تعتبر أغاني الثورة والمقاومة الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من الهوية والواقع الفلسطيني، الذي تكوّن منذ سنة النكبة، إلى عام الثورة، ثم الحروب التي تلتها، وما زالت مستمرة.
إذ كانت هذه الأغاني، التي عُرفت بلقب "الفن المقاوم"، عبارة عن شعارات شافية، تحكي عن الواقع المعاش، ومطالب الشعب، ورأيه فيما يعيشه من ظلم وعدوان، بسبب الاحتلال.
وعند الحديث عن أبرز الأشخاص الذين حفروا أسماءهم في ذاكرة الفلسطينيين والعرب من خلال أغاني المقاومة، فإن الملحن مهدي سردانة سيكون أول الأسماء التي يتم ذكرها، بعد أن قام بتلحين أشهر وأهم الأغاني التي تم ترديدها في مظاهرات مختلفة، والتي تنادي بعودة الأرض لأصحابها.
مهدي سردانة.. من الفلوجة إلى القاهرة
وُلد مهدي سردانة سنة 1940 في قرية الفلوجة، التي كانت تابعة لقضاء غزة، حسب التقسيم الذي كان يعتمده الانتداب البريطاني حينها.
كبر مهدي وهو يشارك في الجلسات التي كان والده محمد سردانة، وهو شيخ للطريقة الصوفية، في المنزل، وفيما كان يسمع ويتلو القرآن والذكر بشكل دائم، وهو الشيء الذي كوَّن مهارته في التلحين، حسب تصريح له.
إلا أنه عندما كان سردانة في عمر الثامنة، هُجر إلى مخيمات اللجوء في الأردن بعد وفاة والده في أحداث النكبة التي أدت إلى احتلال الأراضي الفلسطينية من طرف العصابات الصهيونية، وتأسيس دولة خاصة باليهود.
لم يستمر مهدي سردانة في الأردن طويلاً، إذ إنه قرر العودة إلى غزة بعد سنتين فقط من اللجوء خارج الوطن، والتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية وعمره لم يتجاوز 10 سنوات فقط.
وخلال هذه الفترة، تأثر سردانة بشكل كبير بالتراث الغنائي الفلسطيني، خصوصاً إعجابه بالألحان التي كانت تميز هذه الأعمال الفنية.
لكنه قرر الهجرة إلى مصر سنة 1958، عندما كان قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، حيث التحق بالمعهد الموسيقي، ثم عمل في إذاعة "صوت العرب" بالقاهرة، بصحبة فنانين مشهورين بأعمالهم الخاصة بالنضال والمقاومة الفلسطينية، وهم فؤاد ياسين وأبو عرب وكامل عليوة.
إذاعة "صوت العاصفة".. الانطلاقة القوية
بدأت تجربة سردانة تنمو من خلال تأديته لألحان كبار الملحنين المصريين من أمثال بليغ حمدي ورياض السنباطي.
فيما كانت إذاعة "صوت العرب " في القاهرة الباب الذي دخل منه مهدي سردانة إلى عالم التلحين الاحترافي، لينتقل بعد ذلك إلى إذاعة "صوت العاصفة" الناطقة باسم الثورة الفلسطينية التي كانت تبث من القاهرة.
إذ كانت هذه التجربة فرصة له من أجل لقاء شعراء مشهورين، مثل صلاح الحسيني ومحمد حسيب القاضي، ليشكلوا معاً رابطة خاصة بالأغاني الثورية، من ناحية الكتابة والتلحين، ونشرها عبر أثير إذاعة صوت العاصفة، التي تحول اسمها بعد ذلك إلى "صوت فلسطين"، وكانت تبث في كل من فلسطين في بغداد ودمشق.
ومن بين الأغاني التي قدمها سردانة في مساره، نذكر منها "طالعلك يا عدوي طالع"، و"ثوري ثوري يا جماهير الأرض المحتلة"، و"احمي الثورة بدمك"، و"جر المدفع"، و"أنا يا أخي"، و"يا شعبنا في لبنان"، و"شدوا زناد المرتين"، و"لغة البارود"، و"وعهد الله ما نرحل"، و"من قلب الخيمة".
ومع كل حرب أو معركة أو انتفاضة، كانت تصدر أغنية جديدة من ألحان سردانة، التي تتحول إلى شعار لا محيد عنه، من أجل التعبير عما يخالج المواطنين من مشاعر في صدورهم المحروقة بسبب عدوان الاحتلال.
حلم بالتحرير وتوفي بعد صراع طويل مع المرض
تحول سردانة بفضل أعماله إلى أيقونة في مجال تلحين أغاني المقاومة الفلسطينية، فتم تلقيبه بعدة ألقاب، من بينها "قيثارة الثورة الفلسطينية"، و"ملحن الثورة".
ففي سنة 2011، حصل مهدي سردانة على وسام الاستحقاق والتميز، من طرف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وذلك تقديراً لدوره الوطني في حقل الإبداع الفني والثقافي منذ النكبة.
وكان قد صرح في أحد البرامج التلفزيونية بأنه يحلم ويأمل أن يلحن الأغنية التي تتغنى بنصر فلسطين، ونهاية احتلال أراضيها، لتختفي التسميات التي تفرق الأراضي، بين الضفة وغزة، وتصبح كلها فلسطين.
فيما أشار في تصريح آخر إلى أن غايته من هذه الأعمال الفني التي قام بتلحينها لم تكن كسب المال، وإنما هي القتال بالطريقة التي يتقنها، وهي الكلمة والموسيقى.
إلا أن مهدي سردانة لم يعِش حلمه، بعد أن رحل عن عالمنا يوم 12 سبتمبر/أيلول من سنة 2016 بعد صراع طويل مع المرض، في مستشفى فلسطين بالقاهرة.