قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليونَي فلسطيني، يعاني من التضييق الكثير بسبب حصار دولة الاحتلال الإسرائيلية، التي تحده من الشمال والشرق، وذلك بعد احتلالها عدة أراضٍ فلسطينية، بعد نكبة 1948.
وتحيط بقطاع غزة ثمانية معابر، ستة منها تصله بدولة الاحتلال، واثنان منها بمصر، إلا أن إسرائيل تغلق أربعة معابر بشكل دائم، وتفتح اثنين فقط بشكل متقطع وبشروط صارمة.
وفيما يخص المعابر التي تصل بمصر، وهي صلاح الدين، ورفح، فهما لا يخضعان للسيطرة الإسرائيلية رسمياً، لكنهما يتأثران بالعلاقات السياسية بين مصر وحماس وإسرائيل.
في هذا المقال، نستعرض لكم تاريخ تأسيس كل المعابر التي تصل قطاع غزة بالعالم الخارجي، وأدوارها الرئيسية، وأوضاعها المتغيرة حسب التغيرات السياسية.
معبر رفح
يقع معبر رفح بين مدينة رفح الفلسطينية في قطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء في مصر، ويعتبر شريان الحياة الوحيد لسكان قطاع غزة إلى العالم، خارج دولة فلسطين، ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
تم تشييد المعبر في البداية سنة 1967، خلال حرب الأيام الستة، عندما كانت لا تزال غزة تحت الإدارة المصرية، وكانت عملية التأسيس تعرف حينها باسم "بوابة صلاح الدين".
إلا أن التأسيس الرسمي تم سنة 1979، بعد عقد اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر في واشنطن العاصمة بالولايات المتحدة، وانسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء سنة 1982، وقد تم إطلاق اسم "رفح" على المعبر نسبة إلى مدينة رفح الحدودية مع مصر.
كان المعبر تحت إدارة هيئة المطارات الإسرائيلية من الجهة الفلسطينية إلى غاية سنة 2005، لتصبح المراقبة تتم من خلال مراقبين أوروبيين لفترة قصيرة.
أغلقت إسرائيل المعبر بشكل شبه كامل، حتى أمام الصادرات الغذائية، بعد حادث خطف جندي إسرائيلي سنة 2006، فيما تم إغلاقه بشكل كامل بعد سيطرة حماس على القطاع.
وبعد ذلك أصبح معبر رفح يعرف عمليات فتح وإغلاق متعددة، وفقاً لمسار العلاقات بين الأطراف المتحكمة في المعبر.
وينحصر العبور عبر معبر رفح في التنقلات البشرية، بالنسبة لحاملي بطاقة الهوية الفلسطينية، مع استثناء لبعض الأشخاص في بعض الحالات، وذلك وفقاً لاتفاقية المعابر الموقّعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
معبر بيت حانون
تم بناء معبر بيت حانون على الحدود الشمالية لقطاع غزة، ومن خلاله يمكن الوصول إلى الأراضي المحتلة، وهو تحت سيطرة الاحتلال بشكل كامل.
عمليات العبور عن طريق المعبر تتم من خلال الحصول على تصريح من سلطات دولة الاحتلال الإسرائيلية، والتي يجب التقديم عليها قبل مدة من تاريخ السفر، ولا يتم إعطاء التصريح إلا لأشخاص معينين، من بينهم المرضى الذين يحتاجون العلاج خارج القطاع.
وتتم من خلال معبر بيت حانون جميع عمليات تنقّل العربات بمختلف أنواعها، والأفراد، سواء كانوا مواطنين فلسطينيين من غزة أو أجانب من خارج القطاع.
ومن بين الأشخاص الذين يسمح لهم بالدخول من هذا المعبر البري، كل من الدبلوماسيين، والصحفيين، والبعثات الأجنبية، والشخصيات المهمة، وبعض التجار والعمال الذين لا يمانعون الدخول بتصريح إسرائيلي، كما يتم إدخال الصحف والمطبوعات التي تتم طباعتها خارج القطاع.
إلا أن حركة المرور تضاءلت منذ سنة 1991، بعد الحصار الذي فرضته دولة الاحتلال على القطاع، وأصبحت تقلل عدد التصاريح التي تقدمها للمواطنين.
وقد عاش سكان قطاع غزة سنة 1995 فرض إغلاق شامل، إلى جانب إقامة جدار إلكتروني وجدار إسمنتي حول القطاع، فيما تم إلغاء الكثير من التصريحات وإغلاق باب المعبر لمدة أطول، سنة 2000 بعد الانتفاضة الثانية.
وبعد سنة 2007، عندما أصبحت حماس من يتولى سلطة قطاع غزة، فرضت دولة الاحتلال الإغلاق الشامل للمعبر، إلا لحالات خاصة جداً، مثل الحالات الإنسانية والاستثنائية، وقد يتم رفض الطلب حتى وإن كان الشخص يستوفي الشروط المطلوبة.
معبر كرم أبو سالم
تأسس معبر كرم أبو سالم بموجب اتفاقية أوسلو بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية سنة 1994، وهو واقع بين مصر وقطاع غزة، بالقرب من معبر رفح.
