أعلن بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت أن القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هو الهدف من العدوان الجاري على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فماذا يقول إسرائيليون عن إمكانية تحقيق هذا الهدف؟
كان يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول قد شهد عملية "طوفان الأقصى"، وهو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على عمليتها العسكرية الشاملة ضد جيش الاحتلال، الذي كان يوصف إسرائيلياً وغربياً وعربياً أيضاً بأنه "الجيش الذي لا يُقهر".
ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين في ذلك اليوم، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر؛ حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، بعد أن اخترقت الجدار الحديدي وسحقت "فرقة غزة" التابعة لجيش الاحتلال، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسْر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وهو اعتراف بأن هجوم المقاومة الفلسطينية هو هجوم عسكري.
عدوان إسرائيل على غزة
وبعد هجوم المقاومة، استمر الفشل والارتباك الإسرائيلي لدرجة أن الطائرات التي وصلت إلى سماء غلاف غزة لم تكن لديها أوامر محددة بما تفعله، وأطلق الطيارون صواريخهم على أي شيء يتحرك، حتى ولو كانوا مستوطنين إسرائيليين، وهو ما كشفه تحقيق للشرطة الإسرائيلية تم تسريب نتائجه للإعلام العبري السبت 18 نوفمبر/تشرين الثاني.
واستمر هذا الارتباك والتخبط حتى مع بداية الهجوم البري على قطاع غزة، في ظل وجود اختلافات عميقة في الرأي بين الجنرالات أنفسهم (خصوصاً بين المسؤولين السابقين والحاليين في الجيش)، والقيادات السياسية أيضاً. ففي أعقاب هجوم المقاومة مباشرة، كان هناك من قيادات الجيش من يريدون مهاجمة قطاع غزة برياً على الفور، وكان ذلك أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء في الأسبوع الأول. "كان رد فعل حيوان مجروح، مخلوطاً بالغضب والإذلال والإهانة"، بحسب تقرير إسرائيلي نشرته صحيفة معاريف وموقع واللا العبري.
وبعد أكثر من 3 أسابيع من الهجوم البري وأكثر من 8 أسابيع من القصف الهستيري والهمجي على قطاع غزة، الذي يقطنه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني وهو المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، لا يزال رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غالانت وباقي المسؤولين في المجلس المصغر الذي يدير العدوان على غزة مصرين على أن الحرب لن تتوقف إلا بالقضاء على حركة حماس.
فما مدى واقعية أو حتى إمكانية تحقيق هذا الهدف؟ الرد جاء من تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية ويخلص إلى أن "حماس جزء من الروح الفلسطينية الجديدة التي لا تستطيع إسرائيل تغييرها"، ويرصد النقاشات الدائرة حالياً في الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية بشأن المستقبل، ليس فقط في غزة بل في الأراضي الفلسطينية كاملةً.
تقرير "هآرتس" رصد بعض الآراء التي تروج أن حماس حركة دينية تابعة لإيران، وفي الوقت نفسه حماس جزء من جماعة الإخوان المسلمين، علماً بأن إيران شيعية والإخوان سُنة، لكن يبدو أن من يتبنون الفكر الإسرائيلي والغربي في ما يتعلق بحركة المقاومة الفلسطينية حماس لا يتوقفون كثيراً عند ما يكتبون أو يروجون له سواء كان منطقياً أو متناقضاً.
على أية حال، تسوق الصحيفة العبرية، كنموذج لهذا الطرح المتناقض بشأن حماس، ما كتبه صحفي جزائري يعيش في فرنسا، يدعى حميد زناز، في مقال له على موقع العرب، قال فيه: "بقاء حماس معناه أن إيران الملالي ستكون على الحدود المصرية وستهدد الأمن في سيناء وفي جمهورية مصر كلها. وسيكون الأمر أخطر عندما تعلن صراحةً أنها ذراع إيران المسلحة كما هو الحال بالنسبة إلى حزب الله. وستلعب حماس تجاه مصر السيناريو نفسه الذي يلعبه الحوثيون ضد السعودية منذ سنوات".
ويرى زناز، المعروف بهجومه المستمر على من تصفهم إسرائيل والغرب وزناز وأمثاله بأنهم "متطرفون وإرهابيون إسلاميون"، أن "بقاء حماس سيكون دعماً للمتهورين وعرقلة لمحور الاعتدال واستمراراً في تديين القضية الفلسطينية وتلطيخها بارتكاب عمليات وحشية تقضي على كل أمل في إقامة الفلسطينيين لدولتهم المستقلة".
ما هو أصل الخلاف بين حماس والسلطة الفلسطينية؟
لكن فكرة أن حماس حركة دينية تحاول إقامة دولة دينية، تكاد تكون معدومة في النقاش الفلسطيني، كما تقول "هآرتس" العبرية.
