قبل عشر سنوات كان المستوطنون الإسرائيليون يطلقون النار لتخويف الفلسطينيين أو إصابتهم في أثناء المواجهات، لكن هجمات المستوطنين الإسرائيليين الآن تصب الزيت على النار، لا سيما مع احتدام الحرب في قطاع غزة، حيث لم يعد المستوطنون يطلقون النار على الأرجل وهم يصوبون على جيرانهم الفلسطينيين، بل "يطلقون النار الآن بهدف القتل".
وتصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية المحتلة، التي وصلت بالفعل هذا العام إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من 15 عاماً، بعد أن شنّت إسرائيل حرباً جديدة على قطاع غزة، بعد أن أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول، رداً على جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
فبعد 6 أيام من العدوان الإسرائيلي على غزة، قُتل والد وشقيق الفلسطيني محمد وادي بالرصاص عندما اعترض مستوطنون وجنود إسرائيليون مسلحون جنازة 3 فلسطينيين قتلهم مستوطنون في اليوم السابق، حسبما نقلت رويترز عن 3 شهود.
وكان هذا واحداً من أكثر من 170 هجوماً للمستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين سجلتها الأمم المتحدة منذ بدء العدوان على غزة.
وقال وادي البالغ من العمر (29 عاماً) في قرية قُصرة، التي تشتهر بزراعة الزيتون: "كان العرب واليهود يرشقون بعضهم بالحجارة. ويبدو أن المستوطنين في نفس عمري يحملون جميعاً أسلحة آلية الآن"، مضيفاً أن المستوطنين المسلحين كانوا قبل 10 سنوات يطلقون النار لتخويف القرويين أو إصابتهم في أثناء المواجهات، إلا أن إطلاق النار أصبح في مقتل على نحو متزايد.
ووفقاً لرويترز، فإنها لم تتمكن من تحديد هوية من أطلق النار على والد وادي وشقيقه بشكل قاطع. وقال المسؤولون الفلسطينيون الذين حققوا في واقعة الجنازة إن إطلاق النار جاء على ما يبدو من مستوطنين وليس من جنود، وهو رأي أيده 3 أشخاص آخرون كانوا يشيعون الجنازة.
إلى ذلك، قالت شيرا ليبمان، رئيسة مجلس يشع، المنظمة الرئيسية للمستوطنين في الضفة الغربية، إن المستوطنين لم يشاركوا في عمليات قتل ولا يستهدفون الفلسطينيين.
بينما قال إيتمار بن غفير، وزير الأمن الوطني الإسرائيلي اليميني المتشدد، وهو واحد من وزيرين كبيرين على الأقل في الحكومة يعيشان في المستوطنات، إنه أمر بشراء 10 آلاف بندقية لتسليح المدنيين الإسرائيليين، ومن بينهم مستوطنون، بعد عملية طوفان الأقصى.
ولم يرد مكتب بن غفير على طلب للتعليق على رويترز عما إذا كانت الأسلحة قد وزعت بالفعل في الضفة الغربية. وقال على تويتر في 11 أكتوبر/تشرين الأول إنه تم توزيع 900 بندقية هجومية في مناطق شمال الضفة الغربية بالقرب من لبنان، وسيتم توزيع آلاف أخرى قريباً.
من جهته، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن هجمات المستوطنين أسفرت عن مقتل 29 شخصاً هذا العام. ووقع 8 منهم على الأقل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، مما أثار قلق الفلسطينيين وخبراء الأمن الإسرائيليين والمسؤولين الغربيين.
في السياق، نددت واشنطن بهجمات المستوطنين في الضفة الغربية، كما أدان الاتحاد الأوروبي الثلاثاء "إرهاب المستوطنين"، الذي ينذر "بتصعيد خطير للصراع".
وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن هجمات المستوطنين اليومية تضاعفت لأكثر من مثليها، منذ أن قتلت حماس 1400 إسرائيلي واحتجزت أكثر من 200 رهينة. ومنذ ذلك الحين، تقصف إسرائيل قطاع غزة وتتوغل فيه، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 9 آلاف فلسطيني.
وفي حين تسيطر حماس على قطاع غزة المحاصَر، فإن الضفة الغربية عبارة عن خليط معقد من المدن الواقعة على سفوح التلال والمستوطنات الإسرائيلية ونقاط التفتيش العسكرية التي تقسم التجمعات السكنية الفلسطينية.
القتل في الجنازة
بعد أن قتل مستوطنون 3 فلسطينيين بالرصاص في بستان للزيتون بالقرب من قُصرة في 11 أكتوبر/تشرين الأول، قال وادي إن شقيقه أحمد ووالده إبراهيم اعتقدا أن من واجبهما المشاركة في الجنازة بعد إحضار الجثث من مستشفى قريب.
