكثر من مرحلة خلال عقد كامل.

احتفت العديد من المنظمات عام 2022 بنجاح المرحلة الأولى من تنظيف الوادي، برفع أكثر من 22 ألف طن من المخلّفات والترسبات من المواد العضوية، من أصل 60 ألف طن سيتم رفعها، على أن يتبع ذلك تحديث منظومة معالجة الصرف الصحي، وإعادة زرع النباتات على ضفتَي الوادي، في محاولة لاستعادة رونقه الأخضر.

بالطبع توقفت محاولات التعافي واستعادة روح المكان كمحمية طبيعية مع حرب طوفان الأقصى 2023، بل ازداد الوضع سوءاً، فلَمْ يحرم الوادي من المياه فحسب، بل مُنع أكثر من 2.3 مليون إنسان من المياه بالكلية.

تحميل المزيد