وكلمة حماس هي اختصار لحركة المقاومة الإسلامية، وهي جماعة تحرر وطني هدفها الأسمى الذي لم تحد عنه منذ وضع ميثاقها عام 1988، هو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهي تجمع بين صورة الحركة الدينية وصورة الحركة الوطنية التي تسعى جاهدة إلى "تحرير" كامل أراضي فلسطين، وليس فقط الأراضي المحتلة عام 1967.
وتقول المادة 27 من ميثاق حماس: "لا يمكننا أن نستبدل إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لنتبنى الفكرة العلمانية. فإسلامية فلسطين جزء من ديننا"، ولا تعتبر حماس نفسها بديلاً عن أو حتى منافساً لمنظمة التحرير الفلسطينية "فتح"، فالمادة 27 نفسها تضيف: "ويوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كمنهج حياة، فنحن جنودها ووقود نارها التي تحرق الأعداء. فإلى أن يتم ذلك– ونسأل الله أن يكون قريباً– فموقف حركة المقاومة الإسلامية من منظمة التحرير الفلسطينية هو موقف الابن من أبيه والأخ من أخيه والقريب من قريبه".
والخلاف بين حماس وفتح منذ الانتخابات التشريعية التي أجريت في الأراضي الفلسطينية عام 2005 ليس خلافاً أيديولوجياً بل هو خلاف بشأن كيفية التعاطي مع الاحتلال، وقد أجرت حماس مداولات ومفاوضات كثيرة مع فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة محمود عباس. ووُقعت الكثير من الاتفاقيات وأُلغيت.
وفي شهر يوليو/تموز الماضي، اجتمع رؤساء جميع الفصائل الفلسطينية في العلمين بمصر، وناقشوا مرة أخرى المصالحة المحتملة وإقامة سلطة حكم موحدة. ومرة أخرى لم يحدث أي تقدم. والسبب الرئيسي، على الأقل وفقاً لعباس، أن حماس لا تؤيد كفاحاً فلسطينياً سلمياً ضد إسرائيل.
وتفسير هذه النقطة لا يحتاج لكثير من التفاصيل في حقيقة الأمر، فالسلطة التي يرأسها عباس تريد مواصلة "الكفاح السلمي" ضد الاحتلال، وأن تواصل مسار المفاوضات التي بدأت منذ أوسلو عام 1994 وكان يفترض بموجبها أن تعلن الدولة الفلسطينية المستقلة خلال 5 سنوات أي عام 1999.
أما حماس ومعها باقي الفصائل الفلسطينية، مثل حركة الجهاد الإسلامي، فتتبنى خيار المقاومة المسلحة وترى أنه السبيل الوحيد لمواجهة الاحتلال الذي يستغل مسار المفاوضات لتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل وتهويد القدس وهدم المسجد الأقصى وضم الضفة الغربية بالكامل وتهجير الفلسطينيين منها، ثم يكون الدور على قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 16 عاماً.
الآن، عادت العلاقات بين حماس وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، خاصةً فتح، للنقاش من جديد بين الساسة والصحفيين والمعلقين الفلسطينيين، على خلفية العدوان الإسرائيلي الحالي الذي قد ينتهي بأن تفقد حماس سيطرتها على قطاع غزة.
روح فلسطينية جديدة عنوانها المقاومة
سياسة عباس- التي تقضي بأن السلطة الفلسطينية لن تدير غزة إلا في إطار حل الدولتين– ليست مُرضية للمشاركين في هذا النقاش السياسي، ولا أحد حتى يفكر في إمكانية زوال حماس من الوجود كحركة أيديولوجية وسياسية، بحسب "هآرتس".
ولذلك يقولون إنه من المستحيل الاكتفاء بعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، حتى لو بدأ نقاش حقيقي حول حل الدولتين، بضغط من الأمريكيين، فالسلطة الفلسطينية لا تحتاج إلى إصلاح عميق فحسب، بل إن منظمة التحرير الفلسطينية، لو أنها ترغب في تمثيل الشعب الفلسطيني، تحتاج إلى ثورة شاملة.
كان جمال زقوت، الذي شارك في الانتفاضة الأولى، مساعداً لياسر عرفات وعضواً بارزاً في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكتب هذا الأسبوع على موقع الرعد الأردني، أن على قادة حماس والجهاد الإسلامي وفتح أن ينهوا الانقسام ويشكلوا ائتلافاً؛ نظراً إلى القرارات المصيرية التي يواجهها الشعب الفلسطيني.
