علق السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط، في مقابلة له مع "عربي بوست" على السؤال المتكرر الذي يبدأ فيه عادة مذيعو الإعلام الغربي في استقبال ضيوفهم الداعمين للقضية الفلسطينية "Do you condemn Hamas?"، (هل تدين حماس؟) حتى بات الأمر يثير تندراً على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتبره الناشطون مثالاً صارخاً على "ازدواجية المعايير" لدى الغرب بما يتعلق بفلسطين.
أكد السفير الفلسطيني حسام زملط أن السؤال المذكور يلقيه عليه مذيعو وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية في كل مقابلة تقريباً، بل إنهم يدعونه إلى المقابلة لسماع الإدانة، بشكل يثير استهجانه، مشيراً إلى أن هذا السؤال لا يوجه إلا عندما يُقتل الإسرائيليون، ولا نراه عندما يُقتل الفلسطينيون وأطفالهم، وهو ما يحصل على مدار سنوات وعقود يومياً، "لذلك فإن المشكلة ليست في السؤال بحد ذاته، بل في المبدأ نفسه، ولهذا أرفض الإجابة عنه".
وكان سؤال إدانة حماس أثار تندراً واسعاً من الناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية، الذين عبروا عن سخريتهم منه بطرق مختلفة عبر فيديوهات وتدوينات عدة.
تناول زملط في المقابلة على هامش منتدى "TRT World" الذي أقيم في مدينة إسطنبول التركية، وتناول العدوان على غزة و"رؤية قرن تركيا"، أسباب ازدواجية المعايير من وجهة نظره، وتقدم الرواية الفلسطينية منذ بداية معركة طوفان الأقصى، وكيف بات العالم ينظر إلى فلسطين على أنها قضية حرية وتحرر، وأن العلم الفلسطيني أصبح رمزاً لذلك، وفق قوله.
وأشاد بدور مواقع التواصل الاجتماعي في ذلك، وبضغط الشعوب في الغرب على أنظمتها من خلال المظاهرات الحاشدة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
وعلق كذلك على إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المادة 99، وعلى "سقوط المؤسسات الدولية في اختبار غزة مجدداً".
إلى نص المقابلة مع السفير الفلسطيني حسام زملط:
مع كل مقابلة لكم تقريباً مع وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية يطلبون في بداية المقابلة معك إدانة حماس، صف لنا مشاعرك وموقفك من ذلك؟
هم يبدأون بلوم الضحية وبتأطير الضحية بأنها هي المعتدي، ويضعون المتحدث المؤيد للقضية الفلسطينية بحالة الدفاع فوراً، ويبدأون بأسئلة موجهة لوضع انطباع عند المتلقي بأن المشكلة أساسها الفلسطيني، وأن لإسرائيل "حق الدفاع عن النفس"، وأن ما تقوم به إسرائيل مجرد مغالاة في الدفاع عن النفس، وأن الفلسطينيين في حالة هجوم والاحتلال في حالة دفاع، وهذا قلب للحقائق.
هم يدعونني إلى برامجهم عندما يتعرض الإسرائيليون للقتل، ولكنهم لا يقابلونني عندما تقتل إسرائيل عشرات ومئات الفلسطينيين في القدس والضفة وغزة على مدار سنوات، وهذا أمر مستهجن.
ليس لدينا إشكال في الرد بالمعنى الكلي، فنحن مواقفنا واضحة بما يتعلق باستهداف المدنيين، لكن مشكلتنا في السؤال نفسه، فالمشكلة هي مشكلة معايير، فلماذا لا يسألون السفير الإسرائيلي عن قتل الاحتلال الأطفال والمدنيين؟ لماذا لا يبدأون مع المسؤولين الإسرائيليين مقابلاتهم بالسؤال ذاته، هل تدينون قتل إسرائيل للأبرياء؟ هذا الأمر لا يحصل.
الإعلام الغربي يطبّق معاييره على الفلسطينيين فقط، بالتالي الإعلامي يسقط مهنياً وأخلاقياً، فهو لا يسأل السفير أو الممثل أو الناطق الإسرائيلي هذا السؤال، في حين أنه يريد مني بذلك أن أقرّ بأن الدم الفلسطيني أرخص، وأن الدم الإسرائيلي أكثر أهمية، وأن حياة أطفالنا أقل أهمية من حياة أي طفل آخر، بالتالي هذا أمر غير مقبول، وهذا ما يدفعني لرفض الإجابة عن هذا السؤال.
لهذا نحن لا نتحدث بمنطق رفض الإجابة فقط، بل نحن نرفض مبدأ السؤال من أساسه.
ما سبب هذه الازدواجية، وهذا الموقف من الإعلام الغربي من وجهة نظرك؟
هناك جزء يمكن تبريره وتفسيره بأن هناك خطاً إعلامياً واضحاً من العنصرية ضد الفلسطينيين في الإعلام الغربي، ولا أعلم لماذا.
