أحرزت قوات الدعم السريع في كردفان تقدماً ميدانياً وسط وجنوب البلاد، وهي المناطق التي تفصل بين العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، الذي شارف أن تسيطر عليه بالكامل باستثناء "الفاشر" شمالاً، لتتسع نقاط نفوذها في حال تمكنها من ذلك إلى حوالي نصف مساحة السودان.
أكد أهالي شمال وغرب كردفان لـ"عربي بوست"، إحراز قوات الدعم السريع تقدماً كبيراً في المنطقتين، بعد انتصاراتها في إقليم دارفور، وسط انسحابات كبيرة للجيش السوداني، وانهيارات لحامياته العسكرية هناك، في الإقليم الذي يمثل غرب السودان بأكمله.
وفقاً للشهود العيان، فإن عمليات قوات الدعم السريع تتركز في الوقت الحالي في كردفان وإقليم دارفور، ما يهدد بمد نفوذها؛ ليشمل نصف مساحة البلاد تقريباً.
انسحابات من دارفور إلى كردفان
في حين كشفت مصادر عسكرية في ولاية شمال دارفور، لـ"عربي بوست"، عن انسحابات نفذتها قوات الدعم السريع خلال الأيام الماضية من مدينة الفاشر، وبأعداد كبيرة، لتتجه شرقاً نحو كردفان، وأنها التحقت بقوات أخرى لها وسط البلاد.
وأوضحت أن هذه القوات تتمركز في مناطق شمال كردفان وغربها، وبالأخص في: النايم، وأم بادر.
كما أنها أشارت إلى أن الجيش السوداني نفذ ضربات جوية في كردفان ودارفور خلال اليومين الماضيين، ضد قوات الدعم السريع، في محلية أم كدادة شرق ولاية شمال دارفور.
وأكدت أن قوات الدعم السريع تمكنت من السيطرة على ام كدادة قبل أيام قليلة، في ولاية شمال دارفور المحاذية لشمال كردفان.
تقع في هذه المنطقة حامية عسكرية للجيش ومقار قديمة لبعثة "اليوناميد" (قوة مختلطة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور) التي شهدت انسحاب رتل من قواتها العسكرية.
لماذا اهتمام قوات الدعم السريع في كردفان؟
من جهته، قال مستشار رئيس الوزراء السوداني السابق فائز السليك، لـ"عربي بوست"، إن قوات الدعم السريع في كردفان ودارفور تعتبر هاتين المنطقتين منصات انطلاق لعملياتها، مشيراً إلى أن السيطرة عليهما تعني سهولة إمداد قواتها المقاتلة في الخرطوم من هذه المناطق.
وأضاف أن "قائد قوات الدعم السريع محمد دقلو (حميدتي) قام لأشهر طويلة، قبل الحرب، بإعداد جيشه، وإجراء مصالحات اجتماعية بين بعض المكونات في هذين الإقليمين، وأوعز لشقيقه عبد الرحيم بأن يقود العمليات هناك".
وقال: "حتى لو فقدت قوات الدعم السريع الخرطوم، فإنه بإمكانها الانسحاب غرباً نحو كردفان ودارفور، مع استمرار عمليات الإمداد لها بسهولة لاستكمال الهجوم".
أما سياسياً، فيرى المستشار السوداني، أن التقدم بهذا الشكل الكبير للدعم السريع، يمهد لخطوة خطيرة مستقبلاً، تتمثل بمولد "دولة غرب السودان"، وذلك في حال استمرار الحرب، وفق تقديره.
وقال: "ما أخشاه أن نصبح أمام واقع انقسام، يتمثل بدولة شرق السودان للبرهان وحلفائه، وأخرى غرب السودان، الذي من الواضح عدم اهتمامهم به".
أما ديموغرافياً، فقال إن إقليمي دارفور وكردفان "فيهما قاعدة اجتماعية متينة لقوات الدعم السريع، وحاضنة أمينة لهم؛ بسبب انحدار قياداتها ونسبة كبيرة من قواتها من هناك".
