تحت غطاء هدنة قصيرة بين إسرائيل وحركة حماس، شقّت قافلة من المركبات طريقها عبر الأنقاض في غزة، الثلاثاء 5 ديسمبر/كانون الأول 2023، لتُنفِذ واحدة من أكثر مهام الحرب غير العادية؛ وهي استعادة نحو 180 مليون شيكل نقداً (50 مليون دولار)، بحسب صحيفة The Financial Times البريطانية.
الصحيفة أشارت إلى أن الأوراق النقدية، التي تزن ما يقرب من طن متري، وتبلغ قيمتها ما يعادل 50 مليون دولار، مُخزَّنة في فرعين من فروع بنك فلسطين في بعض الأجزاء الأكثر دماراً في القطاع المحاصر، حيث لا يوجد اليوم سوى مبنى واحد سليم، ولا توجد ماكينات صرافة عاملة.
وبسبب القلق من النقص المتزايد في السيولة النقدية في جنوب غزة، إلى حيث فرّ غالبية سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وحيث يتمركز الآن معظم المستفيدين من المساعدات الإنسانية، رأى مسؤولو بنك فلسطين في الهدنة فرصة لاستعادة العملات الورقية من فئة 200 شيكل العالقة في الشمال للمساعدة في تجنب انهيار الاقتصاد.
عملية إنقاذ "النقود"
وتطلبت عملية الإنقاذ، التي أُطلِق عليها اسم "ConOps-Gaza"، تخطيطاً واسع النطاق شمل دعم الأمم المتحدة، وحراساً، وتصريحاً من إسرائيل، وخطة تأمين تفصيلية لدرجة أنَّ أحد الأشخاص المشاركين في الخطة طلب من صحيفة فايننشيال حذف بعض التفاصيل.
وكانت الأوراق النقدية البالغ عددها 900 ألف تقريباً كافية لملء حاوية شحن صغيرة. وقال شخص آخر مشارك في الخدمات اللوجستية: "كانت بالتأكيد قافلة غير عادية. كانت مهمة سريالية، لكن ضرورية".
وبعد انتهاء المهمة، صارت الأوراق النقدية متاحة الآن للتداول في جنوب غزة، حيث تُبذَل جهود شاقة مماثلة كل يوم للحفاظ على تدفق الأموال النقدية في مواجهة القصف الإسرائيلي المكثف.
وتحت وابل الصواريخ الذي أمطر غزة خلال معظم الشهرين الماضيين، قاد موظفو البنك سيارات خاصة إلى الفروع المغلقة، وأخذوا الأموال النقدية من الخزائن، وجددوا مخزون ماكينات الصرف الآلي لإبقائها قيد التشغيل، وإن كان ذلك مع انقطاعات متكررة.
إلى ذلك، قال مسؤول في بنك فلسطين: "لقد فعلنا ذلك مع ماكينات الصرف الآلي والفروع الموجودة في مناطق آمنة نسبياً"، مشيراً إلى أنَّ بنك فلسطين ليس لديه سوى 6 أجهزة صرف نقدي لا تزال تعمل في جنوب ووسط غزة.
"نقل الأموال النقدية سراً"
وفي بعض الأحيان، يلجأ الموظفون إلى نقل الأموال النقدية سراً بين الفروع ونقاط الصرف، وفقاً لشخص مطلع على العمليات؛ إذ لم تعُد المركبات الأمنية الأساسية التي تستخدمها البنوك عادةً لنقل الأوراق النقدية في وقت السلم خياراً متاحاً في جنوب غزة.
وقد اتخذت البنوك الفلسطينية هذه الإجراءات في محاولة لتخفيف الأزمة الاقتصادية الساحقة في قطاع غزة الذي يعتمد على النقد، حيث يواجه السكان المحاصرون ارتفاع الأسعار ونقصاً حاداً في المواد الغذائية مع التهديد المستمر بالقصف.
ومع تحذير الأمين العام للأمم المتحدة من أنَّ النظام العام في غزة قد "ينهار تماماً" قريباً، ستزداد محاولات الحفاظ على تشغيل ماكينات الصرف الآلي صعوبة.
وحتى قبل النزاع، كان اقتصاد غزة فريداً من نوعه؛ إذ كان 81% من السكان يعتبرون فقراء ويعتمدون على المساعدات الدولية، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
وأولئك الذين يحصلون على الدعم من خارج غزة أو الذين يتلقون مدفوعات عبر حسابات مصرفية -مثل موظفي الخدمة المدنية والأسر التي تتلقى رواتب بسبب معاناتها من الوفيات أو الإصابات في الحروب مع إسرائيل- يعتمدون على شبكات ماكينات الصرف الآلي.
"الناس يموتون جوعاً"
من جهته، قال إياد خالد، وهو موظف حكومي نزح مع 10 أفراد من عائلته من شمال غزة إلى مدينة خان يونس الجنوبية: "لقد اقترضت من الجميع تقريباً منذ بداية الحرب".
ويتعين على خالد، الأب لثلاثة أطفال، الآن أن يعتني بوالديه إضافة إلى شقيقته وأطفالها. ويقول: "ألا يكفي أننا فقدنا منازلنا وكل ما نملك؟ بل يجب عليّ الآن العيش بنصف راتبي مع كل الأشخاص الإضافيين الذين أحتاج إلى رعايتهم. بالكاد نتدبر أمورنا، الناس سيموتون جوعاً".
وكانت المدفوعات من السلطة الفلسطينية، التي فرضت إسرائيل ضغوطاً عليها، غير منتظمة أيضاً. وقد اضطرت إلى خفض الأجور المدفوعة للعاملين في القطاع العام، إذ لم تدفع سوى راتب أسبوعين منذ بداية الحرب.