ويعتبر هذا المعبر هو المنفذ التجاري الرئيسي الوحيد للقطاع المحاصر منذ عام 2007، إذ تتم السيطرة عليه من طرف دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتنسيق مع الجانب المصري، وتشرف على إدخال البضائع إليه "اللجنة الرئاسية لإدخال البضائع" التابعة للسلطة الفلسطينية.
ويرتبط معبر كرم أبو سالم بأهمية كبيرة بالنسبة لسكان قطاع غزة، حيث يمثل شريان الحياة الذي يدخل من خلاله مواد البناء والسلع والمحروقات والمواد الغذائية التي يحتاجها القطاع، كما يستخدم المعبر أحياناً لعبور المساعدات الإنسانية وبعض الفلسطينيين حين يتعذر عليهم استخدام المعبر الرئيسي.
وحسب تقارير لمنظمات حقوقية، فإن نحو 57.5% من حركة التجارة في قطاع غزة تتم عبر معبر كرم أبو سالم، حيث تدخل إلى غزة عبره شاحنات تحمل منتجات أساسية ومواد خام للصناعة ومعدات طبية وغذائية وفواكه ووقوداً وغيرها.
ولكن رغم أهمية المعبر، فإنه يواجه الكثير من التحديات والصعوبات التي تؤثر على كفاءته وفاعليته، وذلك لأنه صغير مقارنة بمعبر المنطار، الذي كان يستخدم قبل إغلاقه عام 2007، ولا تتوفر فيه البنية التحتية الملائمة لحركة تجارية نشطة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المعبر يتعرض لإغلاقات متكررة من قِبل الجانب الإسرائيلي، الذي يفرض شروطاً معقدة تعرقل الاستيراد وتخنق التصدير، ويستخدمه كورقة ضغط على حركة حماس.
وتتسبب هذه المضايقات في أزمة اقتصادية ومعيشية كبيرة للقطاع، حيث يتأثر بالإغلاقات والتضييقات قطاعا الزراعة والصناعة، كما يتأثر قطاع مزارع الأسماك. وتؤدي الإغلاقات إلى تعطيل الحياة التجارية والصناعية وينجم عنها خسائر كبيرة، وأضرار اقتصادية جسيمة للصناعات وأصحاب الأعمال والتجار في غزة.
معبر المنطار أو كارني
افتُتح هذا المعبر كذلك سنة 1994، بموجب اتفاقية أوسلو بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، هو معبر تجاري كان يربط قطاع غزة بدولة الاحتلال إسرائيل، ويقع إلى الشرق من مدينة غزة، على خط التماس الفاصل بين الجانبين.
كانت تسيطر عليه تل أبيب بالكامل، وأغلقته نهائياً في عام 2011، فيما بدأت في تحويله إلى جدار إسمنتي في نهاية عام 2022.
وقد كان معبر المنطار يعد الممر التجاري الرئيسي للقطاع قبل إغلاقه، وكان مجهزاً بالمعدات والآليات والبنية التحتية التي تتيح حركة تجارية نشطة وفاعلة في الاتجاهين استيراداً وتصديراً.
وبحسب اتفاقية المعابر، كان يسمح من خلاله بمرور 150 شاحنة يومياً، وهو الحد الأدنى من الاحتياجات لضمان سير الاقتصاد الفلسطيني بناء على تقديرات البنك الدولي، وقد زاد العدد إلى 400 شاحنة في عام 2006.
لكن السلطات الإسرائيلية كانت تقوم بالتضييق على التجار، من خلال اشتراط تفتيش مزدوج لكل ما يمر عبر المعبر، ما يؤدي إلى تلف البضائع وإضاعة الوقت، كما كان يشكل عبئاً مادياً على سكان القطاع، خصوصاً التجار والمزارعين، الذين كانوا يدفعون أموالاً طائلة لنقل البضائع واستيرادها.
وخالفت إسرائيل بنود اتفاق المعابر، وأغلقت المعبر معظم أيام السنة، بحجة أمنية، ولم تسمح بمرور إلا عدد قليل من الشاحنات يومياً، إذ كان يعمـل بنحو 23% من طاقته فقط، الشيء الذي أثّر سلباً على نمو الاقتصاد في القطاع، وزاد من نسبة البطالة، وأدى إلى نقص في السلع والأدوية.
وفي رد فعل على عملية أسر المقاومة الفلسطينية للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2006، أغلقت إسرائيل المعبر مؤقتاً، ثم أغلقته نهائياً في عام 2011. وبقي معبر "كرم أبو سالم" المعبر التجاري الوحيد بين إسرائيل والقطاع.
وفي نهاية عام 2022، شرع جيش الاحتلال في عملية أطلق عليها "كارني عوز"، لإزالة معبر "كارني" على حدود قطاع غزة، واستكمال إقامة عائق بري، على شكل جدار إسمنتي في مكانه، وبررت إسرائيل هذه الخطوة بأنها تهدف إلى "تعزيز خط الدفاع على طول الحدود مع غزة".