تصاعدت هجمات جماعة أنصار الله "الحوثي" على المصالح الإسرائيلية منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر، عبر الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار، فضلاً عن اختطاف السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل.
وقال مدير ميناء إيلات الإسرائيلي إن تهديدات الحوثيين منعت وصول سفن تحمل 14 ألف مركبة إلى المدينة، منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وفقاً لما نقلت عنه إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأحد 10 ديسمبر/كانون الأول 2023. مضيفاً "أن نحو 85% من إيرادات الميناء تأتي من استيراد المركبات، وتهديدات الحوثيين تمنع وصول السفن للميناء".
ومساء السبت 9 ديسمبر/كانون الأول 2023، نشر المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع بياناً على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) جاء فيه: "أعلنت القوات المسلحة اليمنية منع مرور السفن المتجهة إلى الاحتلال من أية جنسية كانت، إذا لم يدخل لقطاع غزة حاجته من الغذاء والدواء".
فكيف يعزز كل هذا الضغط والتهديد من موقع الحوثيين في اليمن، بمعادلة الأمن الإقليمي بالشرق الأوسط؟
هجمات الحوثيين تعيد تشكيل علاقاتهم الإقليمية والدولية
يقول موقع أسباب المتخصص بالتحليلات السياسية والجيوستراتيجية، إنه على الرغم من أن هجمات الحوثيين لا تؤثر مباشرة على تطورات حرب غزة ميدانياً، ولا تشكل تهديداً على جيش الاحتلال، لكنّها ربما تمثل أنجع أدوات الضغط الإيرانية على الغرب من أجل وقف الحرب؛ نظراً لتداعياتها المباشرة على الاقتصاد الدولي.
وبينما من المرجح أن يستمر الحوثيون في هجماتهم ضد السفن المرتبطة بإسرائيل، فإن الولايات المتحدة وقوى دولية أخرى مثل المملكة المتحدة، فضلاً عن "إسرائيل" وأطراف إقليمية مثل الإمارات، ستواصل إجراءاتها الأمنية المضادة لحماية السفن والتصدي لهجمات الحوثيين. وسيظل من المحتمل إذا تسببت هجمات الحوثيين في أضرار كبيرة بسفن إسرائيلية أو سفن عسكرية غربية، أن تقوم الولايات المتحدة و"إسرائيل" بشن ضربات انتقامية ضد أهداف الحوثيين في اليمن.
وبحسب "أسباب"، تحقق هجمات الحوثيين على المصالح الإسرائيلية عدة أهداف استراتيجية للجماعة؛ يأتي في مقدمتها حشد الدعم المحلي عبر تعزيز موقفهم العدائي ضد "إسرائيل" والدفاع عن أهل غزة، وهي تتماهى مع السردية الرئيسية لأيديولوجية الحركة التي يحددها شعارها "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل".
كما يسعى الحوثيون إلى تحسين صورتهم في المنطقة، والتي تضررت لدى قطاعات شعبية ترى أنهم انقلبوا على مسار الثورة في اليمن، وأدخلوا البلاد في حرب أهلية خدمة لمصالح إيران. أي إن الحوثيين يعيدون تقديم أنفسهم كحركة داعمة للقضية الفلسطينية، على عكس الحكومة اليمنية وحليفتيها السعودية والإمارات.
لاعب قوي يمكنه تهديد الملاحة الدولية
علاوة على ذلك، تعزز الهجمات صورة الحوثيين كلاعب إقليمي قوي ومؤثر يمكنه تهديد الملاحة الدولية وتتجاوز قدراته حدود اليمن، حيث تظهر هجماتهم ضد "إسرائيل" قدراتهم العسكرية، والتي تشمل إطلاق طائرات من دون طيار هجومية حتى مدينة إيلات الساحلية جنوبي إسرائيل، على مسافة حوالي 2000 كم، وقدرتهم على تهديد الملاحة الدولية، وهي رسائل ضمنية حول قدرتهم على تهديد الأراضي والمصالح السعودية والإماراتية.
