رغم مرور ما يقرب من 8 أشهر على اندلاع الحرب في السودان بين الجيش والدعم السريع، لا تزال الأزمة تراوح مكانها، فأين يسيطر كل منهما؟ وهل يمكن أن يلتقي زعيما النزاع وجها لوجه؟
كان السودان قد شهد، منذ يوم 15 أبريل/نيسان، انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.
ورغم الوساطة السعودية-الأمريكية والتوصل إلى أكثر من هدنة بين الطرفين، إلا أن حدة القتال اشتدت واتسعت رقعة الصراع دون أن يتمكن أي منهما من حسمه لصالحه بعد مرور ما يقرب من 8 أشهر.
أين يسيطر الجيش في السودان؟
رغم زعم حميدتي سيطرة قواته على 90% من العاصمة الخرطوم، إلا أن القتال ما زال متواصلاً في أكثر من جبهة، خاصة في المدخل الجنوبي للعاصمة عند منطقة جبل أولياء، الذي توجد بها قاعدة النجومي الجوية، وسد جبل أولياء الاستراتيجي، الذي يوجد به جسر على نهر النيل الأبيض يربط أم درمان بالخرطوم، وتعرض لقصف وتدمير جزئي، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
ويزعم الطرفان سيطرتهما على قاعدة النجومي الجوية التي استولت عليها قوات الدعم السريع في بداية الحرب واستعادها الجيش لاحقاً، لكن القتال ما زال متواصلاً لإحكام السيطرة عليها، لأهميتها الاستراتيجية في المعارك.
ويتبادل الطرفان الاتهامات بقصف جسر سد جبل أولياء، الذي تسيطر عليه "الدعم السريع"، والأمر ذاته بالنسبة لجسر شنبات شمالي الخرطوم، والذي يربط مدينتي أم درمان وخرطوم بحري.
ويمثل تفجير الجسور مرحلة جديدة في معارك الخرطوم، بعدما كانت السيطرة على الجسور العشرة الرابطة بين مدن الخرطوم الثلاث (الخرطوم، خرطوم بحري، أم درمان) أبرز معالم القتال في الأشهر الستة الأولى.
ولم تتوقف عملية تفجير المنشآت الاستراتيجية في الخرطوم عند الجسور، بل طالت مصفاة جيلي الأكبر في البلاد، والتي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وتوفر لها أغلب الوقود المستخدم لتشغيل آلياتها وعرباتها المسلحة، وفق ناشطين محليين، وتبادل الطرفان الاتهامات بالوقوف وراء تفجير المصفاة بالكامل.
ويحافظ الجيش السوداني على تمركزاته وسط الخرطوم، وبالأخص في القيادة العامة للجيش، ومعسكر سلاح المدرعات ومعسكر سلاح المهندسين، رغم المعارك العنيفة ولجوء قوات الدعم السريع لاستعمال المدفعية.
ويمثل تسيد الجيش السوداني لسماء المعركة أحد الأسباب الرئيسية لصمود قواته وسط الخرطوم، خاصة في ظل إخفاق "الدعم السريع" في تحييد "قاعدة وادي سيدنا" الاستراتيجية شمالي أم درمان.
ماذا عن الموقف في دارفور؟
عدم قدرة قوات الدعم السريع على حسم المعارك في الخرطوم، دفعها لرمي ثقلها في إقليم دارفور (غرب)، الذي يعد معقلها الرئيسي، الذي تنحدر منه قياداتها وأغلب عناصرها، وتنتشر بها القبائل الداعمة له.
وتمكنت قوات "الدعم السريع" خلال الشهرين الأخيرين من السيطرة على عواصم أربع ولايات من أصل خمس مشكلة لإقليم دارفور، وهي: نيالا مركز ولاية جنوب دارفور، وثاني أكبر حواضرها، والضعين مركز ولاية شرق دارفور، وزالنجي مركز ولاية وسط دارفور، بالإضافة إلى الجنينة مركز ولاية غرب دارفور.
وتتهم الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمات حقوقية "الدعم السريع" ومسلحين متحالفين معها بتنفيذ تطهير عرقي ضد قبيلة المساليت الأفريقية في مدينة الجنينة. ولم يتبق أمام "الدعم السريع" سوى مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور، بل عاصمة الإقليم وأكبر مدنه، وتضم قاعدة عسكرية جوية رئيسية محاذية للمطار المدني.
