حذّر مسؤولون في الأمم المتحدة، الأحد 10 ديسمبر/كانون الأول 2023، من أن محطة اللجوء الأخيرة في قطاع غزة للفلسطينيين الفارين من الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع، "بدأت تنهار" تحت وطأة احتشاد عشرات الآلاف من الأهالي الذين لجأوا إليها بحثاً عن الطعام والمأوى.
وعبّر المسؤولون الأمميون عن مخاوف من نزوح جماعي إلى مصر، وفق صحيفة The New York Times الأمريكية.
وتتصاعد الضغوط في منطقة رفح المجاورة للحدود الجنوبية لغزة مع مصر، إذ نزح كثير من الفلسطينيين إليها فراراً من العدوان الإسرائيلي على القطاع، إلا أنهم لم يجدوا فيها إلا مزيداً من الموت والجوع واليأس.
"إلى أين نذهب؟"
بدوره، تساءل رائف ناجي أبو لبدة، وهو مزارع فلسطيني فرّ إلى رفح مع زوجته وأطفاله الستة، مستنكراً: "إلى أين نذهب؟ قل لي أين أذهب؟"، وقال إنه وزوجته وأولاده ينامون على الأرض في هذا الجو البارد، ولا يجدون طعاماً يكفيهم، ولا حتى الماء السائغ للشرب.
ومع ذلك، قال أبو لبدة، إنه يفضل "العودة إلى بيته والموت هناك" على الاضطرار إلى النزوح إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.
جدير بالذكر أن مصر وحكومات عربية أخرى رفضت هذا السيناريو رفضاً قاطعاً، خشية ألا تسمح إسرائيل للفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم إن غادرت أعداد كبيرة منهم أرض غزة.
حيث قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في مؤتمر عُقد في قطر، الأحد، إن الحملة العسكرية الإسرائيلية يمكن وصفها بأنها "جهد منهجي لتفريغ غزة من شعبها".
في المؤتمر نفسه، أثار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مخاوف من أن تكون الظروف الرهيبة التي يتعرض لها الفلسطينيون المتجمعون بالقرب من الحدود مع مصر قد نشأت عنها حالة تدفع إلى "النزوح الجماعي" إلى سيناء.
وقال غوتيريش: "لا توجد حماية فعالة للمدنيين في غزة"، و"أخشى أن ينهار النظام العام تماماً عما قريب، وقد تتدهور الأمور إلى وضع أسوأ".
حصار مطبق على قطاع غزة
يأتي ذلك بعد أن ضربت إسرائيل الحصار على القطاع، وأغلقت المعابر مع غزة، فصار معبر رفح محطة الدخول لمعظم المساعدات، والسبيل الوحيد لخروج عدد قليل من حملة الجنسيات الأخرى والمرضى وغيرهم.
ومع زيادة احتدام عدوان الاحتلال على جنوب غزة، توافد السكان إلى المنطقة الحدودية بحثاً عن الأمان والإمدادات، وبات آلاف الناس يصلون يومياً إلى هناك بعد أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي زعمت أن هذه المنطقة آمنة للمدنيين.
لكن واقع الأمر أن وسائل الإغاثة غير متوفرة في رفح، وهو ما دعا عاملين بمجال الإغاثة إلى التحذير من الاكتظاظ "الشديد" والأحوال "المريعة" التي يتعرض لها النازحون، في حين أبدى مسؤولون خشيتهم من أن يدفع تدهور الظروف بسكان غزة إلى عبور الحدود مع مصر.
إذ قال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم التابعة للأمم المتحدة، إنه حتى لو لم تكن هناك "سياسة متعمدة" لدفع الفلسطينيين إلى مغادرة غزة، فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية "تزيد من الضغوط على النازحين إلى حدٍّ يفضي إلى هذا المسار"، "فلا سبيل لأن تستوعب قطعة الأرض هذه مثل هذا العدد الكبير من الناس".
وكتب لازاريني في مقال رأي هذا الأسبوع في صحيفة The Los Angeles Times الأمريكية: "التطورات التي نشهدها تشير إلى محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى مصر، سواء أكانوا سيبقون هناك أم سيعاد توطينهم في أماكن أخرى".