ونقلت رويترز عن شهود أن والد وادي أُصيب برصاصة في الصدر، بينما أصيب شقيقه في الرقبة والصدر، بعد أن قطع مستوطنون مسلحون، في حضور جنود يرتدون الزي الرسمي، طريق الجنازة.
إلى ذلك، قال عبد الله أبو رحمة، الذي يعمل في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للحكومة الفلسطينية "كان إطلاق نار من المستوطنين".
وذكر الجيش الإسرائيلي أنه حاول فض اشتباكات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في ذلك اليوم، وأنه يحقق في الحادث. ونفت ليبمان تورط المستوطنين في عمليات القتل، في حين قالت إحدى الصفحات المحلية باللغة العبرية على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تدعم النشطاء من المستوطنين إن الجيش الإسرائيلي أطلق النار على وادي الأب وابنه.
وقالت ليبمان لرويترز "تلقينا ما يكفي من الهجمات الإرهابية الوحشية. نواجه عدواً يريد تدميرنا"، حسب قولها.
وأضافت "فرق الأمن المحلية" مجهزة لحماية التجمعات السكنية اليهودية.
ومنذ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، زاد بوضوح تأييد الفلسطينيين في الضفة الغربية لحماس، بما يشمل مناطق لم تكن تحظى فيها الحركة بشعبية كبيرة عادة.
ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، هذا العام هو الأكثر دموية في 15 عاماً على الأقل بالنسبة لسكان الضفة الغربية إذ قُتل نحو 200 فلسطيني و26 إسرائيلياً. لكن في الأسابيع الثلاثة التي تلت هجوم حماس قُتل 121 فلسطينياً آخرون في الضفة الغربية. وسقط معظم القتلى خلال اشتباكات مع الجنود.
ومع ذلك، تؤجج تصرفات المتطرفين الإسرائيليين الغضب الفلسطيني الذي يقول مراقبون إنه قد يتحول إلى المزيد من الأعمال المسلحة.
"خطر داهم"
من جانبهم، يقول خبراء أمن إسرائيليون إن العنف المرتبط بالمستوطنين أصبح من الصعب وقفه في ظل الحرب المستمرة في غزة، والقوة المتزايدة للسياسيين من اليمين المتطرف.
إذ قال ليئور أكرمان، المسؤول السابق في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، "هناك خطر داهم (من) نشطاء اليمين المتطرف في الضفة الغربية".
وذكر أن المستوطنين يستغلون انتشار الجنود في غزة وشمال إسرائيل، حيث تقاتل القوات جماعة حزب الله اللبنانية، لشن هجمات بدون قيود. وأردف قائلاً "الجيش أكثر انشغالاً الآن مما يسمح (للمستوطنين) بالعمل بحرية.
وأضاف "إنهم يتلقون الدعم أيضاً من ممثلي الحكومة… مما يجعل الأمر صعباً على الأجهزة الأمنية".
وعين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزراء يمينيين متطرفين، من بينهم بن غفير، في حكومته العام الماضي لضمان فترة أخرى في المنصب.
وفي إشارة إلى أن حوادث المستوطنين تثير قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أمرت وزارة الدفاع هذا الأسبوع بالاعتقال الإداري لأرييل دانينو، وهو من نشطاء المستوطنين البارزين لأسباب تتعلق بأمن الدولة، وهو إجراء عادة ما كان يتخذ ضد النشطاء الفلسطينيين.
"امنحونا السلاح"
يقول وادي إن عائلته تتجنب العمل المسلح وترى تصاعداً في الأعمال العدائية للمستوطنين. ويعمل وادي في هيئة حكومية فلسطينية تراقب عنف الجنود والمستوطنين.
وقال وادي إن والده إبراهيم كان مسؤولاً محلياً حاول التوسط بين السلطات الإسرائيلية والفلسطينية للحد من العنف، وكان مكروهاً من المستوطنين المتطرفين.
وذكر أكرمان أن عنف المستوطنين يهدد بتفجير" أعمال مقاومة من جيل جديد من النشطاء الفلسطينيين ظهر في الضفة الغربية"، من بينهم مجموعة عرين الأسود التي دعت يوم الثلاثاء إلى شن هجمات على إسرائيل.
وقال لـ"رويترز" إن مقاومين فلسطينيين اعتلوا سطح أحد المنازل لمراقبة الجنازة، التي أقيمت بعد مقتل والد وادي وشقيقه في 12 أكتوبر/تشرين الأول، تحسباً، على ما يبدو، لأي أعمال عنف من المستوطنين.
وحتى الآن لم يتم اتخاذ أي إجراء كبير، إذ يقيد الجيش الإسرائيلي تحركات الفلسطينيين في أرجاء الضفة الغربية واعتقل مئات الرجال منهم.