أنا أحترم عمل الإعلام، ولكن لا يمكن تفسير أن يخصصوا الهواء مباشرة للضحايا الإسرائيليين، أما ضحايا الفلسطينيين فلا يخصصون لهم أي تغطية.
هناك خلل شديد في المعايير التي يريدون تطبيقها فقط على الشعب الذي يرزح تحت الاحتلال.
ويمكنني القول إن أحد الأسباب أيضاً، هو الكسل، وجيل جديد من الصحفيين والإعلاميين الغربيين الذي ليس لديه خلفية كبيرة عن القضية.
وجزء كبير من المشكلة هو العنصرية ضد الفلسطينيين (Anti Palestinian Racism)، لأن هناك دائماً رد فعل تلقائياً عند بعض الإعلاميين بوضع الفلسطيني في منطق ليس له صلة بالحقيقة أو الواقع.
وقد يكون أيضاً قوة الماكينة الإعلامية الدعائية الإسرائيلية، فإسرائيل لديها ماكينة دعاية هائلة وضغط سياسي كبير، وتأثير على منابر إعلامية وسياسية كبيرة.
هذه المحطات والقنوات والصحف باتت تتلقى آلاف الرسائل التي تعترض على أي تقرير خاطئ أو متحيز ضد الشعب الفلسطيني.
هل لمستم تجاوباً من وسائل الإعلام الغربي مع الاتهامات لهم بازدواجية المعايير في تناول القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا مثل أوكرانيا؟
نعم، ولكن بشكل بطيء، هناك بعض التغيير في التعامل، في المنطق، في المصطلحات.
وبسبب الضغوط الشعبية الشديدة والضغط الهائل الأخلاقي بسبب الفظاعات التي شاهدوها من إسرائيل وما ترتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، وقتل جماعي للأطفال والنساء، وهذه المشاهد هزت الضمير العالمي.
حتى إن الصحفيين الغربيين المتحيزين تأثروا بما يشاهدونه من جرائم إسرائيلية بحق المدنيين في غزة.
تفاعل الشباب الناشطين العرب والفلسطينيين والناشطين الدوليين في كل مكان على مواقع التواصل الاجتماعي، مكّن من وصول الحقيقة إلى الناس حول العالم، ويساهم ذلك في التغيير الذي نتكلم فيه.
ما يقوم به المتحدثون الداعمون للقضية الفلسطينية في الإعلام الغربي يحدث شروخات في الجدار الإعلامي، من خلال رفض الخوض في لعبتهم القديمة الجديدة، وإجبارهم على التحول من إدانة الضحية ولومها، إلى الحديث عن الحقوق الفلسطينية.
بالنسبة للإعلام الغربي هو يرى أن هناك رواية إسرائيلية ورواية فلسطينية، ولكننا نرى لأول مرة ربما تقدماً للرواية الفلسطينية في الغرب، وبتنا نرى المظاهرات في كل مكان، فما تفسيرك لذلك؟
دعني لا أسمّها رواية، فهي ليست قصة. الإعلام مهنة الحقيقة، ومهنة سامية لنقلها، ما نريده ليس أخذ الرواية الإسرائيلية أو الرواية الفلسطينية، بل ما نريده هو أخذ الرواية الحقيقية والخطاب الحقيقي، فليس هناك إلا رواية واحدة، وهي أن هناك احتلالاً وهناك محتلاً.
أنا أرفض مصطلح "طرفي الصراع"، فليس هناك طرفان، بل هناك طرف واحد، هو المحتل والمستعمر والغازي والمحاصر، والذي يفرض نظام الفصل العنصري، ونظام تفوق عرقي غير مسبوق (أبارتهايد).
هناك رواية واحدة، وهناك قانون دولي، يمكن من خلاله أخذ مصطلحات الأمم المتحدة، التي تقول إن هناك احتلالاً.
الإعلام الغربي يستخدم مصطلحات مثيرة للجدل في مقابلاته المتعلقة بفلسطين وما يحصل في غزة، فما هي أبرزها التي تدعو للانتباه إليها عند التعرض للقضية الفلسطينية في هذا الإعلام؟
هناك العديد من المحاولات للرقص حول الحقيقة، مثل استخدام مصطلح "حرب" على ما يجري في غزة، رغم أنه يستخدم عندما يكون قتال بين دول، أو بين جيشين، لكننا نحن في حالة احتلال وشعب يعاني الاحتلال، لذلك فإن هذا لا ينطبق، فهناك منظومة عسكرية وسياسية واقتصادية تضطهد شعباً كاملاً، لذلك فإن كل ما يقوم به هذا الشعب ليس في خانة الحرب.
هناك أيضاً مصطلح "الدفاع عن النفس"، كيف هذا؟ هل هناك محتل في تاريخ البشرية أو مستعمر لديه الحق في الدفاع عن النفس؟
الكلمات تقتل، والمصطلحات مهمة، لذلك يجب تحدي هذه الوسائل الإعلامية وهذا النمط الذي استمر على مدار عقود.