وأعاد سبب انهيار حاميات الجيش في دارفور من ناحية عسكرية، إلى أن هذه المنطقة تُعدّ "الأرض الصديقة لقوات الدعم السريع، نسبةً للطبوغرافيا والديموغرافيا، فهي تعرف صحاريها وسهولها، وهذا العامل ساعد في كل أوجه الحرب وتكتيكاتها من الانفتاح والهجوم والانسحاب، والمناورة؛ كما خبرتها خلال عشرات السنوات، وهي تعرف كيفية إدارة الحرب فوق سيارات الدفع الرباعي".
وقال: "قوات الدعم السريع كانت بمثابة (مشاة الجيش) خلال فترات الحرب مع الحركات المسلحة، والعكس تماماً للجيش النظامي الذي يفتقر للمشاة، والقدرة على الانتشار في تلك المناطق، مع افتقاره للدعم اللوجستي والإمداد من الخرطوم المحاصرة".
انسحابات الجيش وانهيار حامياته
في إقليم دارفور، لم يتبقَّ سوى مدينة الفاشر في ولاية "شمال دارفور"، التي لا تزال خارج مناطق سيطرة الدعم السريع، والتي توجد فيها الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، لكن مصادر صحفية في تلك المنطقة، قالت لـ"عربي بوست"، إن "اتفاقاً سرياً غير معلن قد جرى بين الدعم السريع والحركات المسلحة خلال الأيام الماضية أدى إلى انسحابات عسكرية للدعم السريع من الفاشر باتجاه كردفان".
تواصل "عربي بوست" مع متحدثين عن الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع، إلا أنه لم يتلقَّ إجابات حتى الآن.
وسبق أن أعلنت الحركات المسلحة في دارفور، وتحديداً في مدينة الفاشر، الحياد من الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلا أنها أصدرت تهديدات مع بدء الدعم السريع حصارها لمدينة الفاشر، بأنها قد تخرج عن موقفها وتنحاز إلى جانب الجيش السوداني في حال بدء معركة في هذه المنطقة.
في حين قررت حركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، الذي يتولى أيضاً منصب حاكم إقليم دارفور، الخميس 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، التخلي عن موقف الحياد، ومواجهة قوات الدعم السريع.
وتحاصر قوات الدعم السريع الفاشر من 3 محاور، هي المحور الشمالي للولاية من جهة مدينة مليط، والمحور الشرقي، لا سيما منطقة أم كدادة والكومة، والمحور الغربي، نحو منطقة خزان "قولو".
وتمكنت قوات الدعم السريع من محاصرة الفاشر آخر مدن إقليم دارفور خارج سيطرتها، بعد انسحابات كبيرة للجيش السوداني وانهيار حامياته العسكرية في ولايات جنوب وغرب ووسط وشرق دارفور.
حول ذلك، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني شوقي عبد العظيم، لـ"عربي بوست"، إن "سبب تلك الانهيارات التي شهدتها منطقة دارفور، أن الجيش السوداني تم إهماله خلال السنوات الأخيرة في هذه المناطق، واستمر الإهمال حتى الفترة الانتقالية التي يقودها البرهان نفسه، في حين كان يتم تأهيل الدعم السريع بشكل أكبر هناك، وتوفير الموارد والإمكانات الكبيرة له، وهذا أثر بشكل كبير على جاهزية الجيش في حامياته العسكرية في دارفور".
وأضاف أن "لدارفور خصوصية كبيرة، لأن المنطقة ظلت منطقة سلاح وحرب، وفيها مجموعة كبيرة من القبائل العربية وغير العربية التي لديها السلاح، والتي استطاع الدعم السريع بخطابه السياسي استمالتهم لمشاركته في المعركة".
عوامل وأسباب أخرى وراء ذلك، وفق تقديره، تمثلت بأن "الجيش كان معزولاً في تلك المناطق، وكان مضطراً للانسحاب، لأن الضغط عليه كان شديداً عسكرياً من الدعم السريع ومن المساندين الآخرين له في المنطقة، وأقرب مثال على ذلك سقوط مدينة الضعين ونيالا، لوجود مناصرين كثر هناك، والتفاف قبلي لهذه القوات، لأنها تمثل الحاضنة الاجتماعية للدعم السريع".
