لقرية "يعبد" الواقعة في الجنوب الغربي لمدينة جنين، تاريخ طويل مع المقاومة والدفاع عن الأرض ضد الاستعمار والاحتلال، منذ عام 1935، أي قبل النكبة حتى.
فقد كانت هذه القرية عبارة عن معقل للعمليات المسلحة، وأرضاً للمقاومين والمقاتلين، الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن والحرية، أشهرهم الشيخ عز الدين القسام، الذي استشهد بالقرية في أول ثورة عسكرية فلسطينية منظمة بتاريخ فلسطين الحديث.
ومع الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، واقتحامها عدة مواقع في الضفة الغربية، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أسفر عن استشهاد مئات الفلسطينيين، كانت قرية "يعبد" من بين أبرز المناطق المستهدفة.
الموقع الجغرافي لقرية "يعبد"
تبعد قرية "يعبد" عن مدينة جنين بمسافة 18 كيلومتراً، إلى الجنوب الغربي، وهي واحدة من البلدات التابعة لمحافظة جنين، وقد تم تأسيسها في الطريق الذي يصل كذلك إلى مدينة طولكرم.
يصل القرية بجنين طريق رئيسي يمر عبر سهل عرابة، وترتفع عن سطح البحر بما يقارب 360 متراً، فيما تبلغ مساحة أراضيها 21.622 دونماً، نحو 2000 دونم منها تم تعميره، وبه مساكن أهالي القرية.
يحيط بالقرية من جهة الشمال كل من قرية العرقة، ونزلة الشيخ زيد، والطرم، وطورة الشرقية، وطورة الغربية، أما من جهة الغرب فتجد كلاً من قرية برطعة الشرقية، وزبدة، والخلجان، وأم دار، وامريحة، وفراسين.
أهم معالم وتاريخ القرية
يعود سبب تسمية قرية "يعبد" بهذا الاسم إلى عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام، حيث كان يتعبد ويقيم الصلاة على قمة جبل المصلى القريب منها.
وقد سميت القرية لسنوات طويلة "معبد" نسبة إلى كونها كانت مكاناً مخصصاً للعبادة، وقد تم تحريف الاسم بعد ذلك ليصبح "يعبد" ويستمر إلى يومنا هذا.
وتعتبر القرية أحد الأماكن التي تتوفر على عدد كبير من المعالم والقطع الأثرية والتاريخية التي تمتاز بها دولة فلسطين.
ومن بين هذه المعالم نجد أضرحة ومقامات الشهداء الصالحين، ومدافن قديمة تعود للعهد الروماني، إضافة إلى عدة صهاريج منقورة في الصخر وقطع معمارية وجامع الأربعين.
فيما يحيط بها عدة خرب، أهمها نجد طورة الشرقية، وخربة الخلجات، وخربة سمارة، وخربة أم الريحان، ثم خربة الطرم.
مرافق أساسية في قرية "يعبد"
وبعيداً عن المواقع التاريخية، فإن القرية تتوفر على عدة مؤسسات وجمعيات ومرافق أساسية، من بينها 9 مدارس للبنين والبنات، ومدرسة لوكالة غوث، و10 مساجد، ومركز "يعبد" الصحي الحكومي، ومركز صحة الوكالة، ومكتب الشؤون الاجتماعية، ومكتب العمل، ومركز شرطة، ومركز الدفاع المدني، وفرع لبنك فلسطين.
كما يوجد كذلك 6 رياض أطفال وجمعية يعبد الخيرية، ومركز الشيخ سلطان بن محمد القاسمي الثقافي، ومركز نسوي، والهلال الأحمر الفلسطيني، وجمعية أصدقاء المريض الخيرية، ومكتب للبريد، وأبراج شركة الاتصالات، ثم مبنى بلدية "يعبد" الجديد.
استشهاد الشيخ القسام في "يعبد"
كان حكم قرية "يعبد" قديماً يعود إلى السنجق عواد الصدقي أحد أحفاد جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، وتفرعت عنه عشائر متعددة في نابلس والناصرة وأم الفحم وحيفا.
وقد كانت هذه القرية هي المكان الذي اعتصم فيها الشيخ عز الدين القسام لأول مرة، وبالضبط في أحراش "يعبد"، عندما كان في ضيافة المجاهد الشيخ سعيد حسان الجربا.
وقد كان رفقة المقاتلين لا يهابون خطر مواجهة قوات الانتداب البريطاني، على الرغم من أن قوات الأمن كانت هائلة تفوق عدد المقاتلين بمئات المرات.
إذ إنه بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول من عام 1935، استشهد الشيخ عز الدين القسام، ورفقاؤه، في المعركة التي دامت ساعتين من الزمن، والتي أشعلت فتيل الثورة العربية ضد الانتداب البريطاني، حيث استمرت إلى غاية سنة 1939.
وقبل بدء المعركة نادى أحد أفراد الشرطة العربية الثائرين طالباً منهم الاستسلام، فردّ عليه القسام صائحاً: "إننا لن نستسلم، إننا في موقف الجهاد في سبيل الله"، ثم التفت إلى رفاقه وقال: "موتوا شهداء في سبيل الله خير لنا من الاستسلام للكفرة".
قرية "يعبد" اليوم
بعد النكبة، أصبحت قرية "يعبد" تابعة للحكم الأردني كما هو الحال مع بقية مدن وقرى الضفة الغربية، وقد وصل عدد السكان فيها ما يزيد على 4700 شخص، وبعد حرب 1967، وقعت القرية في يد الاحتلال الإسرائيلي إلى حدود تأسيس السلطة الفلسطينية سنة 1994.
وتعاني القرية في الوقت الحالي بعض المشاكل المتعلقة بالصحة، وذلك بسبب المنجم الرئيسي للفحم، القريب منها، والذي يسبب التلوث بسبب انبعاث كمية هائلة من الغازات والأبخرة والرماد في الهواء.
إذ إن هذه الانبعاثات تؤثر بالسلب على السكان المقيمين في المنطقة، والحيوانات، والمزروعات، الأمر الذي تسبب في نتائج صحية سيئة بجميع الاتجاهات السالفة الذكر.
ويعيش في قرية "يعبد"، حسب إحصائيات سنة 2017، حسب ما نشرته موسوعة القرى الفلسطينية، ما يزيد على 13600 نسمة، يعتمدون في أنشطتهم الاقتصادية على الزيتون، والحبوب والخضار، إضافة إلى صناعة الدخان العربي والفحم.