هل تعتبر أن المؤسسات الدولية مثل القانون الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة والجنائية الدولية قد سقطت في امتحان غزة؟ وما البديل عنها؟
المؤسسات الدولية سقطت في امتحان غزة، فالمنظومة الدولية التي بنيت بعد ويلات الحرب العالمية الثانية، قامت على 3 قواعد رئيسية، هي:
أولاً، الحرب ليست الخيار الأول، ويجب منع اندلاعها.
ثانياً، إذا اندلعت الحرب، يجب أن تكون هناك قواعد وفق اتفاقيات جنيف الرابعة (بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1949).
ثالثاً، إذا تم التقيد بالقواعد، يجب أن تتم المحاسبة لأي طرف خرق تلك القواعد.
إسرائيل دمرت القواعد، وأن الحرب خيار أول أم لا، ودمرت مبدأ المحاسبة لها، ومجلس الأمن الدولي نراه قد فشل، لذلك نرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يستعمل بشكل غير مسبوق المادة 99 لأنه لا يدافع عن حياة الفلسطينيين أو نفسه فقط، وإنما هو يدافع عن المنظومة الدولية، لأنه يعلم بأن سقوط المنظومة الدولية يعني الذهاب إلى شريعة الغاب، والعودة إلى الثلاثينيات التي أنتجت النظام الدولي الحالي تحت شعار "Never again"K، لن نسمح بتكرار ما حصل من حرب عالمية ثانية مرة أخرى.
ما البديل إذن؟
المشكلة ليست في القواعد الدولية، فهي بُنِيت على تجارب إنسانية جمعية على مدار سنوات وعقود، بل المشكلة في تطبيق هذه القواعد وانحياز الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما لصالح إسرائيل، والمشكلة في عدم وتساوي التطبيق لتلك القواعد، ففي أوكرانيا دفعوا بالروس إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد أسبوعين فقط، أما في فلسطين فحتى اليوم يمنعون الشعب الفلسطيني من استخدام المحاكم الدولية.
في أوكرانيا سموا ما يقوم به شعبها مقاومة، وروسيا احتلال، فإذاً نرى انتقائية.
الكلمة الأنسب هي أن الغرب مقتنع بأن تلك القواعد تطبيق فقط على أعدائه، وليس على حلفائه وأصدقائه، وهذا ما قاله رئيس وزراء بريطانيا السابق بوريس جونسون، إجابة عن سؤال لماذا بريطانيا تمنع الفلسطينيين من استخدام المحكمة الجنائية، لأن إسرائيل حليفتنا وصديقتنا.
إذاً المشكلة في التطبيق لهذه القواعد، نحن بحاجة لها، وإلا سنذهب إلى فوضى إنسانية.
هناك مقارنة بين النضال الفلسطيني ورحلة جنوب أفريقيا للتحرر من الفصل العنصري، وكذلك مع المآسي التي تعرض لها السكان الأصليون في التاريخ من المستعمرين، فهل تؤيد هذه المقارنات؟
المهم هو الهدف الوطني، نحن قضيتنا هي قضية تحرر، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة كاملة السيادة ومستقلة عاصمتها القدس.
نحن نريد العودة إلى بيوتنا ومزارعنا، وحق العودة للاجئين، ونريد التساوي، ومعاملة أهلنا في الـ48 داخل الخط الأخضر بشكل متكافئ ومتساوٍ، وأن نبني دولة تحمي شعبنا وتوفر كامل الخدمات له.
إذاً نحن نضالنا نضال تحرر، ولكن الوسائل التي استخدمتها جنوب أفريقيا هي نفس الوسائل، مثل حراك هذه الشعوب، والحملة الدولية والزخم الذي يمكن أن نبني عليه.
أن يتحول علم فلسطين إلى رمز لكل شرفاء العالم، إلى رمز للحرية ضد الاستعمار، فهذا أمر مهم، بأن نرى قضية فلسطين رمزاً ثقافياً لكل من يرفض الظلم في العالم.
صرنا نرى في كل مكان في بريطانيا، علم فلسطين، في كل بيت وفي كل شارع، وليس العلم فقط، بل أيضاً الكوفية الفلسطينية، التي باتت رمزاً للتحدي.
هناك تشابه في استخدام الحملة الدولية من شعوب العالم لإسقاط الاحتلال الإسرائيلي واستعماره وحصاره ونظام فصله العنصري كما حصل في جنوب أفريقيا، وأعتقد أن ذلك بات مسألة وقت فقط.
يشار إلى أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال الإسرائيلي عدواناً دموياً على قطاع غزة، خلّف حتى مساء السبت 9 ديسمبر/كانون الأول 2023، 17 ألفاً و700 شهيد وأكثر من 7 آلاف طفل، و48 ألف مصاب، معظمهم أطفال ونساء، بحسب بيانات رسمية فلسطينية.