تسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صَدْع بين أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي، بسبب دعم الرئيس الأمريكي القوي لتل أبيب في حربها على حركة حماس، وهو ما يهدد بتحطيم التحالف الانتخابي الذي ساعد جو بايدين على هزيمة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2020، بحسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية، الأحد 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
ففي مدينة بيتسبرغ وجّهت ميراكل جونز تحذيراً لجو بايدن، وقالت له إن دعم الرئيس القوي لإسرائيل في حربها على حماس سيؤدي إلى تآكل دعمه في اليسار، ويضر بفرص انتخابه لولاية جديدة عام 2024.
"البيت الأبيض خسر كثيرين"
جونز، وهي ناشطة سياسية تقدمية تبلغ من العمر 35 عاماً في مدينة بنسلفانيا الغربية التي سيحتاج فيها بايدن إلى تصويت قوي إذا أراد الفوز بالولاية المتأرجحة العام المقبل قالت: "البيت الأبيض خسر كثيرين".
وكشفت جونز أن مسلمين أمريكيين في منطقتها يحشدون لضمان فوز "أي أحد عدا بايدن" عام 2024، بينما يخشى الناخبون السود أن تؤدي صراعات دولية متعددة إلى إهمال الأولويات المحلية، ويشعر اليهود الليبراليون "بالأذى والعزلة". وقالت: "أظن أنك سترى كثيرين يدعمون أحزاباً غير تقليدية".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين أطلقت حماس عملية "طوفان الأقصى"، سارع بايدن إلى تقديم أقوى دعم عسكري ودبلوماسي ممكن من أمريكا لحليفتها، وظلت معدلات دعم الرئيس ثابتة.
انقسام بين الديمقراطيين
ولكن أسفل السطح نشأ صدع بين الديمقراطيين، حول الصراع في الشرق الأوسط، وهو ما يهدد بتحطيم التحالف الانتخابي الذي ساعد بايدن على هزيمة دونالد ترامب عام 2020.
إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب، في 26 أكتوبر/تشرين الأول، تراجعاً بنسبة 11 نقطة مئوية في دعم بايدن بين الديمقراطيين في ظرف شهر واحد فقط، ليهبط إلى 75% من 86% في سبتمبر/أيلول.
وكان هذا الانقسام واضحاً في منطقة بيتسبرغ، وفقاً لفايننشيال تايمز، إذ ظل عضوا مجلس الشيوخ الديمقراطيان عن ولاية بنسلفانيا، بوب كيسي وجون فيترمان، متفقين مع البيت الأبيض، ودعَمَا إسرائيل في ردها على هجوم حماس، الذي كان قصفاً مكثفاً لغزة وهجوماً برياً بدأ منذ سبعة أيام لتدمير الحركة الإسلامية. ويتفق كثيرون مع هذا الموقف.
إلى ذلك، قال ديفيد فيلدشتاين، صاحب مصنع كعك في حي سكويرل هيل، الذي تقطنه أغلبية يهودية: "أتصور أن كثيرين في المجتمع يشعرون بأن إسرائيل بحاجة للدفاع عن نفسها. ولا أظن أن هذا موقف مربح لأي طرف، ولكن إذا هاجمت وذبحت بعضاً من أفراد الشعب اليهودي فلا بد من فعل شيء، وإلا فسيستمر هذا للأبد"، حسب قوله.
في السياق، قالت جيل زيبين، مؤسسة ورئيسة منظمة التوعية اليهودية الديمقراطية في بنسلفانيا: أعتقد أن المجتمع اليهودي يدعم بايدن دعماً قوياً، والجالية اليهودية ستصوت له".
هدنة إنسانية
لكن سمر لي، النائبة الديمقراطية التقدمية التي تمثل بيتسبرغ في مجلس النواب، دعت إلى هدنة لمنع وقوع مزيد من الضحايا المدنيين الفلسطينيين والسماح بتمرير مزيد من المساعدات الإنسانية.
وقالت لي في بيان الشهر الماضي: "الطريق الوحيد للسلام، والطريق الوحيد لإنقاذ مزيد من الأطفال والأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين الأبرياء هو وقف التصعيد".
وفي حين تؤيد إدارة بايدن الآن "وقف" الاشتباكات للسماح بتمرير مزيد من المساعدات لغزة، والتفاوض على إطلاق سراح الرهائن، فإنها ترى أن الوقف الكامل للهجوم الإسرائيلي سيفيد حماس.
من جانبها، اعترفت نانسي بيلوسي، عضوة الكونغرس الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا، رئيسة مجلس النواب سابقاً، بأن بايدن تلقَّى "ضربةً بسيطة" بسبب موقفه مع إسرائيل، لكنها ما زالت تدعمه، وقالت: "أعتقد أن الرئيس على حق فيما يفعله، لكن هذا سيكون له تكلفته، وهذا ما يسمى الشجاعة".
تبرؤ من البيت الأبيض
في المقابل، تبرَّأ ديمقراطيون مؤثرون آخرون في الكونغرس من موقف البيت الأبيض، إذ اتهمت رشيدة طليب، النائبة التقدمية عن ولاية ميشيغان، بايدن بدعم الإبادة الجماعية للفلسطينيين.
