سكان مراوي يسترِقون نظرةً على مدينتهم المُدمَّرة بعد رحيل داعش، والصين تحصل على عقد إعادة بنائها

استولى مقاتلون يدينون بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مراوي، المدينة ذات الأغلبية المسلمة التي يقطنها ما يربو على 200 ألف شخص

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/12 الساعة 07:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/12 الساعة 07:32 بتوقيت غرينتش

بينما تقترب هايدي دامالاوانغ من منزلها للمرة الأولى، منذ استيلاء المسلحين على الحي، رأت أمام عينيها الأدلة على الكارثة التي نزلت به؛ عبارة "داعش" المرسومة على الباب المقابل لسيارة الأسرة المفكَّكة بالكامل، والجدران المهشَّمة بالرصاص، والمطبخ المشطور نصفين بفعل قذيفة مدفعية.

شعرت أنها محظوظةٌ.. نسبياً على الأقل.

فمنزلها، الذي يقع في حي وسط مراوي بالفلبين، لا يزال على الأقل في مكانه، بخلاف جارها ألباتا أوتو في الجانب المقابل من الشارع الذي وجد بين يديه قطعة أرض فارغة، بعد أن تحوَّل منزله إلى ركامٍ في وقتٍ مبكر من القتال، ونبت العشب من وسط الركام.

أخيراً سمح لهم بالعودة!

استولى مقاتلون يدينون بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مراوي، المدينة ذات الأغلبية المسلمة التي يقطنها ما يربو على 200 ألف شخص على ظهر جزيرة مينداناو في الفلبين، قبل أكثر من 10 أشهر، مما أدى إلى حصار عسكري للمدينة استمرَّ لأشهر، مع تنفيذ غارات جوية أميركية مُدمِّرة.

أخيراً سُمِحَ لسكان المدينة بالعودة، ولكن ليومٍ أو اثنين لكل عائلة لتخليص ما يستطيعون والرحيل مجدداً.

وتعتمد الخطوة التالية على كيفية إعادة بناء المدينة، والتوقيت الذي سيتم فيه. وفي نموذج صارخٍ لكيفية تقلب الأوضاع السياسية في الفلبين، يقول مسؤولون إن الدمار الذي تم إلحاقه جزئياً بمساعدة أميركية سيتم إصلاحه بيد كونسورتيوم بزعامة صينية.

ومع بداية زيارات المدنيين إلى مراوي، سُمِح لصحفيي New York Times حصراً الدخول إلى تلك الأحياء، وإلى بعض أجزاء المدينة التي لا يزال دخولها محظوراً عليهم، والتي يتناثر في أرجائها الركام والذخائر.

ومنذ أن أعلن الرئيس دوتيرتي النصر على الموالين لتنظيم داعش، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يُسمح للمدنيين بالعودة إلى بيوتهم. وتفرقوا في أرجاء البلاد خلال الأشهر الخمسة الماضية. بعضهم انتقل إلى حيث يسكن أقرباؤه بينما ظلَّ العديد منهم في العراء، في مخيمات خصَّصتها الحكومة للنازحين.

وبعد احتجاج السكان على تأخير عودتهم لمدينتهم، نظَّم الجيش زياراتٍ قصيرة لهم.

وقد أقرَّ الرئيس دوتيري العام الماضي، 2017، أن قوات الأمن الفلبينية قد فاجأها هجوم المسلحين على مراوي، وعلى مضض طلب مساعدة من حلفاء بلاده العسكريين التقليديين، أي الولايات المتحدة وأستراليا.

وتلى ذلك خمسة أشهر من أكثر الاشتباكات التي واجهها الجيش حدة، أوقع خلالها المسلحون قتلى بالمئات، واحتجزوا عشرات الرهائن، وقطعوا رؤوس الضحايا أمام أعين كاميرات. وتقدِّر الحكومة عددَ القتلى الإجمالي بـ1200 شخص.

وقُتل زعيم المتمردين إيسنيلون هابيلون، في أكتوبر/تشرين الأول، قبيل انتهاء الحصار. غير أن ما يقرب من 200 مقاتل كانوا قد تمكنوا من الهرب، وتواصلت الاشتباكات العنيفة لأسابيع بعد ذلك.

تاريخ من التهميش

وتعاني مراوي، التي عُرِفَت لفترة طويلة بـ"العاصمة الإسلامية" للفلبين، من تاريخ من التهميش من جانب الحكومة، المشكلة من الأغلبية الكاثوليكية من سكان البلاد. وحتى قبل بدء الحصار، كان سكان المدينة يفضِّلون عدم إيداع أموالهم في البنوك، مقابل الاحتفاظ بها في خزائن مصفحة والاتجار بها فيما بينهم. ورفض الكثير منهم تسجيل عقاراتهم، إذ فضَّلوا أن يظلوا بعيداً عن دفاتر الحكومة.

وحين بدأ الناس في العودة هذا الأسبوع، قال بعضهم إنهم موقنون أن الجيش الفلبيني هو من نهب بيوتهم، وليسوا المسلحين الإسلاميين. ولم يزدهم هذا سوى شعوراً بالعزلة.

وقالت سميرة جوتوك، الناشطة المجتمعية من مراوي: "جرت العادة على أن نظل معاً ونحرس بعضنا البعض عن قرب. والآن إن كنت فلبينياً مسلماً تحوم حولك الشكوك بأنك جزءٌ من هذا الإرهاب".

