يعاني قطاع غزة منذ شهرين نقصاً حاداً في إمدادات المياه، حتى إن بعض النسوة اللواتي لجأن إلى منزل مكتظ بالنازحين في دير البلح وسط قطاع غزة، قررن أن يقصصن شعورهن لتوفير مياه غسله، فقد أصبحت المياه النظيفة من الرفاهيات، بينما يتسبب نقصها في انتشار المزيد من الأمراض بين سكان قطاع غزة.
كما قال نازحون في جنوب غزة إنهم صاروا مضطرين إلى إطالة الوقت بين مرات الاستحمام واستخدام المرحاض، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، نُشر الخميس 7 ديسمبر/كانون الأول 2023.
الصحيفة أشارت إلى أن جميع الناس في غزة باتوا حريصين على ما تبقى لهم من مياه قليلة، ومشغولين طوال الوقت بسبلِ تخزينها. وعلى الرغم من أن مياه الشرب المتاحة لهم رديئة الطعم فإنها ثمينة، لأنهم ليس لديهم بديل عنها.
قالت مها الحسيني، وهي صحفية وعاملة في المجال الإنساني لجأت إلى دير البلح "لقد صرنا نخزِّن المياه المستخدمة للاستحمام والغسيل في برميل نضعه في ساحة المنزل"، وتساءلت مستنكرة: "متى أصبحت مياه الشرب النظيفة من الرفاهيات؟".
كما ذكرت مها أنها وعائلتها يعتاشون على ما يستطيعون شراءه من زجاجات المياه كل يومين، وحتى هذه صارت صعبة المنال بسبب الارتفاع الحاد في الأسعار، فهي وأهلها "لم تعد لديهم مياه جارية"، و"إذا أردنا الاستحمام وضعنا الماء في حرارة الشمس، لأننا لا نملك الغاز لتسخينه، والأمر كذلك إذا أردناه للطهي".
بينما قال محمد الغلاييني، الذي نزح إلى خان يونس جنوبي قطاع غزة، في مكالمة هاتفية، إن سعر المياه المعبأة يتقلب بحسب توافر إمدادات المساعدات، إذ لما شحَّت الإمدادات ارتفع سعر زجاجة المياه (حجم 1.5 لتر) أكثر من ضعفي سعرها العادي.
الاحتلال يقطع الماء عن قطاع غزة
يتحكم الاحتلال الإسرائيلي في المياه المنقولة عبر الأنابيب إلى قطاع غزة، وقد قطعها عن معظم أنحاء القطاع منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول. وانقطعت المياه الجارية عن سكان شمال غزة طوال الشهرين الماضيين، أما النازحون إلى الجنوب فيقفون في الطوابير ساعات طويلة للحصول على المياه من محطات تحلية المياه التابعة للبلدية.
إذ قال الصحفيون وعمال الإغاثة إن أهل غزة حاولوا تخزين أكبر قدر ممكن من المياه خلال الهدنة الأسبوع الماضي، لكن المساعدات قلَّت بعد استئناف القتال، وزاد على ذلك فرار آلاف الناس من القصف الإسرائيلي نحو جنوب قطاع غزة، وبعد أن كانت إمدادات المياه النظيفة قليلة أوشكت الآن على النفاد.
لم يُسمح بدخول أي مساعدات إلى غزة يوم الجمعة 1 ديسمبر/كانون الأول، ثم قال الهلال الأحمر الفلسطيني إن 50 شاحنة مساعدات عبرت إلى القطاع في اليوم التالي، محملة بالإمدادات الطبية والغذاء والوقود والمياه. إلا أن القيود المفروضة على المساعدات قللت إمدادات المياه المعبأة، وإمدادات الوقود اللازم لتشغيل المضخات في محطات تحلية المياه وشاحنات التوزيع التي تخدم ملايين الأشخاص في غزة.
في المقابل، نفت "وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة" (كوجات)، الهيئة الإسرائيلية التي تشرف على المساعدات إلى غزة، حدوث أي انخفاض في المساعدات التي تدخل القطاع منذ استئناف القتال. إلا أنها رفضت الإجابة حين سُئلت عن كمية الوقود أو المياه التي تدخل غزة كل يوم.
فرص الحصول على المياه محدودة
قال فيليب لازاريني، المدير العام لوكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (الأونروا)، إن "فرص الحصول على المياه محدودة، فالعملية العسكرية الإسرائيلية قطعت الوصول إلى أكبر محطة لتحلية المياه في قطاع غزة، والتي كانت توفر مياه الشرب لنحو 350 ألف شخص".
كما أشار لازاريني إلى أن "الوقود هو أهم شيء، وعلى الرغم من أننا شهدنا زيادة طفيفة في عدد شاحنات المساعدات التي تدخل كل يوم خلال فترة التوقف، فإننا لم نصل قط إلى العدد المتفق عليه (وهو 200 شاحنة يومياً) في أي يوم من فترة التوقف".
فيما قالت تمارا الرفاعي، مديرة العلاقات الخارجية في الأونروا: "إن 200 شاحنة في اليوم تعدُّ كمية قليلة جداً في الأصل إذا قيست بالاحتياجات المطلوبة".
تدير الأونروا المدارس والمستودعات وغيرها من مرافق البنية التحتية في جنوب غزة، وقد تحولت مقراتها إلى ملاجئ مؤقتة تؤوي ما يقدر بنحو 950 ألف نازح، وتشرف كذلك على آبار المياه ومحطات تحلية المياه، والتي تحتاج جميعها إلى الوقود لتعمل، كما تحتاج شاحنات توزيع المياه إلى الوقود كذلك لكي تنقله إلى الملاجئ الأخرى في قطاع غزة.
قالت مسؤولة الأونروا: "كميات الوقود قليلة للغاية معظم الوقت، وما يمكننا توفيره هو 4 لترات من الماء للشخص الواحد يومياً، مع أن المعيار الدولي لاحتياجات المياه هو 15 إلى 20 لتراً".
أصبح من قبيل الرفاهيات
قال الغلاييني إن ارتفاع أسعار المياه جعل الحصول عليها من قبيل الرفاهيات، فتكلفة ملء الخزانات لسكنه الذي يقيم فيه مع 24 شخصاً من عائلته تبلغ ما لا يقل عن 21 دولاراً أمريكياً في الأسبوع، وهو مبلغ بعيد المنال بالنسبة إلى معظم الناس.
بينما قالت تمارا الرفاعي إن أي انخفاض في إمدادات الوقود يعني أيضاً نقص المياه في جنوب غزة ووسطها، و"في الأيام التي شحَّت فيها إمدادات الوقود، وعانينا النقص في المياه، شهدنا زيادة سريعة في انتشار الأمراض الجلدية، فقد عجز الناس عن الاستحمام، وانتشرت أمراض المعدة والجهاز الهضمي، لأن الناس يشربون أي مياه متاحة لهم".
كما أشارت إلى أن البلديات المحلية في جنوب غزة ليس لديها وسيلة للتخلص من مياه الصرف الصحي، و"شوارع رفح وخان يونس تغمرها مياه الصرف الصحي"، و"في هذا الأمر خطر جسيم على الصحة العامة".