وقال لازاريني في مقاله إن النزوح الداخلي لمئات الآلاف من سكان غزة إلى الجزء الجنوبي من أراضيهم كانت "المرحلة الأولى من هذا السيناريو"، و"المرحلة التالية جارية الآن، وهي إجبار الناس على الخروج من المركز الحضري في خان يونس والاقتراب من الحدود المصرية".
وأشار لازاريني، في المقابلة التي أجريت معه يوم الأحد 10 ديسمبر/كانون الأول، إن منشآت الأمم المتحدة التي تحولت إلى ملاجئ صارت مكتظة بالكامل، وبات كثير من سكان غزة يعيشون في الشوارع أو في ملاجئ مؤقتة، بلا صرف صحي ولا طعام كاف.
"ليس لدينا مكان آخر"
علاوة على ذلك، فإن سكان غزة الذين فروا إلى رفح ظناً منهم أن الجنوب سيكون آمناً لهم، وجدوا أن إسرائيل تقصفهم هناك أيضاً.
في السياق، قال زياد عبيد، وهو موظف حكومي فلسطيني نزح إلى رفح: "ليس لدينا مكان آخر، ولا مكان آمناً لنا"، و"نحن نكافح ليلاً ونهاراً لكي نحصل فقط على شيء من الخبز والماء والخضراوات".
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة The Financial Times البريطانية في تقرير لها، إن الفلسطينيين يتعرضون لأوضاع "كارثية" في رفح بعد وصولهم إلى آخر بقعة يمكن النزوح إليها في القطاع.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن أم أحمد عبد العال، وهي أم فلسطينية لخمسة أطفال، أنها رفضت التزحزح عن مكانها حين أخبرها المسؤولون أنه لا يوجد مكان في مدرسة تابعة للأمم المتحدة كانت تستخدم كمأوى للنازحين في رفح على حدود غزة مع مصر. وسألت: "أين نذهب؟"، "لقد انتقلنا من مدرسة تابعة للأمم المتحدة إلى مدرسة أخرى تابعة لها، ومن نزوح إلى نزوح، ومن معاناة إلى معاناة أشد".
أوضاع مأساوية للنازحين
وبات آلاف الفلسطينيين يفترشون شوارع رفح، معرضين لبردِ الشتاء، ومفتقرين إلى احتياجاتهم من الطعام والماء ومرافق النظافة. ويقول مسؤولو الإغاثة إن البنية التحتية لمدينة رفح لا تستوعب هؤلاء النازحين الذي قد يصل عددهم إلى مليون شخص. كذلك فإن مدارس الأمم المتحدة التي تحولت إلى ملاجئ قد تجاوزت طاقتها الاستيعابية عدة مرات.
من جانبها، قالت أم أحمد إن الأوضاع في المدرسة التي آوت إليها بالغة السوء، إذ تنحشر نحو 70 امرأة وفتاة في كل غرفة، ويفترشون مراتب على الأرض، أما الرجال والفتيان فيقضون الليل في ملاجئ مؤقتة في الساحات.
وأشارت أم أحمد إلى أن النازحين ليس لديهم إلا القليل من الطعام والمياه النظيفة والكهرباء، حيث يطبخ الناس طعامهم في الممرات على نار مشتعلة بورق الكرتون أو خشب الأشجار المقطوعة.
ويضطر نحو 700 شخص إلى استخدام مرحاض واحد، والاصطفاف ساعات طويلة حتى يأتي دورهم. وقد أدى سوء الأحوال إلى إصابة "جميع الأطفال وكبار السن بالأمراض. وجميعهم يعاني السعال والأمراض الجلدية وجرثومة المعدة، فالنظافة الشخصية مستحيلة".
في السياق، قال مارتن غريفيث، مسؤول الإغاثة في الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، إن "الأمور ستزداد سوءاً لأننا عاجزون عن توفير أية إمدادات للمستشفيات أو تحلية المياه الآمنة".