تسعى الحكومة البريطانية إلى توسيع تعريف "التطرف" ليشمل الأفراد والمنظمات التي تأتي بأي تصرف ترى الحكومة أنه "يُضعف" مؤسسات البلاد وقيمها، وهو ما من شأنه أن يضع كثيراً من الأفراد والمنظمات الشرعية في بريطانيا بدائرة الاتهام بالتطرف، وفق ما ذكره موقع Middle East Eye البريطاني، السبت 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
فيما يتولى إعداد التعريف المزمع والخطط المرتبطة به موظفو الخدمة المدنية العاملون لدى مايكل غوف، وزير الدولة لشؤون الإسكان والمجتمعات، حسبما جاء في تقرير لصحيفة The Observer البريطانية نشرته السبت، وكشفت من خلاله تفاصيل هذا المشروع بعد أن حصلت على وثائق مسربة منه.
تعريف فضفاض لمصطلح "التطرف"
إذ قال بعض المسؤولين الذين يعارضون هذه الخطط لصحيفة "الأوبزرفر"، إن التعريف المقترح يضع كثيراً من الأفراد والمنظمات الشرعية في دائرة الاتهام بالتطرف. وقال مسؤول بالحكومة البريطانية إن "ما يدعو إلى القلق أن هذه حملة على حرية التعبير"، "فالتعريف فضفاض جداً، وسيشمل أفراداً ومنظمات شرعية".
تحمل الوثائق الداخلية المسربة من إدارة غوف وسمَ "رسمية وحساسة"، ويُقال إنها تذكر أن هذا التعريف يمكن أن "يشكل إطاراً لردٍّ جامع ومستحدث على التطرف". وتورد الوثائق كثيراً من تلك المنظمات التي تعدُّها "مشمولة" في التعريف، ومنها "المجلس الإسلامي البريطاني" (MCB)، و"منظمة العمل والإصلاح الفلسطيني" (المشاركة والتنمية الإسلامية).
إذ تقول الوثائق: إن "التطرف هو ترويج أو استنهاض أي أيديولوجية ترمي إلى هدم أو إضعاف نظام الديمقراطية البرلمانية في المملكة المتحدة أو مؤسساتها أو قيمها".
"تجريم المعارضة"
في المقابل، حذرت جماعات حقوقية من أن هذه الخطوة من شأنها "تجريم المعارضة"، وقمع حرية التعبير إلى حدٍّ بعيد.
حيث قالت أكيكو هارت، المديرة المؤقتة لمنظمة Liberty الحقوقية، لصحيفة الأوبزرفر: "إقرار هذا التغيير المقترح خطوة طائشة ومشؤومة، وتهدد بقمع حرية التعبير"، لأن "توسيع التعريف بحيث يتجاوز التوجيهات الحالية يُخاطر بتثبيط الأفراد والجماعات عن ممارسة حقوقهم في حرية التعبير بطريقة مشروعة، ويُتيح للحكومة التضييق على المنظمات المجتمعية والجمعيات الخيرية والجماعات الدينية التي يختلفون معها".
بينما قال إلياس نجدي، مدير قسم العدالة العنصرية بمنظمة العفو الدولية في بريطانيا: "علينا ألا نقبل هذا التعريف أو إقراره"، "فالتعريف الحالي للتطرف واستخدامه في سياسات مكافحة الإرهاب مثل (استراتيجية مكافحة الإرهاب "بريفنت" Prevent) يُطبقان بالفعل على نطاق واسع لدرجة أنه يسعى إلى إعاقة الناس فعلياً عن التنظيم والتعبئة. أما التعريف المقترح فيزيد من وطأة هذا التقييد ويمكن أن يصل إلى تجريم أي معارضة".
مشروع يستهدف الداعمين لفلسطين
يأتي الكشف عن هذه المقترحات بعد أسبوع من وصف وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في لندن بأنها "مسيرات كراهية"، وقولها إن حكومة المملكة المتحدة تقف "كالبنيان المرصوص في دعم إسرائيل".
كانت برافرمان حرضت الشرطة في السابق، على التحقيق فيما إذا كان التلويح بالأعلام الفلسطينية وترديد الهتافات المؤيدة للفلسطينيين ينطويان على تهديد للنظام العام أو يمثلان جرائم كراهية.
مع ذلك، فقد خرج المتظاهرون إلى شوارع لندن للأسبوع الرابع على التوالي يوم السبت 4 نوفمبر/تشرين الثاني. وتجمع الآلاف في ميدان ترفلغار في لندن، ونظَّم آخرون اعتصاماً في مفترق شارع أكسفورد.
