مع استهداف القنابل الإسرائيلية قطاع غزة، يضطر سكان القطاع إلى التكدس على الحدود مع شبه جزيرة سيناء المصرية في مدينة رفح، ويقولون إنه لم يعد لديهم أي مكان للفرار إليه، وقد نزح مئات الآلاف من منازلهم، ولكن مع اقتراب القصف مجدداً يخشى كثيرون من أن يكون الخيار الوحيد المتاح أمامهم للبقاء على قيد الحياة هو النزوح إلى سيناء.
لكنهم لا يريدون ذلك ويقولون إنهم إذا نزحوا إلى سيناء فقد لا يعودون أبداً، وقالت أم أسامة (55 عاماً)، وهي من شمال قطاع غزة لكنها تعيش الآن في مدينة رفح، يوم الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول 2023: "خايفة أن تصل العملية العسكرية إلى رفح، ما في أمان ولا في منطقة للأسف".
وأضافت: "بعد رفح أين نذهب؟". ورفضت أم أسامة والعديد من سكان غزة النازحين فكرة الفرار عبر الحدود إذا كانت الظروف مواتية لذلك. وقالت: "لا نريد التهجير بتاتاً، بدنا نرجع على بيوتنا وعلى ردم بيوتنا مهما كانت".
مخاوف من تهجير أهل غزة إلى سيناء
تخشى أم أسامة وغيرها من سكان غزة من تهجيرهم على غرار أسلافهم، إذ إن العديد من سكان غزة ينحدرون من نسل الفلسطينيين الذين أجبروا على الفرار من منازلهم بعد إقامة دولة إسرائيل في عام 1948.
وقالت أم عماد (73 عاماً)، والتي تعيش أيضاً في مدينة رفح: "لو خيَّروني بين أن أظل تحت القصف أو التهجير، أختار أظل… لو قيل لنا نرجع لغزة ولسه هناك ممر آمن ودبابات أرجع لغزة وأتحمل".
وفي مواجهة الهجوم الجوي الإسرائيلي المستمر منذ أسابيع ونيران الدبابات القريبة والقوات البرية التي قالت إسرائيل إنها تستهدف مطاردة مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، اضطر نحو 85% من الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، وعددهم 2.3 مليون نسمة، إلى التوجه إلى جنوب القطاع المحاصر.
وطالبت إسرائيل سكان غزة بالتوجه جنوباً؛ لتجنب الوقوع في مرمى نيرانها ضد حركة حماس. لكن الجيش الإسرائيلي يقصف المناطق الجنوبية التي فر إليها السكان أيضاً.
كان شمال غزة هو المحور الأولي للهجوم الذي شنته إسرائيل على القطاع بعد هجوم لمسلحي حماس أدى إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز 240 شخصاً، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حسبما أعلنت إسرائيل.
وتكتسب مدينة رفح في الجنوب أهمية استراتيجية، لأنها تضم المعبر الوحيد الذي يعمل حالياً في غزة وتُسلم من خلاله المساعدات والذي لا تسيطر عليه إسرائيل، لكن المدينة بدأت تتعرض لقصف مكثف في الآونة الأخيرة.
تدمير شوارع في غزة
استهدفت ضرباتٌ حي الشابورة في رفح؛ مما أدى إلى تدمير شارع بأكمله في وقت متأخر من مساء الخميس، ونبش رجال وصبية وسط الأنقاض الجمعة وبحثوا في المنازل المنهارة ومحتوياتها المدمرة التي عجزوا عن انتشالها من تحت الأنقاض.
وخلفت الضربات كومة من الركام والحديد تتناثر عليها أغطية وحقائب وحشايا وأرائك ودراجات أطفال وأدوات مطبخ. وقال جهاد العيد أحد سكان المنطقة: "ما فيش منطقة آمنة في قطاع غزة".
والحرب الجارية بين إسرائيل وحركة حماس هي الأكثر دموية على الإطلاق في غزة. ويقول مسؤولون فلسطينيون إن الهجمات الإسرائيلية قتلت نحو 19 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال.
ويشعر فلسطينيون ومسؤولون في الدول العربية بالقلق إزاء احتمال حدوث تهجير جماعي طويل الأمد لسكان غزة. ومن غير المرجح في الوقت الحالي حدوث تدفق جماعي إلى مصر.
أزمة في معبر رفح
تسير عملية خروج السكان من قطاع غزة بوتيرة بطيئة، إذ يواجه المعبر الحدودي المختنق صعوبات في إدخال شاحنات المساعدات، التي تقول الأمم المتحدة إنها ليست كافية لسد احتياجات السكان الذين يعانون من قلة الإمدادات الطبية منذ أسابيع وبدأوا في الوقوع ببراثن الجوع. ولا تزال أعمال العنف تحصد أرواح الأهالي في جنوب القطاع.
وفي مستشفى ناصر بخان يونس، نعى أب ولديه، وعمرهما 17 و18 عاماً، وقال إنهما قُتلا في قصف إسرائيلي أمس. وسار الأب خلف جثمانيهما حتى تم لفهما في كفنين وإرسالهما إلى المشرحة.
وقال والدهما مجدي شراب: "كانوا في الشارع قذيفة نزلت على الجيران راحوا ينقذوهم نزلت عليهم قذيفة".
وأضاف شراب أن الجثتين تركتا على الأرض؛ نظراً إلى صعوبة وصول سيارات الإسعاف إليهما لنقلهما إلى المستشفى. وأدى الدمار الناجم عن الضربات الجوية إلى صعوبة القيادة على الطرق، كما أن هناك نقصاً حاداً في الوقود بجميع أنحاء غزة. واضطر عمال الإنقاذ إلى نقل ابني شراب إلى المستشفى على عربة يجرها حمار.
ووفق إحصاءات إسرائيلية قتلت "حماس" خلال هجومها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، على مستوطنات ونقاط عسكرية في غلاف غزة نحو 1200 إسرائيلي وأصابت نحو 5431 وأسرت قرابة 239 بادلت العشرات منهم، خلال هدنة إنسانية استمرت 7 أيام حتى 1 ديسمبر/كانون الأول 2023 مع إسرائيل التي تحتجز في سجونها 7800 فلسطيني، بينهم أطفال ونساء.
جدير بالذكر أنه ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على غزة خلّفت حتى الجمعة 18 ألفاً و800 قتيل و51 ألف مصاب، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر فلسطينية وأممية.