اعتمدت الاستراتيجية الإيرانية منذ بدء حرب غزة على توجيه ضربات عبر وكلاء طهران في المنطقة نحو إسرائيل والقواعد الأمريكية، بحيث تظهر نفوذها الإقليمي وتدافع عن صورتها دون أن تتورط في توسيع رقعة الحرب بما يعرضها لهجمات مباشرة من أمريكا أو إسرائيل.
هل الحوثيون أكثر تهوراً في "محور المقاومة"؟
لا تمثل هجمات الحوثيين انحرافاً عن الاستراتيجية الإيرانية، لكنّها أيضاً تشير إلى تمتع الحوثيين باستقلالية نسبية مقارنة بوكلاء إيران الآخرين في المنطقة، فيما يتعلق بإدارة العمليات وانتقاء الأهداف، وهو الأمر الذي يعطي انطباعاً في بعض الأحيان بأن سلوك الحوثيين أكثر تهوراً من باقي المجموعات الموالية لإيران، سواء حزب الله اللبناني أم المجموعات العراقية.
يمكن أن تتسبب هجمات الحوثيين على مضيق باب المندب في أضرار كبيرة للاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد البحرية وكذلك أمن الطاقة الدولي، حيث ستؤدي الاضطرابات الأمنية إلى زيادة تكاليف التأمين على السفن التي تعبر البحر الأحمر وبالتالي زيادة أسعار الشحن البحري؛ وستدفع إلى اتخاذ مسارات بحرية أطول وأكثر كلفة، وهو الأمر الذي أكدته البيانات البحرية الأخيرة؛ حيث أعادت بعض الشركات توجيه سفنها بعيداً عن باب المندب، واتخاذ مسار أطول حول رأس الرجاء الصالح.
كيف سينعكس ذلك على العلاقة مع السعودية والغرب؟
من الممكن أن تؤدي هجمات الحوثيين إلى تعقيد جهود التسوية مع السعودية؛ لأنها قد تقوّض تدابير بناء الثقة وتزيد التوترات بين الجانبين، الأمر الذي ظهر حين أسقطت السعودية صاروخ كروز أطلقه الحوثيون نحو "إسرائيل" في 19 أكتوبر/تشرين الأول، دخل المجال الجوي السعودي لفترة وجيزة، ما أدى إلى ارتفاع حالة التأهب في المملكة خوفاً من أن عدم دقّة صواريخ الحوثيين قد يشكل خطراً على الأراضي السعودية، كما حدث مع الطائرات من دون طيار التي سقطت في طابا المصرية بالخطأ.
وفي المقابل قتل الحوثيون 4 جنود سعوديين في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي الحادثة الأولى من نوعها منذ التوصل إلى هدنة في أبريل/نيسان من العام الماضي.
في الجانب الآخر، انعكست تلك التطورات على تأكيد الشراكة الاستراتيجية بين السعودية وأمريكا لمواجهة المخاطر التي تهدد الممرات الملاحية في الخليج العربي والبحر الأحمر. ومن هنا جاء تعزيز الوجود العسكري البحري الأمريكي في الخليج العربي والبحر الأحمر، وكذلك تسعى الولايات المتحدة بمشاركة حلفاء آخرين إلى تشكيل قوة عمل بحرية لتأمين السفن التجارية في البحر الأحمر.
كما عززت البحرية البريطانية وجودها في الخليج والمحيط الهندي بإرسال المدمرة "HMS Diamond" بهدف "ردع التصعيد من الجهات الفاعلة الخبيثة والمعادية التي تسعى إلى تعطيل الأمن البحري". بينما تتوفر مؤشرات حول سعي الإمارات عبر حلفائها في جنوب اليمن لاتخاذ تدابير مضادة لتحركات الحوثيين في المجرى الملاحي.
رغم أن الإدارة الأمريكية استبعدت في أوقات سابقة فكرة إعادة الحوثيين إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO) لتجنب تعقيد الجهود الإنسانية والإغاثية التي تقوم بها مؤسسات أمريكية وغربية في اليمن، ومع ذلك؛ فإن استمرار هجمات الحوثيين سيدفع واشنطن إلى إعادة النظر بجدية في كيفية التعامل مع الجماعة، ويُبقي الاحتمالات قائمة بشأن إعادة تصنيف الحوثيين كحركة إرهابية.