وحاول السكان في كافة أرجاء المدينة جمع ما وصلت إليه أيديهم من ممتلكاتهم: خردة ليبيعوها في السوق، ألبومات صور عائلية قديمة، دبلومات وشهادات مدرسية شبه محترقة.

جفت دموعي!

وفي وسط المدينة وقفت الدكتورة بيدوريا ماكابالانج -البالغة من العمر اثنين وخمسين عاماً- تعاين ما تبقَّى من حطام مستشفى السلام الذي تملكه أسرتها، وكان المستشفى يحوي 50 سريراً، والذي كان يعد أحد أكثر المنشآت حداثة في المدينة قبل بدء الحصار. استولى المسلحون على المستشفى واستخدموه لتضميد جرحاهم، ورسموا على الجدران رسوماً مؤيدةً لتنظيم داعش.

وتقول الدكتورة بيدوريا: "كان عليَّ أيضاً أن أسمح لموظفي المستشفى البالغ عددهم أكثر من ثمانين شخصاً بالمغادرة. فلا أحد يعرف ما يمكن أن يحدث لهم، لم أعد أستطيع البكاء، فقد جفَّت دموعي".

يسير وضع خطط إعادة إعمار المدينة بوتيرة بطيئة. وأعلن الرئيس دوتيرتي الأسبوع الماضي، أن معظم عقود إعادة إعمار المدينة ستمنح إلى مجموعة شركات صينية، غير أن الأمر يمكن أن يستغرق شهوراً قبل أن يبدأ العمل الفعلي.

وبدا الرئيس دوتيرتي يوم الثلاثاء، 10 أبريل/نيسان، وكأنه يلمح إلى هذا الأمر -وغيره- أثناء حديثه في مؤتمر صحفي للأعمال على جزيرة هاينان الصينية في حضور الرئيس شي.

ووفقاً لنص الكلمة كما صدرت عن الحكومة الفلبينية، قال الرئيس دوتيرتي: "تعد الفلبين والصين -باعتبارهما دولتين ذواتي سيادة- شريكتين في بناء البنية التحتية اللازمة. ونحن نبني معاً جسوراً أكبر للتعاون بين الشعبين".

وقال روميل بانلاوي، المُحلِّل السياسي والأمني، إن مستقبل مراوي يمكن أن يكون مؤشراً مهماً لعلاقة الفلبين مع الصين. فقال بانلاوي: "الأمر ليس مجرد حالة لمكافحة الإرهاب، وإنما اختبارٌ لسياسة دوتيرتي الخارجية".

وتعمل إدارة دوتيرتي على مدار العام المنصرم على التقارب مع بكين. وبالرغم من أن كلتا الدولتين دخلتا في نزاع على جزر في بحر الشمال الجنوبي، فإن احتمالية دخول الفلبين في مبادرة الطريق والحزام الصينية للبنية التحتية -التي وفّرت طرقاً سريعة وجسوراً وأنفاقاً لدول مجاورة مثل تايلاند وكامبوديا ولاوس- تبدو وكأنها تحرك الفلبين للمضي قدماً نحو الخروج من فلك الولايات المتحدة الأميركية.

وقال بانلاوي: "علاقة الفلبين مع الولايات المتحدة تغيَّرت بالفعل؛ إذ لا يريد الرئيس دوتيرتي أن تواصل الولايات المتحدة فرض شروطها".

12 هيكل عظمي

ونظراً لحجم الدمار الكبير، ربما تحتاج مراوي إلى أن تسوى بالأرض ويُعاد بناؤها بالكامل. غير أن السكان فقدوا الأمل تماماً في أن يستطيعوا القيام بذلك بأنفسهم.

وتقول السيدة بيدوريا: "نحن لا نريد للصين أن تخطوا داخل هذه المدينة، وأن تُدفع لها الأموال لتدمر منازلنا. هذه مدينتنا ويمكننا أن نعيد بناءها بسواعدنا".

وفي شهر يناير/كانون الثاني، اتَّخذت الحكومة خطوات للسيطرة على إعادة البناء بعيداً عن السكان. وأصدر الرئيس دوتيرتي مرسوماً رئاسياً يصنف معظم المنطقة الحالية في مراوي منطقة عسكرية، مع تقديم عرض بدفع تعويضات للسكان نظير أي منطقة تتم مصادرتها لأغراض عسكرية. ولكن حتى الآن لم تجرِ مناقشة أي مبالغ.

وقال الرئيس في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع: "سأقوم بأقصى ما لديَّ لمصلحتكم، لذا لا تستعجلوني. هل يمكنكم إعادة بنائها؟ وبكم مليار يمكنكم ذلك؟ ابقوا في أماكنكم فحسب".

وثمة خطرٌ مُحقَّق من العودة على نطاق واسع في الوقت الراهن. وقد وزع متطوعون من المنظمة السويسرية لأعمال إزالة الألغام منشورات على النازحين العائدين، تحذرهم من الألغام التي لم تنفجر. وتظهر اللافتات أنواعاً مختلفةً من القنابل.

وسار أحد الجنود متجاوزاً إيانا وهو يحمل قذيفة فارغة لقنبلة صاروخية، بينما القذائف التي تعود إلى عصر الحرب العالمية الثانية لا تزال متناثرة على الأرض.

ويواصل فريق "انتشال الجثث" من وزارة الصحة استخراج الأشلاء من المناطق المفجَّرة. وحين زارت صحيفة New York Times المكان، عثرت على 12 هيكلاً عظمياً، وتوقعت العثور على المزيد.

تحميل المزيد