وتابع بأن "الحدود الجغرافية المفتوحة لإقليم دارفور مع دول الجوار، عامل مهم أيضاً، إذ أصبحت توفر له دعماً كبيراً بالرجال والسلاح والإمداد، ما جعل منطقة دارفور صعبة بالنسبة للجيش السوداني، ما وضع أمامه خيار الانسحاب".
لكنه لفت إلى أن أمر السيطرة على الفاشر ليس بالسهولة بمكان، وذلك لحسابات كبيرة متعلقة بوجود الحركات المسلحة هناك، لكنه لم يستبعد إصراره على السيطرة عليها.
أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، اللواء الركن في الجيش السوداني، محمد خليل الصائم، أرجع في تصريحاته لـ"عربي بوست"، أسباب الانسحابات الكبيرة للجيش السوداني في دارفور، إلى أن "الانسحاب وجه من أوجه الحرب، وكان خياراً بسبب أن 90% من الفرق العسكرية في مناطق دارفور معظم المكون فيها من أبناء تلك المناطق، التي أقامت تفاهمات بينها وبين الدعم السريع".
وأوضح أن "كل الفِرق العسكرية، سواء كانت في نيالا أو الجنينة أو الضعين، غالبية عناصرها من قبائل غرب السودان، ومن القبائل التي تشارك الدعم السريع في تمرده ضد الجيش، وكان يجب ألا يكون ولاؤهم إلا للقوات المسلحة".
ووصف موقف الحركات المسلحة في الفاشر التي أعلنت وقوفها مع الجيش، بأنه "سيكون له أثر عظيم جداً، وسوف يتم تحرير معظم هذه المدن بعد نهاية الحرب في الخرطوم"، وفق قوله.
دعم الإمارات لقوات الدعم السريع
سبب آخر جاء على لسان مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول ياسر العطا، في خطابه الأربعاء 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعاد سبب ما يجري ميدانياً إلى الدعم الإقليمي لقوات الدعم السريع من دولة الإمارات، وقوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر.
ووجّه إليها انتقادات شديدة اللهجة بشكل علني، ليصفها بـ"دولة المافيا"، محذراً حفتر وتشاد من "الاستمرار في دعم التمرد" (الدعم السريع).
وقال: "أنا أعرف مصطلح منظمة إرهابية، منظمة مافيا، منظمة إجرامية، لكن دولة مافيا! هذه أول مرة أسمع بها! الإمارات تحب الخراب وتنشر الشر، على الرغم من أن شعبها شقيق، وقائدها الوالد المؤسس الشيخ زايد كانت في زمانه دولة للخير والعطاء، لكن الخَلَف شرٌّ"، على حد قوله ووصفه.
ولم يصدر تعليق رسمي من الإمارات على ما ذكره القيادي الكبير في الجيش السوداني، والعضو في مجلس السيادة الذي يحكم البلاد.
وأعلن العطا انطلاق عمليات وصفها بـ"الزحف" لتحرير العاصمة الخرطوم كاملة، والمدن الأخرى من سيطرة قوات الدعم السريع في كردفان ودارفور، مؤكداً أن "القيادة العامة للجيش، وضعت الخُطط الكفيلة التي ستمكنه من الوصول لكل الأهداف العملياتية المرصودة".
وذكرت مصادر عسكرية في الجيش لـ"عربي بوست"، فضّلت عدم الكشف عن اسمها، أن الطيران الحربي تمكن من الهبوط والإقلاع عدة مرات خلال الأسبوع الماضي في مطار الفاشر الدولي، أن الجيش أدخل المزيد من الإمدادات الحربية حينها، في الولاية المتبقية له من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حرباً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خلَّفت أكثر من 9 آلاف قتيل، فضلاً عما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.
وأعلنت منظمة الهجرة الدولية أن أكثر من 6.3 مليون سوداني فروا من ديارهم جراء القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
يأتي ذلك وسط جهود من السعودية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأفريقي لوقف الصراع، من خلال مباحثات جدة، التي تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتدشين عملية بناء الثقة بين أطراف النزاع عبر التفاوض بينهما، للتوصل إلى حل سلمي، إلا أن المحادثات السياسية الجارية لا تزال تسير ببطء ويكتنفها الغموض في وقت تتواصل فيه المعارك على الأرض.