وتجد "الدعم السريع" صعوبة في اقتحام الفاشر، بالنظر إلى تحالف مجموعات مسلحة (متمردين سابقين) مع الجيش في الدفاع عن المدينة، خاصة أن هذه المجموعات المسلحة ما زالت تقف على "الحياد" النسبي، واستفزازها من شأنه أن يفتح أكثر من جبهة على قوات حميدتي.
أما إقليم كردفان فتكمُن أهميته في أنه يتوسط الخرطوم وإقليم دارفور، ويمثل نقطة عبور بين المنطقتين سواء الإمدادات اللوجستية أو المقاتلين، كما يستخدم الجيش مطاراته، خاصة قاعدة الأبيض في قصف خطوط إمداد "الدعم السريع" ونقاط تمركزها.
ويضم الإقليم ثلاث ولايات رئيسية؛ هي شمال كُردفان وعاصمتها الأُبيض، وجنوب كُردفان وعاصمتها كادوقلي، وغرب كُردفان وعاصمتها الفولة.
ويسيطر الجيش على جميع المدن المركزية في كردفان، رغم تعرض عدة مدن وبلدات في الإقليم لهجمات عنيفة من قوات الدعم السريع، خاصة في ولاية غرب كردفان.
حيث سبق لها أن زعمت السيطرة على مطار بليلة التي تبعد 55 كلم جنوب غرب الفولة، عاصمة غرب كردفان، والتي يوجد بها حقل نفطي كان ينتج 22 ألف برميل يومياً قبل الحرب.
كما أعلنت "الدعم السريع" سيطرتها على بلدة "أم روابة" الاستراتيجية بولاية شمال كردفان، الواقعة على الطريق الرئيسي بين دارفور والخرطوم، لكنها انسحبت منها، وفق وسائل إعلام محلية. لكنها أخفقت مراراً في تحييد قاعدة الأُبيض الجوية الاستراتيجية بشمال كردفان.
لكن المعارك تقترب من منطقة آبيي، بولاية جنوب كردفان، الغنية بالنفط والمتنازع عليها مع دولة جنوب السودان، بحسب تحذير أممي، حيث يسعى كل طرف للسيطرة على حقول ومصافي النفط، لتشغيل آلياته وحرمان الطرف الآخر من أي موارد.
ولا تملك الدعم السريع حاضنة شعبية واسعة في كردفان؛ ما يجعل هجماتها على مدن وبلدات الإقليم أشبه بغارات قبلية يتم فيها قتل العسكريين وترويع المدنيين ونهب الأسواق والمتاجر، ثم الانسحاب مع "الغنائم".
ماذا عن شرق وشمال السودان؟
تخضع الولاية الشمالية الحدودية مع مصر والولايات الشرقية المنفتحة على البحر الأحمر أو الحدودية مع إريتريا وإثيوبيا للسيطرة الكاملة للجيش.
فالولاية الشمالية حاولت قوات الدعم السريع منذ اليوم الأول للحرب السيطرة عليها وبالأخص على قاعدتها الجوية الاستراتيجية في مروي، لقطع أي إمداد عسكري مصري للجيش السوداني، لكنها لم تتمكن من السيطرة عليها لفترة طويلة، واستعادها الجيش بسرعة، مع عدم استبعاد وجود دعم خفي من الجيش المصري، الذي يعتبرها حديقته الخلفية.
أما في المنطقة الشرقية، فتمثل بورتسودان، المدينة الأكثر أهمية في البلاد بالنسبة لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ليس فقط بسبب مينائها الذي تصل عبره مختلف الإمدادات اللوجستية والعسكرية ولا إلى مطارها الدولي، بل أيضاً بعدما تحولت إلى مقر مؤقت لقيادة الدولة.
فبعد خروج البرهان، من مقر قيادة الجيش المحاصر من قوات الدعم السريع، وانتقاله إلى بورتسودان، تمكن من التحرك بحرية إلى الخارج، وتمثيل بلاده في المحافل الدولية، وبالتالي اكتساب اعتراف دولي بشرعيته؛ ما أزعج ذلك حميدتي، وهدد بإعلان حكومة موازية من الخرطوم.
وعلى العموم، يسيطر الجيش بالكامل على جميع الولايات الشرقية والشمالية، بالإضافة إلى إقليم كردفان، الذي يشهد معارك عنيفة، أما إقليم دارفور في الغرب، فسقطت معظم مدنه الرئيسية بيد قوات الدعم السريع باستثناء عاصمة الإقليم.
بينما تفرض قوات الدعم السريع سيطرتها على أحياء واسعة من الخرطوم، فيما يحافظ الجيش على تمركزات قوية على الأرض، ويهيمن على سماء المعركة بالكامل.