التقييد والمراقبة
يأتي هذا المقترح الحكومي في أعقاب دعوات للمدارس في بريطانيا للإبلاغ عن الطلاب الذين يتحدثون عن حقوق الفلسطينيين بمقتضى برنامج "بريفنت" لمكافحة التطرف.
في وقت سابق من هذا الشهر، كتب مسؤولو وزارة التعليم إلى المدارس لحثِّهم على اتباع إجراءات برنامج "بريفنت"، وأنذروهم بأن "الأحداث في الشرق الأوسط" يمكن أن "تستخدم ذريعة لإثارة الكراهية في المجتمعات".
ورد كذلك أن شرطة العاصمة البريطانية لندن صدرت لها أوامر بتكثيف أنشطة جمع المعلومات الاستخبارية، و"زيادة دورياتها" بالمدارس، في سياق التعامل مع تداعيات الحرب الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فيما تتزايد تلك المخاوف بشأن زيادة البلاغات المستندة إلى برنامج "بريفنت" في السياق المتعلق بتأييد فلسطين في وقت دعت فيه منظمة العفو الدولية يوم الخميس 2 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى إلغاء برنامج مكافحة الإرهاب المثير للجدل.
في تقرير حديث، سلطت منظمة العفو الدولية الضوء على القيود المرتبطة ببرنامج "بريفنت"، ومراقبة النشاط الفلسطيني في الجامعات والهيئات العامة. وأوردت أمثلة على الانتهاكات التي قالت إنها تصل إلى مستوى انتهاكات التعهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
كما قالت المنظمة إن كثيرين أبلغوا عن تغيير سلوكهم بشأن القضايا التي تُصنف مثيرة للجدل، وانصرفوا عن تبادل الآراء بشأن فلسطين، والسياسات والإجراءات الإسرائيلية التي تصفها جماعات حقوق الإنسان بأنها ممارسات فصل عنصري؛ "خوفاً من أن يُنظر إليهم على أنهم متطرفون أو متعاطفون مع الإرهابيين".
"مخاوف جدية"
قالت مجموعة "Open Rights Group" ومجموعة "Prevent Watch" الحقوقيتان إن هناك "مخاوف جدية من أن التوصيات الحكومية الحالية للمدارس تتهدد التلاميذ ومعلميهم بالخطر، بدلاً من تمكين المناقشة والحوار المنطقي لمختلف الموضوعات".
كما قالت المجموعتان إن المدارس وهيئات القطاع العام أحالت أكثر من 45 ألف بلاغ للتحقيق بناءً على برنامج "بريفنت" لمكافحة الإرهاب منذ إقراره في عام 2015.
حيث قالت صوفيا أكرم، مديرة البرامج في مجموعة Open Rights Group المعنية بالدفاع عن الخصوصية وحرية التعبير، إن معظم هذه الإحالات لم تُفض إلى إجراء آخر، إلا أن لها "تداعيات محتملة" على الشباب المُحالين، وذلك على الرغم من أنه "لا يجوز أن يتعرض الطلاب لتهديد إجراء مقابلات مع شرطة مكافحة الإرهاب".
فيما ترى صوفيا أن "الإحالة لشرطة مكافحة الإرهاب تصبح وصمة في سجلات الطلاب، وتتشاركها قواعد البيانات التابعة لقوات الشرطة وأجهزة السلطة المحلية وغيرها، ربما إلى أجل غير مسمى".
يُذكر أن كثيراً من جماعات حقوق الإنسان ومنظمات المراقبة الحقوقية انتقدت مراراً برنامج "بريفنت" ووصفته بأنه ينطوي على تمييز ضد المسلمين.
إذ قالت ليلى آيت الحاج، مديرة منظمة Prevent Watch الحقوقية: "يجب تمكين الشباب من تطوير أفكارهم ومناقشتها والتعاطي معها في بيئة تدعمهم"، و"لا يجوز أن يُهددوا بإجراء مقابلات مع شرطة مكافحة الإرهاب. ولا يجوز أن نجعل الشباب المسلمين يشعرون بأنهم محرومون من سماع أصواتهم".
بينما قالت منظمة العفو الدولية بتقريرها الصادر في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، بعنوان "إنها شرطة الفكر"، إن توسيع نطاق برنامج "بريفنت" ليشمل المدارس وغيرها من مؤسسات القطاع العام أدى إلى انتهاكات لحقوق حرية التعبير، وحرية الفكر والضمير، وحرية الدين، وحرية التجمع السلمي، والحق في المساواة وعدم التمييز.
كما أشارت المنظمة إلى أن التقرير يوثِّق "نمطاً متواتراً من حوادث التمييز العنصري ووصم المسلمين".