ونشر عريب الرنتاوي، رئيس مركز القدس للدراسات السياسية في عمان، رسالة مفتوحةً هذا الأسبوع موجهة إلى حركة فتح. وكتب أن على فتح أن "تغتنم هذه الفرصة التاريخية النادرة، للنهضة والاستنهاض، والعودة إلى مسارها الأصيل، كحركة تحرر وطني، وتنفض عن نفسها غبار السلطة والتنسيق الأمني، وتُعيد إلى كوادرها وقواعدها صورة الحركة الطليعية المقاتلة".
وكتب أنه إن لم تفعل فتح ذلك، "فإنها حتماً ستحتل مكانتها في قائمة الخاسرين في (طوفان الأقصى)، من دون أن تشفق عليها (سيوف نتنياهو الحديدية).. نافذة الفرص ضيقة للغاية، وساعة الرمل تكاد تُفرغ ما في جوفها".
وأضاف أن "ثمة رهاناً دفيناً على نجاح حماس في إتمام صفقة تبادل أسرى شاملة، يتحرر بنتيجتها المناضل القائد مروان البرغوثي، الذي تنعقد عليه الآمال بشأن استنهاض فتح واستردادها، وإنهاء الانقسام ولملمة الصف الفلسطيني".
وكتب الرنتاوي أنه لو حدث ذلك "فستكون حماس قدمت أكبر هدية إلى فتح، وأنها هي من فتح لها مسار التعافي بعد أعوام طوال من (الركود البريجنيفي)".
والبرغوثي، الذي يقبع في السجون الإسرائيلية منذ 20 عاماً، أصبح الاسم الذي يردده الجميع الآن، وهو يُعرف بمانديلا فلسطين. ويرى البعض أنه يحمل الحل السحري لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية والمشكلة الفلسطينية برمتها، وهو الرجل الجدير بأن يخلف عباس البالغ من العمر 88 عاماً.
ويشير استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في سبتمبر/أيلول، إلى أنه لو أجريت الانتخابات حينها، كان البرغوثي سيفوز بـ34% من الأصوات. وكانت 17% من الأصوات ستذهب إلى زعيم حماس إسماعيل هنية و5% إلى محمد دحلان زعيم فتح. وهذا بالطبع قبل العدوان الجاري حالياً على قطاع غزة.
وحتى لو تحقق حلم الرنتاوي، وأطلق سراح البرغوثي ضمن صفقة، فإجراء انتخابات لمجلس تشريعي أو رئيس فلسطيني في أي وقت قريب، مستبعد. فمن الضروري أن يُجرى هذا التصويت في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة كأساس لإعادة تنظيم منظمة التحرير الفلسطينية.
وفضلاً عن ذلك، لم يسأل أحدٌ البرغوثي عن شروطه لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، أو إن كان سيوافق على رئاسة السلطة الفلسطينية. وغير ذلك، ما شروط تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية، وكيف سيكون التعامل بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل تحت قيادته؟
في مقابلة أجراها عام 2016 مع منظمة مراقبة الإعلام الفلسطيني، قدم البرغوثي برنامجه لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية. وقال إنه من الضروري أولاً فتح حوار بين فتح وحماس يشترك فيه "جميع أعضاء المؤسسات التابعة لهاتين الحركتين". وهذا الحوار سيستمر ثلاثة أشهر ويحدد مبادئ الشراكة الفلسطينية الجديدة، التي يحصل فيها كل فصيل على حصته على أساس نتائج الانتخابات.
والبرغوثي هو مؤلف وثيقة الوفاق الوطني الشهيرة لعام 2006 والتي اُتفق فيها على انضمام حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وفي آخر مقابلة أجريت معه، قال البرغوثي إن هذه الوثيقة ستشكل عنصراً في أي اتفاق مستقبلي. ولا سبب للاعتقاد بأن العدوان الإسرائيلي على غزة سيغير نظرة البرغوثي إلى حماس ودورها في تجديد منظمة التحرير الفلسطينية.
الأمر المؤكد، بإجماع جميع الأطراف، هو أن العدوان الإسرائيلي الحالي لن يمحو الوجود السياسي لـ"حماس" في الضفة الغربية أو القدس الشرقية، حتى لو لم تتمكن مؤسساتها من العمل أو لم يتمكن أعضاؤها من العيش في الضفة الغربية.
والإفراج عن البرغوثي لا يضمن أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية الممثلَ الحقيقي للشعب الفلسطيني إذا لم تنضم حماس إليها. وفي النقاش الوطني الحالي، منح العدوان الإسرائيلي على غزة حماس مكانة لا يستطيع أي زعيم فلسطيني في المستقبل أن يتجاهلها.
إذ خلقت الحرب روحاً فلسطينية جديدة تعززها حماس. وبعض الفلسطينيين يرون في البرغوثي الدواء الشافي، أو فرصة لعملية سياسية مستقبلية، أو وسيلة لنقل السلطة في غزة.