هل يلتقي البرهان وحميدتي؟
في سياق متصل، اشترط البرهان، مساء الأحد 10 ديسمبر/كانون الأول، إقرار وقف دائم لإطلاق النار في السودان، وخروج "قوات الدعم السريع" من الخرطوم، قبل لقاء قائد قوات الدعم محمد حمدان حميدتي.
جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية السودانية، اطلعت عليه الأناضول، رداً على البيان الختامي لقمة الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" الـ41 في جيبوتي، التي بحثت الأزمة السودانية.
وأعلنت الخارجية السودانية، الأحد، تحفظها على مسودة البيان الختامي لقمة قادة ورؤساء حكومات (إيغاد) الـ41، التي عقدت السبت في جيبوتي. وأفادت وزارة الخارجية في بيان بأن "رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان اشترط لعقد مثل هذا اللقاء إقرار وقف دائم لإطلاق النار، وخروج قوات التمرد من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها".
وأشارت إلى أنه "نسبة لضيق الوقت لم تتمكن سكرتارية إيغاد من إعداد مسودة البيان الختامي باسم رؤساء الدول والحكومات في القمة 41 بجيبوتي حتى وقت متأخر من مساء السبت".
وأضاف بيان الوزارة: "أعلنت سكرتارية إيغاد أن المسودة سترسل في نفس الليلة للدول الأعضاء للموافقة عليها، ليصدر البيان الختامي اليوم الأحد، لكن لم ترسل مسودة البيان إلا صباح اليوم".
و"إيغاد" منظمة حكومية إفريقية شبه إقليمية تأسست عام 1996، تتخذ من جيبوتي مقراً لها، وتضم كلاً من: إثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال، وجيبوتي، وإريتريا، والسودان، وجنوب السودان.
وتابع بيان خارجية السودان: "فور استلام مسودة البيان أبلغ السودان سكرتارية إيغاد أن لديه ملاحظات وتحفظات جوهرية على المسودة، حيث لاحظ وفد السودان أن هناك فقرات أقحمت في المسودة دون مسوغ، فضلاً عن الصياغة المعيبة لما اتفق عليه في بعض المسائل المهمة".
كما أشارت الوزارة في بيانها إلى أن "هناك مخالفة صريحة لما يحتمه النظام الأساسي من صدور القرارات بالتوافق بين الأعضاء، حيث سارعت السكرتارية بإصدار بيان ختامي دون تضمين الملاحظات والتحفظات التي قدمها وفد السودان. السودان لا يعتبر هذا البيان يمثل ما خرجت به القمة، وأنه غير معنيّ به حتى تقوم رئاسة إيغاد وسكرتاريتها بتصحيح ذلك".
وذكرت الوزارة أيضاً أن الملاحظات تضمنت عدداً من النقاط بينها: "حذف الإشارة إلى مشاركة وزير الدولة بوزارة خارجية الإمارات في القمة؛ إذ إن ذلك لم يحدث".
ونبهت إلى أن الملاحظات تضمنت طلب حذف الإشارة إلى "عقد رؤساء إيغاد مشاورات مع وفد مليشيا الدعم السريع، وهذا يجافي الحقيقة؛ إذ إن رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني وهو أحد رؤساء إيغاد لم يشارك أو يسمع بالمشاورات مع ممثلي التمرد".
وشددت على ضرورة "تصحيح ما ورد بشأن موافقة رئيس مجلس السيادة الانتقالي على لقاء قائد التمرد (قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو )". وتابع البيان: "رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان اشترط لعقد مثل هذا اللقاء إقرار وقف دائم لإطلاق النار، وخروج قوات التمرد من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها. وبما أن أياً من هذه الملاحظات لم يتم الأخذ بها، فإن البيان يفتقد للتوافق وهو بالتالي لا يعتبر وثيقة قانونية من إيغاد".
كانت إيغاد قد أصدرت البيان الختامي لقمة جيبوتي، وأشارت فيه إلى موافقة البرهان وحميدتي على عقد لقاء ثنائي بينهما، وقال البيان الختامي إن "البرهان أكد التزامه غير المشروط بوقف إطلاق النار وحل النزاع من خلال الحوار السياسي". وأعرب البيان عن "تقديره للمحادثة الهاتفية بين رؤساء الدول والحكومات في إيغاد مع قائد قوات الدعم السريع، وقبول الأخير مقترحات إيغاد لوقف إطلاق النار غير المشروط وحل النزاع من خلال الحوار السياسي وعقد لقاء ثنائي مع البرهان".