طليب قالت في مقطع فيديو: "سيدي الرئيس، الشعب الأمريكي ليس معك في هذا، وسنذكره عام 2024".
في سياق متصل، قال ديك دوربين، ثاني أبرز ديمقراطي في مجلس الشيوخ، لشبكة CNN إنه يعتقد أن الوقت قد حان لوقف إطلاق النار: "ومن الضروري بذل جهد للمشاركة في حوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
كما طلب كريس ميرفي، السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت، من إسرائيل "مراجعة موقفها والتحول إلى هجوم أكثر تنظيماً وتناسباً لمكافحة الإرهاب".
مشاعر محبطة من الصراع
في ولاية بنسلفانيا تتصاعد المشاعر المحيطة بالصراع بين إسرائيل وحماس، لأنها كانت قبل خمس سنوات موقعاً لأسوأ هجوم معادٍ للسامية في تاريخ الولايات المتحدة، حين أطلق أحد العنصريين البيض النار على 11 من المصلين في كنيس شجرة الحياة في سكويرل هيل وقتلهم.
والأسبوع الماضي، عُثر على كتابات معادية للسامية في حديقة محلية، وكثفت الشرطة دورياتها، وقال فيلدشتاين: "الناس يزدادون توتراً".
وقالت جيل زيبين: "كيف لنا أن ندعو إلى وقف إطلاق النار في الوقت الذي تُحتجز فيه 200 رهينة، وحين يكون لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس؟! ما ينبغي الدعوة إليه هو استسلام حماس".
بينما قالت أفيجيل أورين، وهي مؤرخة إسرائيلية أمريكية ليبرالية في بيتسبرغ، إن الديناميكيات السياسية تتغير بسرعة، وإن الوحدة داخل المجتمع منذ الهجوم على الكنيس مهددة. وهي لا تعتقد بدعم إسرائيل "مهما كان الثمن"، لكنها لم تشعر بالراحة أيضاً تجاه مَن رفضوا إدانة حماس، ولم يفهموا أن لإسرائيل "الحق في الوجود".
وتابعت: "أعتقد أن كل ناخب في المجتمع اليهودي يعيد حالياً تقييم موقفه، ولو لم تدفن رأسك في الرمال فستضطر إلى مواجهة المخاطر، وتقييم موقف السياسيين، وتحديد ما إن كانوا متحالفين معك، وما إن كانوا لا يمثلون أولوياتك".
غضب من بايدين
أما في جالية المسلمين في بيتسبرغ، فالغضب واضح من موقف بايدن، إذ قال مهندس تكنولوجيا أمريكي من أصل فلسطيني، يبلغ من العمر 41 عاماً وله عائلة في غزة، ورفض الكشف عن اسمه خوفاً من استهداف عائلته هناك: "نحن قادة العالم الحر، نحن من يُفترض أن نحمي الأطفال. كم عدد الأطفال الذين يُفترض أن يموتوا قبل أن يدرك رئيسنا ضرورة الدعوة إلى وقف إطلاق النار؟! هل يحتاج إلى أن يقسم كل فرد في مجتمعنا بأنه سيصوت له؟".
ويقول مسؤولو إدارة بايدن إن غالبية الديمقراطيين يؤيدون تعاطيهم مع الصراع، مضيفين أنهم كانوا "مباشرين جداً" مع إسرائيل بشأن استراتيجيتها في الحرب، وضرورة تقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
فيما قال مسؤول أمريكي كبير للصحفيين، يوم الجمعة 3 نوفمبر/تشرين الثاني: "أجروا تحسينات كبيرة على ما كانت خطتهم الأصلية".
ورداً على مخاوف من حدوث انشقاقات داخل الحزب، قال عمار موسى، أحد المتحدثين باسم حملة بايدن 2024، إن الرئيس "يدرك أهمية كسب ثقة كل الجاليات، ودعم الكرامة والحقوق المقدسة لجميع الأمريكيين"، على النقيض من "برنامج يعادي الإسلام علناً" ويدعمه الجمهوريون.
ولأنه لم يتبقَّ إلا عام على الانتخابات الرئاسية، ونادراً ما تتصدر السياسة الخارجية قائمة اهتمامات الناخبين في انتخابات البيت الأبيض، يقول النشطاء السياسيون في ولاية بنسلفانيا وعلى مستوى البلاد إنه من السابق لأوانه الخروج بأي استنتاجات قاطعة عن نتيجة السباق.
ودعا ترامب إلى إحياء ما يسمى بحظر سفر المسلمين، الذي فرضه خلال فترة ولايته في البيت الأبيض، إذا فاز مرة أخرى، وربما لا يزال الناخبون اليساريون يعتبرون أن بايدن خيارهم الأفضل، رغم عدم رضاهم عن موقفه مع إسرائيل.
لكن جونز قالت إن الأمر تحول فجأة إلى جهد مستميت لحشد الناخبين لدعم بايدن. وقالت: "أعتقد أن بايدن قد يحوز ما يكفي من الأصوات للفوز بفارق محدود، ولكن من الضروري أن يكون العمل جاداً، إذ يبدو أننا عدنا إلى "الحرب على الإرهاب" دون أن نتعلم أي درس، وأظن أن هذا هو ما يحبط الناس".